عاجل
الأحد 6 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي

على فين يا ربيع

من باب النصر للخرنفش.. تمشية على مسار محمل الحج المصري

يجلس السلطان المملوكي وسط حاشيته بميدان الرميلة، انتظارًا لموكب "محمل الحج"، حيث يكتظ الميدان بالعامة ويتزين بالأعلام، إلى أن تنطلق التهليلات والتكبيرات أثر قدوم الموكب، وتعرض كسوة الكعبة على السلطان، ثم يدور المحمل في الميدان بصحبة عفاريته الذين يستعرضون مهاراتهم في الفروسية ورمي الرماح والمشي البهلواني على امتداد الحبل المعلق  من مسجد السلطان حسن حتى قلعة صلاح الدين.



هذا المشهد التقريبي للاحتفالات التي كانت تسبق خروج موكب محمل الحج المصري إلى أراضي الحجاز، سردته المعمارية علياء نصار مؤسسة مدرسة خزانة للتراث، خلال التمشية التي نظمتها الباحثة دعاء الشريف مؤسسة مركز "بساط" الثقافي بالاشتراك مع "خزانة".

و"المحمل عبارة عن هودج خشبي فارغ  مغطى بالقماش المزخرف بالآيات القرآنية ويوضع على جمل مزين بالحرير وخيوط الفضة، ويرافقه عدد من الجمال التي تحمل كسوة الكعبة والمؤن والهدايا، وخلفهم تسير قافلة الأمراء والحجاج والجنود الذين يحرسونهم".

 

التمشية التي حملت اسم "على فين يا ربيع؟" تتبعت مسار احتفال دوران المحمل، وتاريخ تصنيع كسوة الكعبة في مصر، فبدأت من باب النصر حيث كانت توضع الكسوة ليلا  ليخرج بها موكب المحمل في الصباح ويسير بها في شارع الجمالية، والذي كان يزدحم بالناس لمشاهدة الاحتفال ثم يعبر حارة التمبكشية ليمر بشارع المعز والغورية والمغربلين إلى أن يصل إلى ميدان الرميلة والذي كان يمتد حينذاك من مسجد السلطان حسن حتى صلاح سالم.

 

 

وتضمنت التمشية أيضا زيارة مبنى دار الكسوة التي أنشأها محمد علي بشارع الخرنفش لتصنيع كسوة الكعبة، التي تحولت في الستينيات إلى مخزن للأوقاف بعد التوقف عن تصنيع الكسوة.

تقول "دعاء الشريف" لبوابة روزاليوسف إن الهدف من التمشية هو إعادة إحياء مسار الاحتفال، والتذكير بأنه كان هناك حدث كبير تشهده شوارع القاهرة مصاحبا لكسوة الكعبة المرسلة إلى مكة، وظل متوارثا من بداية حكم المماليك لمصر وحتى فترة الخمسينيات، إلا أن معالمه اندثرت من الذاكرة الجمعية، لذا فمن حق الأجيال التي لم تشهده ولم تسمع به معرفة أنه كان هناك احتفال يسبق خروج محمل الحج وله استعدادات وطقوس معينة وارتبطت به حركة بيع وشراء واسعة، و"دعاء" تخرجت في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، وباحثة في التراث، وهي أحد مؤسسي مركز بساط الثقافي التابع لجمعية شباب فرسان والمشهرة من وزارة التضامن.

وتضيف "دعاء" عن سبب تسمية التمشية بهذا الاسم، أن ربيع هو الاسم الذي كان يطلق على أحد جمال المحمل، موضحة أن الجمال التي  تشارك في الموكب لها وضع خاص فكانت مخصصة لهذا الغرض فقط، ويتم تخضيب خفها، والعناية بها بشكل جيد، وكانت الناس تتهافت على رؤيتها وملامستها للتبرك بها. 

وتوضح "علياء نصار" أنها عندما بدأت تبحث عن هذا الاحتفال، انبهرت بكم التفاصيل التي وجدتها، واهتمام الحكام به، كرمز لإبراز قوتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية، ولم يكن الاحتفال على المستوى الرسمي فقط بل كان يجمع ما بين الشعب والحاكم، مشيرة إلى أنه كان يتم مرتين خلال العام قبل خروجه للأراضي الحجازية، المرة الأولى في منتصف شهر رجب ويسمى بالمحمل الرجبي، والثانية في شوال قبل سفر القافلة، فينادي المنادون على الناس لإعلامهم بموعده، وتتزين الدكاكين والبيوت، ويؤجر الملاك بيوتهم المطلة على مسار المحمل للزائرين الراغبين في مشاهدة هذا الاحتفال المهيب.

و"علياء" تخرجت في كلية الهندسة جامعة عين شمس، وباحثة في مجال التراث وأسست مدرسة خزانة لنشر الوعي بالتراث والتعريف بأهميته.وتؤكد أن هذا الاحتفال ملمح من ملامح مصر المندثرة، يعبر عن مدى قوتها وتأثيرها في المنطقة، وأول من أدار المحمل وأرسى مظاهر الاحتفال به هو الظاهر بيبرس، وأنشئت مدرسة عليا لإدارة المحمل لتعليم المماليك الفنون الترفيهية والاستعراضية الخاصة بالموكب، وأطلق عليهم "عفاريت المحمل"، مشيرة إلى أن المحمل الرجبي يدور بالقاهرة والفسطاط ويستقبله السلطان بميدان الرميلة، ثم يعود لمسجد الحاكم بأمر الله، حيث تخزن الكسوة هناك إلى أن يأتي شهر شوال، والذي يتكرر فيه نفس مسار الاحتفال ولكن في هذه المرة يستكمل المحمل طريقه إلى العباسية ثم يتبع طريق الحج.وتضيف أن مصر كانت مشهورة بنوع من القماش اسمه القباطي، وكان يستخدم في تصنيع كسوة الكعبة، وقد استمرت في إرسالها  إلى مكة بالرغم من إنشاء السعودية مصنع لصناعة الكسوة في عام ١٩٢٥، ولم تتوقف عن إرسالها إلا في عام ١٩٦٢.

وتطرق "علياء" إلى أهمية توثيق وإحياء مسار محمل الحج كجزء من التاريخ،  وضرورة  استغلال دار الكسوة بالخرنفش كمتحف لعرض ما تبقى من شواهد على هذا الاحتفال كالصور والوثائق وعرض أجزاء من الكسوة والمحمل أو عرض حي لكيفية تصنيع كسوة الكعبة ما يعرف بـ"الثيرما" خاصة أن ما زالت بعض الورش تحافظ على تلك الصنعة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز