ناهد إمام
همس الكلمات
رحلة مع الله.. "الطفلة تيا" والكهرباء!
كل عام هجري وجميعنا وبلادنا بخير، بعد انقضاء أيام شهر ذي الحجة، وهو الذي جعله الله تعالى الشهر المخصص لأداء فريضة الحج سنويًا، و"الحمد لله"، كتب لي الله فيه نصيب أن أكون من حجيجه لأداء فريضة الحج هذا العام.
ولا بد من توجيه الشكر للسلطات السعودية والهيئة العامة للعناية بشؤون الحرمين لوضع إمكانياتها وتقديم الخدمات لضيوف الرحمن الحجيج زوار البيت الحرام، وأيضا زوار المسجد النبوي وتسهيل حركة الحشود، والتنقل في ساحاته.
وأيضا مع اشتداد الحر والكثافة البشرية بخلاف التكييفات داخل المسجد النبوي، كانت هناك حوالي 250 مظلة و436 مروحة رذاذ؛ لتلطيف الأجواء في ساحات المسجد النبوي، ويحضرنى موقف بخصوص تلك المراوح حيث فوجئنا بتوقفها عن العمل نتيجة انقطاع الكهرباء، وكان ذلك خلال صلاة الجمعة والحشد الكبير للصلاة، ليؤكد ذلك أن انقطاع الكهرباء لا يكون فى مصر فقط، ولكنه نتيجة طبيعية لاشتداد درجة الحرارة وزيادة الأحمال.
وبطبيعة الحال، كانت رحلتى مع الله، مليئة بالكثير من المواقف التي استوقفتني، خلال فترة الحج، ولكن بصورة خاصة أخذني التأمل فى الطبائع البشرية المختلفة التي لا تتغير حتى لو كانت بين يدى الله، وما وجدت منها الإيجابي ومنها السلبي، ومنها نص نص.
وقبل البدء فى سرد بعض من تلك الطبائع والمواقف المترتبة عنها، لا بد أن أشير إلى أصغر حجيجة، كانت لدى مجموعتنا هي الطفلة "تيا" ذات العامين من عمرها، التي كانت تمسك بجلباب جدها الشيخ سيد، ووالديها يوسف وولاء، الذين عكفوا على خدمة المجموعة في ظل الظروف الشاقة للحج، وكانت مفاجأة لنا في الرحلة مع الله، تلك الطفلة "تيا"، يوم التوجه إلى عرفات، أولى مناسك الحج وهى ترتدى الرداء الأبيض وتتعثر فيه عند محاولة السير.
كما أشير إلى الفتاة الشابة "رنين" إثيوبية الأب ومصرية الأم وتعيش في أمريكا، والتي لم تغيرها الغربة ولا زالت تتسم بالحب والحنان وخدمة الآخرين، وجاءت لأداء فريضة الحج بصحبة خالتها الحاجة "سحر" الإسكندرية، وسمات أهل بحري، والتي تجدها دائما في كل المواقف، والشهامة نتيجة تعاملهم مع البحر الذي منحهم الشجاعة وعدم الخوف.
كما أذكر شهامة وتفاني الرجال في حمل العبء عن السيدات خاصة فى توكيل رمى الجمرات دون تذمر ومنهم الحاج "وليد" زوج الحاجة نجلاء، الذي بادر على الفور بأخذ جمراتي، رغم عدم وجود سابق معرفة به.
وكانت من أكثر المواقف التي شدتني، جدعنة بنت البلد المصرية الحاجة "أم رشا" دون تكليف أو رتوش وفطرية، فرغم أنها ثكلت فى وفاة ابنتها الشابة منذ عدة شهور قليلة، وأجرت عملية فى القلب وتركيب عدة دعائم، إلا أنها لم تكن تبخل على مساعدة أي من السيدات، وتعمل بحب وليس للمجاملة أو الرياء، وغير منتظرة حتى كلمة الشكر.
وتأتي الحاجة "أم سيد"، التي لايمكن وصف حنانها ودعواتها الجميلة للجميع، ولابد أن أذكر موقفها معى انا بصورة خاصة، رغم أنني لم أرها سوى مع رحلة الحج، حيث سخرها الله "سبحانه وتعالى" لي عند طواف الكعبة، ففى خلال الأشواط السبعة حول الكعبة، كانت تطوف ورائي، وفوجئت بها تقول لمن يقترب مني في الطواف مع زحام الحج "حرام عليكم ابعدوا عنها مش قدكم"، ولم تتوقف طوال الأشواط عن ذلك، رغم كبر سنها وشعورها بالإرهاق الشديد خلال الطواف، ولم أملك سوى شكرها ودعيت لها بالصحة والعافية، وتمنيت أن يكثر الله من أمثالها.
أما الحاجة "راضية"، بنت أسوان الأصيلة الطيبة، رفيقة الطواف والسعى والصلاة فى البيت الحرام، حيث تعلمت منها من خلال خبراتها السابقة فى أداء فريضة العمرة، الكثير من الأدعية، ولم تبخل بعلمها ودعائها عن أحد.
كما أذكر الحاجة الشابة "سارة" رفيقة زيارة الروضة الشريفة ومنبر الرسول "ﷺ"، والزحام الشديد، والسير معا فى حب لله ورسوله.
وفى الواقع، تعلمت في رحلتي مع الله، أنه لابد أن أتعامل مع الجميع كل على قدره، مهما كان المستوى الفكرى والعلمي، وأن أخذ الجيد وأترك السيئ، وأن الدين معاملة مع الآخرين وليس سرد للشعارات.
ألستم تتفقون معي، أن تركيبة الإنسان هي عبارة عن مجموعة من الخواطر والمعرفة، وعلاقات، ولكن المنظم لها هو الأخلاق، وتظهر تلك الأخلاق فى المواقف المختلفة خلال التعاملات مع الآخرين!