"متحف ناس وسط البلد".. مبادرة لتوثيق التاريخ الشفهي للقاهرة الخديوية

تقف منبهرة أمام سينما "مترو" بوسط البلد، تنتظر الحصول على تذكرتها ودخول القاعة المهيبة، تلتفت يمينا ويسارا لتجد أطفالا في مثل عمرها يتسابقون للجلوس على مقاعدهم بجوار آبائهم قبل أن يسود الصمت والظلام إيذانا للشاشة العريضة التي تتوسط القاعة بإنارة أضواءها، وفي وقت الاستراحة تنتبه على صوت بائع الشيبسي وهو ينادي على منتجاته "الهوم ميد"، وبعد انتهاء الفيلم فهي على موعد مع كعك دار الشاي الهندي بشارع طلعت حرب ثم مع وجبة من مطعم "فلفلة".حظت "هالة الطاهر" في طفولتها بفرصة رؤية سينما مترو في أوج تألقها، وحضور حفلات أعياد الميلاد التي كانت تقيمها السينما للأطفال المترددين عليها يوم الجمعة من كل أسبوع.تلفت انتباهه مجموعة من الخطابات القديمة مبعثرة على "فرشة أحد الباعة" بجوار سينما ديانا، فيجمعها ويبحث فيها عما يثير اهتمامه إلى أن يجد ضألته في خطاب مرسل سنة ١٩٦٢ من شخص في إيطاليا إلى شقيقه في مصر يحكي له عن الملابس التي قام بشرائها من روما وموديلاتها.اعتاد "أحمد عيد"، مهندس ميكانيكا، وباحث مهتم بتاريخ القاهرة خلال فترة الحرب العالمية الأولى، زيارة سوق ديانا "وهو سوق للأنتيكات والأشياء المستعملة، ويقام يوم السبت من كل أسبوع بجوار سينما ديانا بوسط البلد"، فأصبح السوق بوصلته في التعرف على المنطقة، وشوارعها ومبانيها القديمة، وجذبته الجرائد والخطابات القديمة وقصص الأجانب الذين عاشوا في مصر.ما سبق كان جزء من ذكريات وحكاياتعن وسط البلد شاركها أشخاص سواء من المقيمين بها أو غير المقيمين في الفعالية الثقافية التي أقامتها المؤسسة المجتمعية "iculture"، وأطلقت خلالها د.ريهام عرام رئيسة المؤسسة مبادرة "متحف ناس وسط البلد"، والتي تهدف إلى جمع وتوثيق التاريخ الشفهي للمنطقة من حكايات وسرديات مرتبطة بالسكان والأماكن والأحداث التاريخية التي شهدتها وسط البلد وعرضها في متحف مؤقت.تقول د.ريهام لبوابة روزاليوسف إن بحكم دراستها وعملها فهي مهتمة بالتراث الشفهي للمدن، وكل منطقة سكنية وبالأخص المناطق القديمة لها تراث لا نعرفه، لذا فنحن في حاجة إلى جمعه وتوثيقه للحفاظ عليه كتوثيق أسماء الشوارع والأحداث التاريخية التي شهدتها المنطقة والعادات والتقاليد."د.ريهام" تخرجت في كلية سياحة وفنادق بجامعة حلوان، وعملت ١٢ عاما كمرشدة سياحية باللغة الفرنسية، وحصلت على دكتوراه في الحضارة المصرية القديمة، ثم عينت بمحافظة القاهرة حيث أسست إدارة الحفاظ على التراث، وعملت بمشروع تطوير القاهرة الخديوية "وسط البلد" حتى عام ٢٠٢١، ثم انتقلت للعمل بمؤسسات دولية في مجال الحفاظ على التراث، وتم اعتمادها من منظمة اليونسكو خبير معتمد في التراث الثقافي غير المادي.وفي عام ٢٠٢٢ أسست مؤسسة "iculture"  بالمشاركة مع د.هبة سعيد، والتي تهدف إلى إحياء الصناعات الإبداعية ورقمنة كل ما له علاقة بالثقافة والصناعات الثقافية والإبداعية.تضيف د.ريهام: "فكرة متحف الناس  موجودة في دول كثيرة وبالأخص دول أمريكا اللاتينية، وهو قائم على الإنسان وسرديته وذكرياته وليس المنتج المادي"، لافتة إلى أن اختيارها لوسط البلد يعود إلى أنها منطقة حية وخاصة جدا، أنشأها الخديوي إسماعيل على الطراز الأوربي، واحتضنت العديد من الجاليات الأجنبية.وتشير إلى أن مبادرة متحف ناس وسط البلد تأتي بالمشاركة مع د.هبة ود.هاني جاد وجمعية "هوية" المعنية بإحياء التراث، قائلة: "إنه من المقرر إقامة المتحف في شهر ديسمبر لذا سيتم عقد سلسلة من اللقاءات شهريا، واتفقنا أن يكون الموعد الخميس الثاني من كل شهر مع من يرغب في المشاركة حتى نتمكن من وضع سيناريو بالسرديات الصالحة للحكي  وكيفية عرضها".وعن طبيعة المتحف توضح أنه بمثابة معرض مؤقت، سيشارك فيه الناس من خلال سرد حكاياتهم وذكرياتهم عن المنطقة وعرض بعض الصور أو الوثائق الخاصة بهم.ويقول "أحمد عيد" عن سبب اهتمامه بالمشاركة في المبادرة: "أريد أن أعرض وجهة نظري في أن التاريخ له زوايا مختلفة للحكي عنه، فمثلا يافطة شارع قد تحكي قصة كبيرة  كلوحة شارع شامبليون/مويار سابقا، يهتم الأغلبية بقصة القصر لكن لا أحد يهتم بمعرفة من هو مويار، وأنه كان من رواد الطيران في العالم واسمه لويس بيير مويار فرنسي الجنسية وأقام في الموسكي في نهاية القرن ١٩، واهتم بعلم ديناميكا الهواء، لقد بحثت عنه وعرفت قصته من خلال مذكراته المتاحة على الانترنت، وكانت له عدة محاولات للطيران الشراعي على النيل حتى أصيب وتوفى ".ويضيف أن المبادرة ستلقي الضوء على تلك الحكايات، فنحن نمر يوميا  على المباني القديمة ولوحات الشوارع وكأنها أشياء عادية ولكن في الحقيقة لكل مبنى وشارع حكاية تستحق أن تروى.