كلمة المديرة الإقليمية للصحة العالمية لشرق المتوسط في اليوم العالمي للعمل الإنساني
محمود جودة
قالت د. حنان بلخي، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بإقليم شرق المتوسط، خلال اليوم العالمي للعمل الإنساني، نقف صفًّا واحدًا لنكرِّم ونجلَّ التفاني الاستثنائي للعاملين في المجال الإنساني، أولئك الأبطال الذين يواجهون أقسى الظروف والمصاعب، ويمضون قدمًا حاملين مشاعل الأمل وعلى عاتقهم مهمة سامية ألا وهي تقديم الإغاثة والخدمات الأساسية لملايين المحتاجين في إقليم شرق المتوسط وفي جميع أنحاء العالم.
وأشارت إلى أن هذا اليوم ليس مجرد مناسبة عابرة، بل هو وقفة تأمل وتذكرة؛ إذ يستنهض فينا الشعور بالمسؤولية الجماعية المشتركة عن حماية أولئك المتفانين الذين كرسوا حياتهم لخدمة الآخرين، بينما غالبًا ما يتعرضون هم أنفسهم لمخاطر جمة.
وأوضح أن شعار اليوم العالمي للعمل الإنساني لهذا العام، "العمل من أجل الإنسانية"، يحمل في طياته تذكيرًا مؤثرًا مؤلمًا: إذ إن عام 2023 هو الأكثر دموية على الإطلاق بالنسبة للعاملين في المجال الإنساني.
وعلى الرغم من مرور 75 عامًا على سنِّ القوانين الدولية لحماية المدنيين والعاملين في مجال الإغاثة في أثناء النزاعات، فإن ثمة تجاهلاً متزايدًا لهذه الحماية. ونحن نشعر بقلقٍ بالغٍ من أن عام 2024 يمضي في مسار أشد وطأةً وسوءًا، خاصة مع استمرار التصعيد في الأرض الفلسطينية المحتلة والسودان وسوريا ولبنان واليمن.
ومما يؤسف له أن إقليمنا ليس بجديد على الصراعات والكوارث، بالنظر إلى العديد من حالات الطوارئ المستمرة التي يعانيها أكثر من 100 مليون شخص في حاجة إلى المساعدات الإنسانية، ومنها المساعدات الصحية، وفي هذه البيئات المحفوفة بالمخاطر، تتجلى شجاعة عاملينا في المجال الإنساني وتضحياتهم بذواتهم، كأنها نور يشع وسط ظلام.
إننا لنحزن بشدة ونتألم كثيرًا لفقدان كل زميل وزميلة قضوا في أثناء تأدية واجبهم، وأود اليوم أن أكرس لحظات إجلال وإكبار في ذكرى 3 أعضاء استثنائيين من خيرة أبناء أسرة منظمة الصحة العالمية الذين عاجلهم الموتُ في مآسٍ شديدة الوقع على نفوسنا.
نكرمُ ذكرى الزميلة ديمة عبد اللطيف محمد الحاج، مسؤولة شؤون المرضى في مركز إعادة بناء الأطراف في غزة، التي وافتها المنية عندما قُصف منزل والديها الذي لجأت إليه طلبًا للأمان. وقد تُوفي أيضًا معها زوجها وطفلها البالغ من العمر ستة أشهر وشقيقاها، في عمل من أعمال العنف العبثي الذي لا معنى له. ولقد كرست ديمة، التي لم تتجاوز التاسعة والعشرين من عمرها، حياتها لمساعدة الآخرين.
ونجلُّ ذكرى المهندس عماد شهاب (42 عامًا) الذي فقد حياته في دير الزور بسوريا على إثر غارة جوية، كان لعمله المهم والقيم في مجال المياه والإصحاح والنظافة الصحية (WASH) أثرٌ بالغ في ضمان التشغيل الآمن للمرافق الصحية، وخصوصًا أعمال التجديد في مستشفى الأسد العام.
وبكل إجلال، نستذكر أيضًا نصرة عبدي حسن، (27 عامًا)، ومسؤولة الصحة العامة في أحد أقاليم الصومال، والتي لقت حتفها في هجوم مأساوي وقع مقديشو بينما كانت تأخذ قسطًا من الراحة من عملها المُجهد والمنقذ للأرواح.
ولعل أصعب ما في الأمر ذلك الحداد المستمر الذي تعيشه الأسرة الإنسانية جمعاء في غزة التي فقدت 287 من العاملين في مجال الإغاثة منذ أكتوبر 2023، منهم 205 من موظفي الأونروا.
إن رحيل هؤلاء ليس خسارة فادحة لعائلاتهم وزملائهم فحسب؛ بل إنه فاجعة مدمرة للمجتمعات التي كانوا يخدمونها، وضربة قاسية لقضية العمل الإنساني بشكلٍ عامٍ.
ولا يسعنا أن ننسى 17 زميلاً من زملائنا في الأمم المتحدة والكثيرين من العاملين في المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية والبعثات الدبلوماسية وأفراد المجتمع المدني الذين يعانون الاحتجاز التعسفي في اليمن.
ومن هؤلاء 13 من موظفي الأمم المتحدة الذين اعتقلهم الحوثيون، سلطة الأمر الواقع، في يونيو 2024 في محافظات حجة والحديدة وصعدة وصنعاء، بالإضافة إلى أربعة من موظفي الأمم المتحدة المحتجزين منذ عام 2021، وإننا نطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عنهم جميعًا، ونطالب أيضًا بضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين إليها دون عوائق.
لقد كانت إحصائيات عام 2023 مروعةً، إذ شهدنا 935 هجومًا على المرافق الصحية في جميع أنحاء إقليم شرق المتوسط، الأمر الذي أدى إلى وفاة 669 شخصًا وإصابة 1054 شخصًا آخر من العاملين في المجال الصحي، ومما يثير القلق الشديد أنه لم تظهر بوادر أو علامات على تحسن الوضع طوال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024، ومن ذلك أنه جرى بالفعل تسجيل 433 هجومًا أسفرت عن مقتل 286 شخصًا وإصابة 322 شخصًا آخر. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات صماء، بل إنها أرواح حقيقية وأناس نبلاء فُقدوا، وعائلات تمزقت، ومجتمعات حُرمت من الرعاية الأساسية، ولذا أشدد من جديد على ضرورة وحتمية توقف العنف ضد أولئك الذين يقدمون الخدمات المُنقذة للحياة.
إن الهجمات المتعمدة على المرافق الصحية والعاملين في مجال الصحة والمرضى ليست انتهاكًا للقانون الدولي فحسب، بل إنها اعتداء صارخ على قدسية الصحة أيضًا، وهذه الأفعال تقوض جوهر العمل الإنساني وتنتهك المبادئ الأساسية للإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلال التي نهتدي بها في عملنا.
في اليوم العالمي للعمل الإنساني، ندعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لوضع حد لهذه الانتهاكات. ويجب على العدالة الدولية التصدي للأمر ووضع حد لحالة الإفلات من العقاب التي تشجع على استمرار هذه الجرائم.
وإننا نتقدم بأعمق آيات الامتنان والتقدير إلى جميع العاملين في المجال الإنساني في إقليم شرق المتوسط وخارجه، إن شجاعتكم والتزامكم وإنسانيتكم هي الشريان النابض للعمل الإنساني وعلى الرغم من الأخطار التي تواجهونها، فإنكم تواصلون تقديم الخدمات المُنقذة للأرواح، ليكون تفانيكم دليلاً على صمود وقوة روح الإنسانية. وإننا نكرم ونُجلُّ إسهاماتكم اليوم وكل يوم.
وفي الوقت الذي نستذكر فيه أولئك الذين فقدناهم، فإننا نؤكد التزامنا بإرثهم من خلال الدعوة إلى تعزيز حماية العاملين في المجال الإنساني والعمل دون كلل لضمان حصول جميع الناس، بغض النظر عن مكان وجودهم، على المساعدة التي يحتاجون إليها للنجاة والنماء. وبالطبع، نواصل الدعاء والدعوة لإنهاء النزاعات العبثية التي تحصد الأرواح، وتدمر سبل العيش، وتعرقل التنمية في جميع أنحاء الإقليم وخارجه.