"البحوث الإسلامية": الترجمة كانت ولا تزال أهم عوامل الحفاظ على التراث العلمي والثقافي القديم
بوابة روزاليوسف
أكد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، الدكتور نظير عياد، أهمية الترجمة وضرورتها باعتبارها وسيلةً من وسائل الاتصال الحضاري والتأثير الثقافي بين الأمم، وسبيلًا من سبل نقل المعارف والعلوم والخبرات المختلفة من حضارةٍ إلى أخرى، مشيرا إلى أن الترجمة كانت في الحضارة الإسلامية من أهم عوامل الحفاظ على التراث العلمي والثقافي للعالم القديم وتنقيحه وتطويره.
جاء ذلك خلال مشاركة الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية في فعاليات الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العلمي لكلية اللغات والترجمة، الذي يعقد تحت عنوان: "التكنولوجيا والترجمة وتعليم اللغات: آفاق وتحديات"، وذلك بحضور الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، والدكتور سلامة داود رئيس جامعة الأزهر، والشيخ أيمن عبد الغني رئيس قطاع المعاهد الأزهرية.
وقال عياد: "لما شرع الغرب في تلمس مخرج من ظلام عصوره الوسطى يمّم وجهه شطر العالم الإسلاميّ يستلهم حضارته ونظمه عبر واحدةٍ من أوسع حركات الترجمة التي شملت جميع المجالات، ومن خلالها تركت الحضارة الإسلامية بصماتها على جميع المستويات، وأسهمت بقدرٍ غير منكور في تنوير القارّة الأوروبية المظلمة".
وأوضح الأمين العام أن عصرنا الحالي يشهد تغيرات هائلة في العلم والثقافة والاجتماع والأدب، وكثير من هذه التغيرات كانت في الغالب انعكاسا للعولمة، التي جعلت من العالم قرية إلكترونية صغيرة، تترابط أجزاؤها عن طريق الأقمار الصناعية والاتصالات الفضائيَّة والقنوات التليفزيونية، وقد ظهرت تلك التطورات الهائلة في مجال تكنولوجيا التواصل والاتصال، وصار الفضاء الإلكتروني الجديد هو الأرض الخصبة لنشر الأفكار والآراء والمعتقدات والفلسفات، التي اقتحمت على الناس بيوتهم، من خلال هذه الهواتف الذكية وما تشتمل عليه من تطبيقات وبرامج.
وأشار إلى أن التكنولوجيا الرقمية تداخلت في كل تفاصيل الحياة المادية والعلمية والإدارية وغيرها، لكن الاستخدام غير المنضبط لهذه التكنولوجيا يعيق التنمية ويَحُول بين الإنسان وبين النهضة والعمران، مضيفا أنه في ظل هذه التحديات صارت الحاجة مُلحة لاستخدام استراتيجيات جديدة لنشر الوعي الديني الصحيح، وتبصير الناس بدين الله تبارك وتعالى، وِفق رؤية مستنيرة، وفكر مستقيم، فضلًا عن تقديم خطابات تواجه خطابات العنف والكراهية والتشدد والإرهاب؛ لذا كانت الحاجة ماسة إلى ضرورة مواكبة الواقع والاستفادة من العالم الرقمي؛ نظرًا لما يُحدثه من آثار وقوة تأثير في الواقع.
وأكد عياد على أهمية الترجمة الصحيحة لمعاني القرآن الكريم، وضرورة الاستفادة منها، واستثمارها في عرض الإسلام بعقائده وشرائعه وأخلاقه؛ باعتبار أنّ ذلك يساعد على تبليغ الدعوة إلى العالم أجمع، وفي الوقت ذاته يكشف عن فهم سليم يؤدي إلى دعم التماسك الاجتماعي، والمشاركة في عملية العمران، والإسهام في بناء الحضارة الإنسانية المعاصرة، بما يؤكد عظمة هذا الكتاب، وصلاحيته لكل زمان ومكان بما جاء به من أحكام، وبما دعا إليه من أخلاق وسلوك، والعمل على الالتزام بالمنهجية العلمية والفهم السليم عند ترجمة النص القرآني باعتباره نصا مقدسا محكما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
واختتم الأمين كلمته ببيان أن ترجمة معاني القرآن الكريم في هذا العصر على وجه الخصوص ترجمةً منضبطةً تعكس عظمة القرآن وجلالة مقاصده ضرورة حياتية، وفريضة دينية باعتبارها نافذة مهمة جدا في تعريف الآخر بحقيقة الإسلام ومحاسنه، ولا شك أن هذا يمنح الآخر فرصة التعرف على كلام ربه العزيز الحكيم، فينشرح صدره بقبوله والاستسلام له، والعمل بما جاء فيه، أو على الأقل ينصفه ويحترمه ويقدره حق قدره، خصوصا مع وجود مقالات تعطي خطابا مفزعا مقعرا نتيجة تلك القراءات الانتقائية للنص الديني وتفسيرها بعيدًا عن سياق اللغة وأدواتها، ومن ثم تكون مخاطرة الترجمة خطيرة؛ لأنه إذا لم يراع فيها ضوابط التعامل مع النص القرآني وخصائص نظمه المعجز، أدى ذلك إلى إبعاد الناس عن المعاني العظيمة، والقيم السامية التي يحملها القرآن الكريم، فضلًا عن تعميق المفاهيم المغلوطة حول الإسلام.