عاجل
الثلاثاء 10 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي

د. ايمان ضاهر تكتب: وغاب عن الوجود رفيع الخلق وطيب المقام

د. ايمان ضاهر
د. ايمان ضاهر

الدموع هي الكلمات التي تكتب في رحيل صلاح السعدني. راية فنان صقل الفن بكنوز دانية القطوف بالتنوع والاختلاف تجسد جمالا فنيا رفيع المستوى بالتحديد. وأليست رحلة مبتكرة قادها ابن النيل صلاح السعدني الأمين على درب أم الدنيا والضمير الصادق في بحر الفن الجميل؟ الدموع تذرف الكلمات لتروي حكايات الطيبة والعنفوان، ثروة مسيرة الفنان العمدة وسماته نبع منها فيض من الصرامة والاتقان، خفة الظل كريشة الرسام وإبداع العفوية الصادقة والتلقائية المؤثرة.



فكيف تجلى مغزى الفن لدى الفنان الراحل؟ كان الفن والإنسان لا ينفصلان والفن وظيفة أساسية في معترك حياته كحاجة ملحة أينعت كنوز الدراما نوع من أنواع تنفس الروح الواقية الباحثة عن الذات الراقية لـ"حلم الجنوبي" و"قلب الأسد"، و"وقال البحر...." وأليس هذا الهدف المنشود في أداء صلاح السعدني، إنه الجهد ثم الجهد لقلوب عبرت العهود بـ"ليالي الحلمية" أيقونة الدراما المصرية، لتسطر تفوقا ونجاحا في صناعة الفن منذ بداياته الصغيرة والطيبة في مسرحية "ثورة الموتى" إلى الدراما في "الضحية" و"الساقية" و"الرحيل" ليغرس بعد ذلك خطاه المستقيمة وخطواته الحكيمة في أعمال عظيمة ودراما مبدعة عبرت تاريخ الدراما الروائية الاصيلة المتناغمة مع القديمة في ادوار متنوعة بتميز من شخصية لأخرى بإتقان دون إسراف، محافظا على دور الفنان الشريف الذي لا يمكنه نسيان أصوله الريفية ذات الجذور الثقافية القوية، فأجاد في دور المغلوب على أمره في "بين القصرين وخان الخليلي"، وكيف ننساه في "أرابيسك" الدراما الرائعة للأسطى حسن حبيب التراث والثقافة وراعيها في الأعماق؟ أو دوره اللائق في "الناس في كفر عسكر" و"رجل في زمن العولمة"، زمن لا يروقه فيبحث في أحلى أفلام مثل "الأرض" و"الرصاصة لا تزال في جيبي" و"أغنية على الممر" عن ذاته الوجدانية وفي "القاهرة والناس" و"قطار منتصف الليل" و"ليالي الأحلام" يستمر بالارتقاء العميق البسيط في "الملك هو الملك"، و"المتسولون والنبلاء" و"أبنائي الأعزاء" و"عمارة يعقوبيان" وغيرها من اعمال سينما ومسرح ودراما لا تعد ولا تحصى. وأليست هذه صفحات كبيرة وجليلة لأسطورة العمدة صلاح السعدني رحمه الله، تحف خالدة حتى آخر العمر في ممر الفن الذي لا ينحني ولا ينتهي؟

وأخيرا، ما برحت الدموع هي الكلمات التي لا تجف في رثاء فنان سكن الروح بأعماله الفنية، وقد أورثها للجمهور وأليس الفن هو ثمرة إبداع الأشخاص الأحرار؟ هكذا كان العمدة الدرامي صلاح السعدني، القلب الطيب والفائض بالجد والإخلاص من أجل فن وعمل وأدب ودراما حكت لنا حواديت الحياة فخلدت في الذهن فهذبت النفس البشرية في الباطن والظاهر. ومن شهد الروح وانصهار سر القلوب رحل الكبير صلاح السعدني تاركا إرثا لا يقدر بثمن نجتاز به الدروب على انغام الفن الوجداني، النهر الخالد.

وأليس هو الإبداع الخلاق وأحلام إنسان قاده الزمان على خطى الكبار لينهل من منيعهم علم الوقار في أدب المجتمع والحياة حتى الفناء؟ عماد فنه الصرامة والرشاد والخبرة نحو طرق الصواب "الدراما الاخلاقية" ضياء الروح اللطيفة كالهواء، روح هذا الفنان، سرها حياة نقية والحكاية تمضي بنبض لا ينتهي، لا ينتهي. ونهاية، الفنان صلاح السعدني لطالما اسعدت الناس يا أنبل الناس، رحمة الله عليه اللهم اجعل قبره نورا وضياء، في أطيب ثرى وأعز كنف وأرحم مأوى وأوسع روضة وأسعد حال، يا رب العالمين.  

 

أستاذة في الأدب الفرنسي واللغات والفن الدرامي من جامعات السوربون في باريس

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز