نزار السيسي يكتب: يا "مايو" الحزين
ما أن تهل علينا نسائم شهر مايو، حتى نشعر جميعا بوخزة قوية في قلوبنا، نتذكر بمرارة ما حدث من سنوات بعيدة، يوم أن تمزق قلب العروبة تحت وطأة آلة الحرب البغيضة.
فقبل 76 عاما من الآن، نجحت الحركة الصهيونية -بدعم من بريطانيا– في السيطرة بقوة السلاح على القسم الأكبر من فلسطين وإعلان قيام إسرائيل.
في 15 مايو من كل عام تمر علينا هذه الذكرى الحزينة، ذكرى "النكبة"، والنكبة مصطلح يرمز إلى التهجير القسري الجماعي عام 1948 لأكثر من 750 ألف فلسطيني من بيوتهم وأراضيهم. تعيد النكبة ذكرى 10 آلاف فلسطيني على الأقل لقوا مصرعهم في سلسلة مجازر وعمليات قتل ما زال معظمها مجهولا، فيما أصيب 3 أضعاف هذا الرقم بجروح.
لم تبدأ النكبة الفلسطينية عام 1948، وإنما قبل ذلك بكثير، ففي عام 1799 خلال الحملة الفرنسية على العالم العربي نشر نابليون بونابرت بيانا يدعو فيه إلى إنشاء وطن لليهود على أرض فلسطين تحت حماية فرنسية بهدف تعزيز الوجود الفرنسي في المنطقة، لم تنجح خطة نابليون في ذلك الوقت، إلا أنها لم تمت أيضا، حيث أعاد البريطانيون إحياء هذه الخطة في أواخر القرن الـ19، وتجسد ذلك بداية من 1897 حين دعا المؤتمر الصهيوني إلى إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين.
أحلام استعمارية كبيرة حلم بها الكيان الصهيوني منذ زمن سحيق، لكنها تحققت في "مايو الحزين"، لكن قبل مايو كانت هناك محطات قاسية مرت بها القضية، ففي 29 نوفمبر 1947 أقرت الأمم المتحدة خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية، شكل اليهود في فلسطين وقتها ثلث السكان، أغلبيتهم قدموا من أوروبا خلال السنوات القليلة التي سبقت هذا التاريخ.
كان اليهود يسيطرون على مساحة تصل إلى أقل من 6% فقط من دولة فلسطين التاريخية، إلا أن الخطة المقترحة من قبل الأمم المتحدة خصصت لهم 55% من المساحة.
رفض الفلسطينيون وحلفاؤهم العرب الخطة المقترحة، بينما وافقت عليها الحركة الصهيونية، خاصة أنها أضفت صفة الشرعية على فكرة بناء دولة يهودية على أرض فلسطين العربية إلا أنها لم توافق على الحدود المقترحة، ولذلك أطلق الصهاينة حملات مكثفة للاستيلاء على المزيد من أراضي فلسطين التاريخية.
وفي عام 1948، سيطر الصهاينة على عشرات المدن والقرى الفلسطينية وطردوا سكانها الفلسطينيين من بيوتهم بالقوة، وذلك تحت أعين سلطات الانتداب البريطاني.
ويوم 14 مايو 1948 قرر البريطانيون إنهاء فترة انتدابهم لفلسطين، وفي اليوم نفسه -الذي انسحبت فيه قوات الانتداب البريطاني رسميا من فلسطين- أعلن رئيس الوكالة الصهيونية ديفيد بن غوريون إقامة دولة إسرائيل، خلال دقائق قليلة اعترفت أكبر قوتين من قوى العالم - وهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي– بإسرائيل، وأصبح الفلسطينيون بلا دولة.
توالت بعد ذلك خطط الصهاينة لتطهير أرض فلسطين من سكانها، وبذلوا قصارى جهدهم لمسح التراث والثقافة الفلسطينية من الوجود، وأفرز هذا الوضع معاناة ممتدة لملايين اللاجئين الفلسطينيين مستمرة حتى يومنا هذا.. يا مايو الحزين ألم يحن الوقت أن تتغير الأقدار ويصبح شعب فلسطين من الأحرار؟!



