د. عادل القليعي
أعينكم على مواهبنا.. فبهم نرقى
الشعوب المتقدمة الراقية دوما وأبدا في سعي حثيث للبحث عن المواهب من أبنائها، سواء كان هؤلاء الأبناء صبية أو شبابا أو حتى شيوخا كبارا.
ورأينا ذلك بأم أعيننا على شاشات التليفزيون، من خلال إجراء مسابقات عالمية لاكتشاف المواهب في شتى المجالات، في مسابقات اختيار الأصوات، في الشعر والأدب، وفن كتابة المقال، في مسابقات اكتشاف الذكاء واختبارات المعلومات، في مسابقات حفظ القرآن وتجويده.
وهذا جد أمر مهم، وشاركت في إحدى هذه المسابقات لاختيار الطالب المثالي في الجامعة ووجدنا مواهب جميلة تحتاج إلى من يلتفت إليها ويرعاها لا من خلال اكتشافها فقط، بل بمتابعتها ودعمها بكل صور وشتى صنوف الدعم، الدعم المادي والدعم المعنوي، لأن بكليهما ستستقيم هذه الموهبة ولن تفكر يوما ما أن تترك بلدها وتهجره إلى بلد آخر ستتكفل به وتنفق عليه ويمثلها في المسابقات العالمية، فإذا ما وجد الدعم اللازم الذي يضمن معه حياة كريمة فلماذا يتمرد ويهجر بلده، أما إذا كان بطلا عالميا حقق بطولات عالمية وحصل على ميداليات ونراه يسكن في شقة بالإيجار الجديد إن وجدت، أو نجده يبحث له عن دور هزيل في فيلم أكشن ليجد ما يقتات به هو وأهله، هل هذا يعقل، أليس ذلك مدعاة إلى الترك والهجر، أليس هذا قتل للمواهب، أو كالذي يكون ماهرا في الهندسة ويقوم بابتكار تصميم هندسي لآلة ما، ويتقدم للحصول على براءة اختراع فيجد البيروقراطية والروتين القاتل (عدي علينا بكرة يا محترم)، واسألوا عمنا الفنان القدير رأفت فهيم. أو يحتال عليه أحد و(يلهف) اختراعه وينسبه لنفسه، أليس ذلك مدعاة إلى الهجرة والبحث عن مكان يقدر فيه علمه، ولنا في علمائنا العظماء الذين لم نسمع عنهم إلا بعد أن ذاع صيتهم خارج البلاد وتبنتهم جامعات وأكاديميات عالمية، فوجدنا من برع في الطاقة النووية ووجدنا من ذاع صيته في الطب والجراحات الدقيقة، ورأينا من حصل على أعظم وأفخم الجوائز العالمية (نوبل)، ولم يسمع عنه أحد ولم يكرمهم أحد إلا بعد ذيوع صيتهم فى الخارج لماذا؟!، لا توجه الأنظار إلى هؤلاء ومن هم على شاكلتهم أليس هؤلاء فخر للبلاد ومن علمهم يستفيد العباد، لماذا نجعل خيرهم يذهب إلى غيرهم ، لماذا لا نحتضن هؤلاء في صغرهم وننفق عليهم، لماذا نتركهم للدول الأخرى تستقطبهم وتأخذ ثمارات مواهبهم وعقولهم.
قيسوا على ذلك في كل المجالات مواهبنا موجودة تحتاج من يكتشفها ويخرجها من حيز اللاوجود إلى حيز الوجود، فى السياسة، الاقتصاد، الزراعة، التجارة، الأدب، الثقافة، الفنون بكل نشاطاتها، الصحافة وفن الكتابة الصحفية، لماذا لا ندعم هؤلاء، لا أحد يأخذ رزق أحد، ولا أحد سيأخذ منصب أحد، فالأرزاق مقدرة من الله.
لماذا الوساطة والمحسوبية، لماذا تؤجل مقالات قد تفيد الواقع الثقافي الذي يحتاج من يأخذ بيده ويقله من عثراته وأزماته المتكررة، وتنشر مقالات دون المستوى، لأن كاتبها فلان بن فلان أم أن هذا توجه لحشو عقول القراء بغث الكلام، أم لأن كاتبه معه واسطة، فيكتب ما يحلو له حتى لو كتب (حراتي يا فول، أو وراور يا جرجير)، لماذا لا تضخ دماء جديدة في كل المجالات.
أحبتي لا تقوم الدول المتحضرة على الوساطة والمحسوبية، فأنصار الوساطة والمحسوبية والشللية سيفتضح أمرهم ولو بعد حين، ولن يثبتوا أمام أي مداخلة أو مناقشة أو حتى حديث بسيط.
إنما الدول المحتضرة والتي بلغت أعنان السماء متقدمة في كل المجالات وتبوأت مكانا وتصنيفا عالميا بعد أن كانت صفر لا شيء أو تحت الصفر ما قامت إلا بعد أن أيقنت أن نهضتها الحقيقة لن تكون إلا بسواعد ثروتها القومية بسواعد أبناء شعوبها فنقبوا عن المواهب وتبنوهم فوصلوا إلى العالمية واحتلوا مراكز عالمية، وليس ماليزا منا ببعيد وسنغافورة والصين واليابان وغيرها من الدول التي سبقتها حضارتنا، فانظروا إلى حالنا وحالهم، إلى ما وصلوا إليه.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان