عاجل
السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

من تاريخ الممالك الأفريقية القديمة ..

مملكة الكانم والبرنو في تشاد

الباحثة ضحى خالد عبدالباقي
الباحثة ضحى خالد عبدالباقي

نحاول أن نقدم للقاريء العربي تاريخًا موجزًا لبعض الممالك الأفريقية القديمة، كما نتناول بعض المظاهر الحضارية والثقافية بها حتى نتعرف على جانب مهم من جوانب تاريخ بلاد أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وسوف نتحدث اليوم عن مملكة أفريقية قديمة كانت قد اشتهر باسم مملكة الكانم، أو بلاد الكانم، ثم عرف باسم: بلاد البرنو فيما بعد، وتلك الممالك ظهرت في آراضي تشاد حاليا، وهي التي تعرف في المصادر التاريخية باسم: بلاد السودان الأوسط، ويُقصد بها بلاد وسط أفريقيا في العصر الإسلامي.



 

من المعلوم أن مهد بلاد الكانم والبرنو هي منطقة بحيرة تشاد Chad الواقعة إلي الشرق من دول الهوسا حيث تتوسط هذه البحيرة قلب هذه الإمبراطورية؛ ولذا يعد موقعها مركزًا هاما لإلتقاء القوافل التجارية المارة عبر الصحراء الأفريقية، وهو ما جعلها مركز نشاط وحياة، كما أن منطقة بحيرة تشاد تتميز بأنها منطقة خصبة، وتمتلك بدورها طبيعة هامة، وهي أنها تخلو من العوائق الطبيعية مثل الغابات والصحراوات والمرتفعات، مما أدي إلي تيسير التنقل منها وإليها، وأيضا ساعدت علي الاستقرار والإشتغال بالزراعة بجانب من استمر علي ممارسة الرعي.

 

يكتب اسم بلاد الكانم بكاف بعدها ألف ثم نون مكسورة وميم في الآخر وهم مسلمون أيضاً والغالب علي ألوانهم السواد؛ قال صاحب كتاب "مسالك الابصار": وبلادهم بين افريقية وبرقة ممتدة في الجنوب إلي سمت الغرب الاوسط ،قال وهي بلاد قحط وشظف، وسوء مزاج مستولٍ عليها . ولقد هاجر قوم سموا باسم الزغاوة Zaghawa وانتشروا في بقعة واسعة إمتدت من دارفور شرقاً (غربي سودان وادي النيل) حتي بحيرة تشاد غرباً ،وهي المنطقة التي عرفت باسم الكانم وهم شعب جمع بين الخصائص الحامية والزنجية.

 

 

 

  أشار المؤرخ اليعقوبي إلي الزغاوة الذي كتب تاريخه حوالي عام 890م، وقال عنهم: "إنهم يعيشون في أكواخ من القصب (الغاب) و لم تكن لهم مدن ويطلق علي ملكهم (كاكازا) . ولقد ورد اسم كانم لأول مرة في رواية اليعقوبي (توفي سنة: 384هـ) عند ذكره للسودان الذين غربوا وسلكوا نحو المغرب فإنهم قطعوا البلاد فصارت لهم عدة ممالك "فأول ممالكهم الزغاوة وهم النازلون بالموضع الذي به كانم. إذاً اقترنت حدود بلاد الكانم بحدود بلاد الزغاوة Zaghawa في بداية تكوينها، وذلك لأنهم هم مؤسسو حكومة كانم الأولي. 

 

كانت مدينة جيمي  Njimi من أشهر عواصم كانم حيث أشار إليها كتّاب العرب ورحالتهم، وتعرف أيضاً بعدة أسماء أخري منها سيما Sima أو شام Sham، وتقع شمال بحيرة تشاد التي تبعد عنها تقريباً حوالي 100م تقريبا، قاعدتها (مدينة جيمي) قال في "تقويم البلدان" بكسر الجيم و بالياء المثناة تحت الساكنة و كسر الميم ثم ياء مثناه تحتية في الآخر حسب ما هو خط ابن سعيد و موقعها في الاقليم الأول من الأقاليم السبعة قال الجغرافي المعروف ابن سعيد: حيث الطول ثلاث وخمسون درجة والعرض تسع درجات، وبها مقر سلطانهم قال في "مسالك الأبصار" ومبدأ هذه المملكة من جهة مصر بلدة اسمها (دلا) وآخرها طولا ًبلدة يقال لها (كاكا) و بينهما نحو ثلاثة أشهر.

 

وبهذا تعد بلاد الكانم Kanem أكبر دولة نشأت في منطقة المراعي بين نهري النيل والنيجر وبالرغم من فقدانها لمناجم الذهب التي كانت قد حظت بها كل من غانة  ومالي  إلا أن موقع كانم ضمن لها مصدراً من من مصادر الثراء وذلك لسيطرتها علي الطرق التجارية للقوافل المتجهة شمالاً إلي فزان في ليبيا ومن ثم إلي البحر الأبيض المتوسط وشرقاً إلي نهر النيل ؛مما جعل نمو مملكة كانم تنمو كدولة قوية ومركزية في تلك المنطقة .

 

وكونت بلاد الكانم بحدودها الواسعة جزءاً هاماً وحيوياً في إقليم السودان والذي تسوده كل تنوعات المناخ المداري من المناخ الاستوائي في الجنوب الي المناخ الصحراوي في الشمال وأدي ذلك أن تنوعت الحياة النباتية من الغابات المفتوحة إلي السافانا  التي تتخللها الأشجار في الجنوب حتي تصل إلي الصحراء في الشمال ولأن كانم حدودها إمتدت الي كوار وفزان في الشمال مما يعني أن معظم أرضها يقع ضمن النطاق الصحراوي أو شبه الصحراوي  الذي يكون حاراً بالنهار وشديدة البرودة ليلاً. أما جنوباً التي تحيط ببحيرة تشاد حيث يسود المناخ الاستوائي كما أن الأرض هناك سهلية تكاد تكون مستوية وتمتاز بالتربة الغنية الخصبة مما شجع علي الاستقرار والإنتاج الزراعي .

 

يرجع السبب في تأسيس هذه المملكة إلي المراحل المتأخرة من العصر الوسيط، وهذا تحديداً في أواخر القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي حيث تأسست هذه المملكة في بلاد السودان الأوسط "Middle Sudan" فيحدها من الشمال الصحراء الكبري ومن الجنوب أداموة ومن الشرق بحيرة تشاد وغرباً الهوسا  ومن الجنوب الشرقي باجرمي ولكن هذه الحدود تعدلت وتغيرت كثيراً حيث لم تكن ثابتة دائماً وذلك بسبب الظروف التي مرت بها المملكة خلال تاريخها . وبالنسبة لموقعها من كانم فإن كانم تقع إلي الشرق من برنو وهما يحيطان ببحيرة تشاد. 

 

أما الآن عن آراضي بلاد الكانم - البرنو فكانم تدخل ضمن جزء من جمهورية تشاد، وبرنو ضمن اتحاد نيجيريا، يقول الإمام محمد بللو: أرض برنو ذات أشجار وأنهار كثيرة الخصب، عامرة بالسكان وليس في المنطقة بلد أوسع منها وأكثر عمارة وتصب أنهار برنو في بحيرة تشاد. كما ذكر برنو الكثير من المؤرخين والجغرافيين العرب  ؛فمنهم من يقول عن برنو: "البرنو إقليم كبير يتاخم وانغارة في الغرب ويمتد شرقاً علي مسافة خمسمائة ميل تقريباً و يبعد حوالي مائة وخمسين ميلاً عن العين التي ينبع منها نهر النيجر ويتاخم من الجنوب صحراء سو ومن الشمال يتاخم أيضاً الصحاري التي تقابل برقة".

 

 

-  باحثة في تاريخ أفريقيا  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز