عاجل
الأربعاء 9 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
 لوحة الأسبوع.. وصف مصر.. بريشة جمال كامل

 لوحة الأسبوع.. وصف مصر.. بريشة جمال كامل

منذ يومين بدأت يومي بمكالمة تليفونية تدعو للبهجة والتفاؤل.. كانت محدثتي الأستاذة هالة جمال كامل.. ابنة الفنان الكبير جمال كامل.



ولقد شرفت بالعمل مع الفنان الكبير جمال كامل فترة طويلة بدأت عام 1978، ولم تنته إلا برحيله عن عالمنا عام 1986، تاركا لنا تراثا فنيا رائعا لا يقدر بمال، وأودع في قلوبنا دروسا في الفن والحب والعطاء لن يجود الزمان بمثلها مرة أخرى، إنه الفنان الكبير جمال كامل المستشار الفني لمؤسسة روزاليوسف على مدى أربعة عقود من الزمان. وهو أحد عمالقة جيل الآباء المؤسسين لـ"مجلة صباح الخير"، ودار روزاليوسف في عصرها الذهبي، ولعلنا لا نكون مبالغين عندما نقول إن الفنان جمال كامل أحد أبرز أبناء الجيل الذهبي لرواد الصحافة المصرية مثله مثل كبار الفنانين.. كالفنان حسين بيكار، والفنان الحسين فوزي، والفنان عبد المنعم رخا.. والفنان عبد الغني أبو العينين، الذين عملوا منذ وقت مبكر في الصحافة، وقدموا خلاصة فكرهم وفنهم ولوحاتهم للقارئ في صورة رسوم صحفية مبهرة، أثرت حياتنا الفنية والصحفية، وارتقت بالذائقة الفنية والبصرية للقارئ المصري والعربي على مدى عدة عقود في النصف الأخير من القرن الماضي.. وأسسوا لعالم أفضل يموج بالفن والسحر والحرية والجمال.  

وكانت المفاجأة المبهجة التي أخبرتني بها هالة جمال كامل.. أنها سترسل لي هدية عظيمة في هذا الصباح المشرق، وهي كتاب تذكاري فخم يضم معظم لوحات الأسبوع التي كان يقدمها الفنان جمال كامل على صفحات مجلة "صباح الخير" أسبوعيًا ولمدة عقدين من الزمان، منذ أواخر الخمسينيات وطوال فترة الستينيات.

الكتاب من القطع الكبير ويقع في 175 صفحة، قدمته للقارئ في طبعة أنيقة فاخرة كلية الفنون البصرية وإدارة الإبداع بجامعة “ESLSCA”، في لفتة إنسانية وفنية راقية من رئيس الجامعة الدكتور علي المليجى. وتصدرت هذا المجلد الفخم مقدمة ممتعة كتبها الفنان والكاتب كمال الملاخ يومًا ما.. لكن الكتاب لم ير النور إلا منذ أيام.

وكتب الملاخ في بداية كلمته: "إنني على موعد الآن مع نهاية نهار، وبداية عصر المساء.. الموعد مع الزميلين: لويس جريس وحسن فؤاد.. الموضوع عن مقدمة كتاب اختاراني لأكتبها، والكتاب عن رسوم الفنان المبدع جمال كامل.. أي لون من رسومه؟؟ "لوحة الأسبوع" التي تخصص ولمع فيها...".

إنه جمال كامل أحد رواد الرسوم الصحفية الكبار..

ولد الفنان جمال كامل في أسيوط في 13 نوفمبر 1926، وانتقل مع والده إلى بني سويف حتى حصل على الشهادة الثانوية، بعدها انتقلت الأسرة إلى القاهرة ليلتحق بكلية الفنون الجميلة بالزمالك، وكان متفوقا وترتيبه الأول في كل سنوات الدراسة الخمس.

تتلمذ جمال كامل على يد اثنين من كبار أساتذة التصوير بالكلية، وهما الرائدان الكبيران يوسف كامل.. وأحمد صبري.. ولعب أحمد صبري دورا كبيرا في حياة الفنان جمال كامل.. فأحب رسم البورتريه من خلاله.. فتفوق وبرع فيه حتى أصبح أحد كبار المصورين في فن البورتريه.  

برزت موهبة جمال كامل منذ أن كان طفلا في العاشرة، متأثرا بأفلام الحركة، خاصة أفلام الغرب الأمريكي “الكاوبوي”، وكان يخرج من السينما فيبدأ في رسم أبطال الفيلم محاولا استعادة أحداث الفيلم من خلال حركة الممثلين.

وظل شغوفا بقصص وأفلام المغامرات، وكانت الحركة العنيفة تثير فيه الرغبة في تقليدها فيرسمها باستمرار.

ويقول جمال كامل معقبا على تلك الفترة: "ربما لأنني كنت هادئا بطبعي، فأحببت شجاعة أبطال السينما وقدرتهم على الحركة السريعة المستمرة".

وفى فترة انتظاره لإنهاء إجراءات تعيينه معيدا بكلية الفنون الجميلة باعتباره الأول على دفعته مع مرتبة الشرف، التحق كرسام صحفي بدار الهلال، وهناك التقى إحسان عبد القدوس الذي صار صديق عمره.. وكان يعمل آنذاك بالقطعة في دار الهلال إلى جانب عمله بدار روزاليوسف.. وكان إحسان على وشك أن يصبح رئيسا لتحرير مجلة روزاليوسف.. بعد أن تنازلت السيدة فاطمة اليوسف عن رئاسة التحرير لابنها إحسان، فأقنع جمال كامل بأن المستقبل للشباب، وكان يرى أن روزاليوسف سترى عهدا جديدا.

ويقول جمال كامل عن تلك الفترة: "كانت مجلة روزاليوسف وقتها تتفق مع حريتي كفنان".

وفى روزاليوسف بدأ جمال كامل رحلته الفنية الكبرى كمبدع ومصور ورسام صحفي، وأخذته نداهة الصحافة الساحرة.. ونسي أنه مطلوب كمعيد بكلية الفنون الجميلة، وسرعان ما طلب منه إحسان عبد القدوس أن يشتبك مع الواقع ويقدم كل أسبوع لوحة.. من خلال باب جديد أطلق عليه إحسان "لوحة الأسبوع".

وكانت الرسوم لا تعتمد على مادة صحفية، إذ كانت لوحة الأسبوع هي الموضوع.. وترك له إحسان عبد القدوس حرية اختيار موضوع لوحة كل أسبوع ليبدعها كما يتراءى له، فاتجه جمال كامل إلى تسجيل ملاحظاته بالرسم من خلال لوحة مستقلة من واقع المجتمع المصري ومشاكله وقضاياه، فصور حياتنا بكل ألوانها بسلبياتها وإيجابياتها، بخفة ظل وتأمل لكل ظواهر المجتمع.. حتى تحولت لوحة الأسبوع إلى كتاب مفتوح "لوصف مصر" بريشة الفنان جمال كامل الذي أخذ يرصد بقوة الملاحظة كل تفاصيل الحياة اليومية لدى المصريين.. وكان هذا الإحساس هو الذي دفعه للتعبير بصدق عن كل ما يراه في الشارع المصري آنذاك.

وعكست أول لوحة نشرت له الواقع بشكل صادق هي لوحة "العازب".. ويقول جمال كامل عن هذه اللوحة: "كنت أعزب معذبا وقتها قبل أن يسعدني قدري بالزواج ممن أحببت".

تحولت "لوحة الأسبوع" إلى معرض دائم للحياة المصرية على صفحات مجلة "صباح الخير".. وإلى جوار لوحة الأسبوع برع جمال كامل في تقديم لوحات ملونة لبورتريهات فاتنة لغلاف مجلة صباح الخير.. فقدم أجمل اللوحات الناطقة بالجمال والإبهار.. وقدم بالإضافة إلى الأغلفة الشهيرة الرسوم المصاحبة لرائعة الروائي فتحي غانم عبر حلقات مسلسلة لرواية "الرجل الذي فقد ظله".. وقدم رسوم رواية إحسان عبد القدوس البديعة "ثقوب في الثوب الأسود".. وتوالت أعمال جمال كامل وتتلمذ على يده جيل من الرسامين والمصورين الذين عملوا بمجلتي "صباح الخير" و"روزاليوسف"، وتدرج في المناصب حتى صار المستشار الفني لدار روزاليوسف.. وتوافد على مرسمه بمجلة صباح الخير كبار نجوم الفن والسياسة والمجتمع.. وجلسوا أمامه ليرسمهم.. فرسم بورتريهات رائعة نشرت جميعها على أغلفة مجلة صباح الخير، فرسم عبد الحليم حافظ ويوسف شاهين وفاتن حمامة ونجاة الصغير وسعاد حسني وأم كلثوم وجمال عبد الناصر.

أسعدني الحظ أن عملت مع الفنان جمال كامل لمدة عشر سنوات كاملة.. وكنت قريبا منه بشكل يومي عندما توليت مسؤولية المدير الفني لمجلة "صباح الخير".. فقد كان هناك اجتماع أسبوعي لاختيار غلاف المجلة الجديد.. وكانت توجيهاته لي في تنسيق الصفحات الداخلية تفوق كل الدروس المتداولة في قاعات الدرس والمحاضرات.. فقد كانت له رؤية نابعة من إحساسه الفني بالجمال المطلق لمساحة الصفحات.

وظلت العلاقة هكذا إلى أن صدر قرار بتعيينه رئيسا لتحرير مجلة صباح الخير خلفا للفنان حسن فؤاد الذي سافر إلى لندن لإنشاء مؤسسة عربية كبرى للرسوم المتحركة بلندن.. وهنا ازدادت العلاقة قربا.. فكنا نجتمع معه أسبوعيا ويوميا بالساعات لتسكين موضوعات العدد الجديد.. وكانت ساعات ممتعة يستقطعها من لحظات إبداعه.. وكنا سعداء الحظ أننا كنا نعيش معه تلك الأيام التي لا يفارق فيها مرسمه فقد رفض أن يجلس على مكتب رئيس التحرير وظل يدير شؤون المجلة من مرسمه.. فهو لا يفارق لوحاته وأدواته وفرشاته.. فهو في حالة عطاء مستمر.

ولعل هذا لكتاب هو بداية مبشرة لإصدار مجلد كبير يضم كل إبداعاته الرائعة.. وهذا الكتاب يمثل وثيقة اجتماعية وفنية وتاريخية لوصف المجتمع المصري.. فهذه الرسومات الرائعة تعيد للذاكرة البصرية ملامح الشخصية المصرية.. وكيف كان يعيش المصريون في تلك الفترة الغنية بالأحداث السياسية والاجتماعية.

ومن أجمل ما يقدمه هذا الكتاب النادر للفنان جمال كامل هو إعادة تبويب اللوحات على هذا النحو الذي أبدعته حفيدة الفنان جمال كامل الفنانة رنا المليجي.. التي قامت بعملية الإخراج الفني للكتاب.. وأيضًا تنسيق الصفحات وتبويب موضوعات اللوحات عبر النوعية.. ووحدة الموضوع.. فأعادت إحياء لوحات الفنان جمال كامل بصورة معبرة عن رؤيته التي قدم بها هذه الأعمال الفنية للقارئ العادي.

وجاء التبويب ملائما جدا للموضوعات على هذا النحو الذي ورد في المجلد الفخم: "الحياة الزوجية - عادات وتقاليد - المهن - روح الحياة - المرأة - مناسبات - أحداث تاريخية".

إنه حقا كتاب ممتع ومرجع يمثل وثيقة بصرية واجتماعية وفنية وسياسية عن فترة زاخرة بأحداث وتفاصيل يومية سجلتها لنا ريشة الفنان المبدع الكبير جمال كامل.

شكرا د. هالة جمال كامل.. شكرا للدكتور علي المليجي.. شكرا رنا المليجي.. إن إحياء ذكرى رمز من رموز فناني روزاليوسف على هذا النحو الذي يليق بالفنان الكبير جمال كامل يعد عملا وطنيا رائعا.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز