المملكة والحج.. عقود متعاقبة من العناية بالحرمين الشريفين وخدمة ضيوف الرحمن
محسن عبدالستار
ترصع المملكة العربية السعودية عاماً بعد عام سجلها التاريخي الذهبي الحافل، بإمكاناتها وخبراتها المتراكمة في تنظيم الحج ومناسكه بكل اقتدار، حيث تُعدّ خدمة الحرمين الشريفين من أهم أولويات قيادة المملكة التي يتشرف بها ملوك هذه البلاد الطاهرة، وواجب يتفانون في أدائه تقربًا إلى الله وأداءً لدورهم الريادي والقيادي في خدمة الإسلام والمسلمين، وقد سعوا طوال العهود المتعاقبة إلى توفير سبل الراحة وتيسير أمور الحج والزيارة وتسهيل جميع الإجراءات وتقديم أرقى الخدمات ليُؤدي ضيوف الرحمن عباداتهم في روحانية وسهولة ويسر وأمن وأمان.
أعداد مليونية
شهد المسجد الحرام منذ عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله حتى العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده توسعات متعاقبة كان لها دورها وأثرها البالغ في استيعاب الأعداد المليونية من ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين والمصلين والمتزايدة بشكل مطرد عامًا بعد عام، حيث بلغت المساحة الإجمالية لجميع التوسعات (750) ألف متر مربع، وذلك لاستيعاب ما لا يقل عن مئة وخمسة آلاف طائف بالساعة، بالإضافة إلى ما يزيد عن ثلاثة ملايين مصلٍ مما يدل على حرص ملوك المملكة، بداية من مؤسسها على تقديم كل ما فيه خدمة للدين الإسلامي الحنيف، وبيت الله الحرام.
عقود من العناية
أمر الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - سنة ١٣٤٤هـ بترميم المسجد الحرام ترميمًا كاملًا وإصلاح كل ما يقتضي إصلاحه، وكذلك ترخيم عموم المسجد، وفي سنة ١٣٤٥هـ أمر بوضع السرادقات في صحن المسجد لتقي المصلين حر الشمس. كما أنه أمر، في سنة ١٣٤٦هـ بإصلاح آخر للمسجد الحرام، شمل الترميم والطلاء، كما أصلح مظلة إبراهيم، وقبة زمزم وشاذروان الكعبة المشرفة.
وفي مستهل العام ١٣٧٣هـ أمر الملك سعود، بتركيب مضخة لرفع مياه زمزم وبعدها بعام في ١٣٧٤هـ أمر بإنشاء بناية لسقيا زمزم أمام بئر زمزم، وفي سنة ١٣٧٥هـ أمر باستبدال الشمعدانات الستة بحجر إسماعيل عليه السلام بأضواء الكهرباء، كما أمر بتبليط أرض المسعى.
وفي العام ١٣٧٥هـ ألقى الملك سعود خطابه التاريخي بالشروع في توسعة المسجد الحرام التي أمر بها وبدأ العمل في ٤ ربيع الآخر عام ١٣٧٥هـ، وتضمنت هذه التوسعة ثلاثة طوابق، وهي الأقبية، والطابق الأرضي، والطابق الأول، مع بناء المسعى بطابقيه وتوسعة المطاف، وأصبح بئر زمزم في القبو.
وفي سنة ۱۳۸۷هـ أمر الملك فيصل بإزالة البناء القائم على مقام إبراهيم لزيادة مساحة صحن المطاف للطائفين، كما وضع المقام في غطاء بلوري، وفي العام ١٣٩١هـ أمر ببناء مبنى مكتبة الحرم المكي الشريف، وفي سنة ١٣٩٢هـ بدئ في بناء مصنع كسوة الكعبة المشرفة في موقعه الجديد في أم الجود، وتوسيع أعماله.
وفي العام ١٣٩٦هـ أتم الملك خالد ما تبقى من عمارة وتوسعة المسجد الحرام الأولى، كما تم في عهده - رحمه الله - افتتاح مصنع الكسوة بعد تمام البناء والتأثيث، عام ١٣٩٧هـ، وفي سنة ۱۳۹۸هـ تم توسيع المطاف في شكله الحالي، كما فُرشت أرضيته برخام مقاوم للحرارة جُلب من اليونان مما زاد من راحة المصلين والطائفين، وشملت توسعة المطاف نقل المنبر والمكبرية وتوسيع قبو زمزم، وجعل مدخله قريبًا من حافة المسجد القديم في جهة المسعى، وركبت صنابير لشرب الماء وجعل للبئر حاجز زجاجي.
وفي مستهل العام ١٤٠٦هـ أمر الملك فهد بن عبدالعزيز بتبليط سطح التوسعة السعودية الأولى بالرخام البارد المقاوم للحرارة، كما أنه في العام ١٤٠٩هـ وضع الملك فهد، حجر الأساس للبدء في التوسعة السعودية الثانية، وفي سنة ١٤١١هـ أُحدثت ساحات كبيرة محيطة بالمسجد الحرام، وهُيئت للصلاة، لا سيما في أوقات الزحام، حيث بُلطت برخام بارد ومقاوم للحرارة وأُنيرت وفُرشت، وتبلغ المساحة الإجمالية لهذه الساحات (٨٨) ألف متر مربع، وفي سنة ١٤١٥هـ وُسعت منطقة الصفا في الطابق الأول تسهيلًا للساعين وذلك بتضييق دائرة فتحة الصفا الواقعة تحت قبة الصفا، وفي سنة ١٤١٨هـ أُنشئ جسر الراقوبة الذي يربط سطح المسجد الحرام بمنطقة الراقوبة من جهة المروة، لتسهيل الدخول والخروج إلى سطح المسجد الحرام، وفي سنة ١٤٣٨هـ أمر بتوسعة وتطوير المسعى بكامل أدواره.
وفي مستهل العام ١٤٣٢هـ دشن الملك عبدالله بن عبدالعزيز أكبر توسعة في تاريخ المسجد الحرام بتكلفة ٢٠٠ مليار ريال، حيث رُفعت الطاقة الاستيعابية للحرم إلى مليون وثمانمائة وخمسين ألف مصل، وبدأت مراحل العمل على مضاعفة الطاقة الاستيعابية بصحن الطواف إلى ٣ أضعاف طاقته السابقة، بالإضافة إلى أنظمة الصوت والإضاءة والتكييف ومنظومة طواف المشاة.
الرواق السعودي
بدأ العمل في الرواق السعودي منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، وأكمل أبناؤه البررة من بعده هذا الاهتمام وصولاً إلى العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله - ليكون مفخرة للمملكة العربية السعودية على مر الأزمان.
يتضمن الرواق السعودي مشروع توسعة المطاف خلف الرواق العباسي، ويحيط به وبصحن الكعبة المشرفة، والذي أتى حين أمر الملك عبدالعزيز، ببناء توسعة للمسجد الحرام لاستيعاب أعداد الحجاج المتزايدة، وبدأ العمل عليه في عهد الملك سعود عام 1375هـ/1955م، واستمر بناء الرواق في عهد الملك سعود والملك فيصل والملك خالد، ليستكمل تطويره في عهد الملوك فهد وعبدالله - رحمهم الله -، وحتى العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده.
ويحيط الرواق السعودي بالرواق العباسي ليكون مكملًا له، مع تميزه بمساحة أوسع لم يشهدها المسجد الحرام من قبل، حيث يتكون (٤) أدوار وهي الدور الأرضي، الدور الأول، الدور الثاني "الميزانين"، والسطح وأصبحت الطاقة الاستيعابية للرواق السعودي (٢٨٧٠٠٠) مصل، و(١٠٧٠٠٠) طائف في الساعة بالرواق وصحن المطاف.
ويوفر الرواق السعودي مساحات أوسع للطائفين والمصلين، وفق معايير هندسية عالية الجودة والدقة، كما يمتاز بتوافر جميع الخدمات التقنية والخدمية وأنظمة الصوت والإنارة، التي تسهم في تهيئة البيئة الإيمانية الخاشعة لضيوف الرحمن.
خمسة مشاريع
واستكمالًا لنهج ملوك هذه البلاد المباركة؛ دشن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في العام 1436هـ خمسة مشاريع رئيسة ضمن المشروع الشامل للتوسعة السعودية الثالثة، وهي مشروع مبنى التوسعة الرئيس، ومشروع الساحات ومشروع أنفاق المشاة ومشروع محطة الخدمات المركزية للمسجد الحرام، وتشمل التوسعة السعودية الثالثة (4) منارات بارتفاع (135م)، ويبلغ عدد القباب السماوية بمبنى التوسعة (12) قبة سماوية متحركة و(6) قباب سماوية ثابتة، ويبلغ عدد السلالم الكهربائية بكامل المشروع (680) سلمًا لتسهيل عملية تنقل الزوار، كما تقدر مساحة مسطحات كامل المشروع بـ(1371000م2).
برنامج خدمة ضيوف الرحمن
شهدت منظومة الحج والعمرة نجاحات كبرى عامًا تلو آخر، ضمن تشاركية فاعلة بين جميع الجهات الأمنية والصحية واللوجستية، كأحد أهم الإنجازات التي تفخر الدولة السعودية بتحقيقها، بفضل من الله عز وجل، ثم بما سخرته حكومة خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- من إمكانيات مادية وبشرية لخدمة ضيوف الرحمن وإتاحة الفرصة لأكبر عدد من المسلمين للقدوم لأداء فريضة الحج ومناسك العمرة والزيارة، ولهذا الهدف دشّن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- برنامج خدمة ضيوف الرحمن كأحد برامج تحقيق رؤية السعودية 2030، بهدف رفع مستوى الخدمات المقدمة لهم، وإثراء تجربتهم الدينية والثقافية.
وجسد برنامج خدمة ضيوف الرحمن تكامله وتعاونه مع 70 جهة في القطاع الحكومي والخاص وغير الربحي لإثراء وتعميق تجربة الحاج والمعتمر، من خلال تهيئة الحرمين الشريفين، وتهيئة المواقع السياحية والثقافية، وإتاحة أفضل الخدمات قبل وأثناء وبعد زيارتهم لمكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة، وعكس الصورة المشرِّفة والحضارية للمملكة في خدمة الحرمين الشريفين.
وكشفت الهيئة الملكية لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة عن حصر 20 موقعاً تاريخياً في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، موضحة أن المواقع التاريخية في مكة المكرمة يقدر عددها بالمئات، حيث تعمل على تسجيلها في السجل الوطني، بعد التأكد من المحتوى مع دارة الملك عبدالعزيز ووزارة الثقافة، حيث يجري العمل على تطبيق الحوكمة المتفق عليها في لجنة المواقع التاريخية ببرنامج خدمة ضيوف الرحمن التي تضم كلاً من وزارة الثقافة، والهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، ووزارة الحج، وأمانة العاصمة المقدسة، ووزارة السياحة، والهيئة العامة للأوقاف.