
حكم تاريخي يؤكد "القدس أرض عربية" وسلطة الاحتلال الإسرائيلي تتبع الأيديولوجية الإقصائية وإلغاء الوجود الفلسطيني

عبدالباسط الرمكي
جاء بالوثيقة القضائية الوحيدة بالوطن العربى عن القضية الفسطينية لحكم تاريخى بمحكمة القضاء الإداري بالإسكندية بمحافظة البحيرة برئاسة القاضي الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة بخمسة بنود أهمها رفض نقل ضريح حاخام يهودى من مصر إلى القدس إعمالا لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة واللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لاهاى باعتبار أن القدس أرض محتلة لا ترد عليها تصرفات الدولة الغاصبة وتخرج عن سيادتها وتلافياً لإضفاء شرعية يهودية الدولة بتكريس سلطة الاحتلال الإسرائيلي بتواجد هذا الضريح على أرض فلسطين العربية.
كما تضمن إلزام الوزير المختص بشؤون الأثار بإبلاغ اللجنة الدولية الحكومية "لجنة التراث العالمى "بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونيسكو" بشطب هذا الضريح من سجلات الأثار الإسلامية والقبطية تطبيقاً للاتفاقية الدولية الخاصة بحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي والقانون المصري وإعمالا لمبدأ السيادة على الإقليم المصري الكائن به هذا الضريح على أن يكون ذلك الإبلاغ مشفوعا بترجمة معتمدة من الصورة الرسمية من حكم هذه المحكمة باعتباره الوثيقة والسند لهذا الابلاغ.وقد أصبح هذا الحكم نهائيا وباتاً بصدور حكم المحكمة الإدارية العليا باعتبار الطعن عليه برقم 34173 لسنة 61 ق عليا كأن لم يكن .
أولاً : تأصيل حق الأرض القدس المطلوب نقل رفات حاخام يهودى من مصر إليها هل هي ملك دولة إسرائيل أم أنها أرض مغتصبة تحت نير الاحتلال ؟
قالت المحكمة أن المستقر عليه دوليا , ومنذ الاحتلال الإسرائيلى للقدس الفلسطينية للجانب الغربى منها عام 1948 والجزء الشرقى منها عام 1967 أن سلطة الاحتلال الإسرائيلي دأبت على الاستيطان بها وتهويدها بالمخالفة لمبادئ القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى وحقوق الإنسان , وأن المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة – خاصة القدس الشرقية – تمثل خرقاً لقواعد القانون الدولى , وانتهت منظمة الأمم المتحدة إلى أن بناء إسرائيل لتلك المستوطنات يشكل انتهاكا لأحكام المادة 49 في فقرتها السادسة من " اتفاقية جنيف الرابعة " والتي تحظر على القوة المحتلة نقل مجموعات من سكانها المدنيين إلى الأراضى التي تحتلها , وقد تبنى مجلس الأمن بمنظمة الأمم المتحدة القرار رقم 448 فى مارس 1979 واعتبرها غير قانونية , بل أصدرت محكمة العدل الدولية رأيا استشاريا فى عام 2004 انتهت فيه إلى ان بناء تلك المستوطنات غير شرعية , وهو ما أعلنه الأمين العام للامم المتحدة ذاته بان كى مون في إبريل 2012 حيال النشاط الاستيطاني لسلطات الاحتلال الإسرائيلية .
فضلا عن انتهاكها لقواعد القانون الدولي الإنسانى خاصة المادة (53) من معاهدة جنيف الرابعة التي تحظر تدمير الممتلكات الخاصة إلا إذا اعتبرت ضرورة للعمليات العسكرية ,وانتهاكا للمادة (46) من اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لاهاى التي نصت على أنه " ينبغى احترام شرف الأسرة وحقوقها , وحياة الأشخاص والملكية الخاصة , وكذلك المعتقدات والشعائر الدينية , ولا تجوز مصادرة الملكية الخاصة "
ثانياً : القدس عاصمة فلسطين طبقاً لأحكام القانون الدولى وسلطة اسرائيل عليها احتلال ولا يجوز نقل رفات يهودي فيها وبناء مستوطنات لا ينال من حق شعبها مثل كافة الشعوب في تقرير مصيره
وأشارت المحكمة أن القدس أرض فلسطين وأن سلطة اسرائيل عليها سلطة احتلال , ويكون القصد من طلب الجانب الإسرائيلي هو استخدام نقل الرفات لرجل دين يهودى لتهويد القدس العربية , وإضفاء شرعية دولية على أن القدس عاصمة إسرائيل وهي في الحق والعدل وطبقا لقواعد القانون الدولى عاصمة فلسطين طبقا لأحكام القانون الدولي , ومثل هذه المستوطنات تنال من حق الدولة الفلسطينية المستقبلية فى السيادة والاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحق شعبها الأصيل مثله مثل كافة الشعوب فى تقرير مصيره .وبهذه المثابة فإن الأرض – القدس - محل الطلب الإسرائيلى لنقل رفات الحاخام اليهودى إليها , هى أرض مغتصبة من سلطة الاحتلال الإسرائيلي , ولا يجوز نقل الرفات اليها .ويتعين الحكم برفض طلب إلزام الجهة الإدارية المختصة بنقل هذا الضريح إلى خارج مصر إلى إسرائيل استنادا إلى ان الإسلام يحترم الأديان السماوية ويحترم موتاهم وينبذ نبش قبورهم , ودون الاستجابة للطلب الإسرائيلى المبدى لمنظمة اليونسكو بنقله إلى القدس طبقا للقانون الدولى والقانون الدولى الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة واللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لاهاى باعتبار أن القدس أرض مغتصبة والأرض المحتلة لا ترد عليها تصرفات الدولة الغاصبة ولا تدخل فى سيادتها , ولا يكسبها ذلك حقاً مهما طال الزمان .
ثالثاً: إسرائيل تتبع سياسة التطهير العرقى لأرض فلسطين العربية وتنتهج العنصرية الأيدولوجية الإقصائية وإلغاء الوجود الفلسطينى وإخراجه من سياق التاريخ والمجتمع الدولى يمر بأزمة أحلاقية مصيرية
وأضافت المحكمة أن سلطة الاحتلال الإسرائيلى تتبع سياسة التطهير العرقي للمناطق التي تستولي عليها من مواطنيها الفلسطينيين بهدف ايجاد مجتمع متجانس عرقيا يقتصر على اليهود على اساس تكريس وتبرير العنصرية الأيدولوجية الإقصائية وإلغاء الوجود الفلسطيني وإخراجه من سياق التاريخ , ولم تستطع منظمة الأمم المتحدة ولا الدول الكبرى إيجاد حل عادل حتى الاَن , وإذا لم تجد قواعد القانون الدولى الاحترام الواجب من المنظمة المنوط بها تطبيق أحكامه فقد أضحى تناقضاً فى دور تفعيل قواعد القانون الدولي في الجماعة الدولية , ذلك أنه قد اتسع إطار قانون البشرية المشترك وتخطت دائرة قانون الأمم المتحدة فى انفراجها كل ما عرفه التاريخ ومع ذلك فإن ثقة البشر في فى جدوى القانون الدولى وفعاليته فى حل مشاكلهم بدت تتناقص يوماً بعد يوم واَيته ما يحدث من الاحتلال الإسرائيلي فى الأراضى الفلسطينية المحتلة التي لا تفتأ أن تنال من هيبة القانون الدولي مما تهتز فيه القيم الأخلاقية فى العالم , فى حين ان وحدة البشرية فى السلام والاخوة والحرية تتطلب دعامة من الأخلاق قوية.
ولابد للعالم من أن يهدهد من خلافاته المذهبية وأن يدفن أحقاده العنصرية , ومن غير تطبيق عادل لقواعد القانون الدولى لفلسطين فسيبقى المجتمع الدولى بأسره مهدداً بأزمة أخلاقية مصيرية لا دافع لها إلا بتطبيق عادل وصحيح لقواعد القانون الدولى . كما انه بغير قيام منظمة الأمم المتحدة والدول الكبرى المتمدينة ببسط قواعد العدل والانصاف لشعب فلسطين فلن تحقق جهود تلك المنظمة الدولية للإنسان قدراً أكثر من الحرية بقدر ما يكبلهم بمزيد من قيود العبودية !, وأن تقديم طلب نقل رفات الحاخام اليهودى يعقوب ابو حصيرة من مصر إلى القدس لمنظمة اليونسكو - هو إجراء إسرائيلى اُحادى الجانب - يعد التفافا على التزامات إسرائيل الدولية واستخداما منها لمنظمة دولية لنقل رفات رجل دين يهودى لتكريس مفهوم يهودية الدولة على أرض فلسطين التاريخية , لتكون شاهدة عليها , مما تفطن فيه المحكمة بالغرض غير المشروع للاستجابة لطلب نقل رفات الحاخام اليهودى للقدس وترفضه .
رابعاً : القضاء المصري يواجه القضاء الإسرائيلى لبناء الهيكل اليهودى الثالث المخالف لأحكام محكمة العدل الدولية
وذكرت المحكمة أن الاحتفال السنوى المقرر لمولد الحاخام اليهودى يعقوب أبو حصيرة وما يصاحبه من ممارسات تتمثل فى قيام اليهود المحتفلين الزائرين لضريح أبو حصيرة والمقابر اليهودية التي حوله باحتساء الخمر وارتكاب الموبقات والمحرمات بما يتعارض مع التقاليد الإسلامية الأصيلة , مما يخالف التقاليد الإسلامية والآداب يشكل مساساً بالأمن العام والسكينة العامة ويمثل خروجاً سافراً على ما تتمتع به الشعائر الدينية من وقار وطهارة وانتهاكاً بما تتمتع به التقاليد المصرية من آداب ، خاصة وأن المسلمين والمسيحيين يرون مقدساتهم الإسلامية والمسيحية تنتهك فى القدس , دون مراعاة لما احتوته الأديان السماوية من قيم واحترام تمثل فى التعرض الدائم لقوات الاحتلال الإسرائيلية للمسجد الأقصى المبارك وما سبقه من قيام المتطرفين اليهود (جماعة أمناء جبل الهيكل) بوضع حجر أساس بشكل رمزى لبناء الهيكل اليهودى الثالث المزعوم بالقرب من باب المغاربة بحكم من المحكمة الإسرائيلية العليا بالمخالفة لما استنته محكمة العدل الدولية وخرقا للشرعية الدولية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة .
خامساً : مصر لم تتخل يوماً عن القضية الفلسطينية فى صبر وأناة كدعاة أمن وسلام، لا حرب ودمار والقدس أرض عربية محتلة وغير معترف بشرعية أى تصرف إسرائيلى فيها
وذكرت المحكمة على الرغم أن القدس أرض عربية محتلة وغير معترف - وفقاً لقواعد القانون الدولى - بشرعية أى تصرف إسرائيلى فيها ، وهذا ما يثير مشاعر المسلمين بالمساس بأقدس المقدسات الإسلامية بالحرم القدسى الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى الرسول محمد - ﷺ - ، وما تفعله سلطات الاحتلال الإسرائيلى من توسيع الاستيطان وهدم منازل الفلسطينيين , فضلاً عن المجزرة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية فى أكتوبر 1990 بإطلاقها النار على المصلين ومحاولة إحراق المسجد الأقصى عام 1996 ، وما يمثله هذا الاعتداء الوحشى الذي لم يسبق له مثيل من قتل المدنيين والأطفال بقذائف الدبابات والصواريخ وطائرات الأباتشى ، وطائرات أف 16 ، وإف 15 ، وهدم المنازل فوق رؤوس أهلها واقتلاع أشجار الزيتون , وتدمير مشروعات البنية التحتية , رغم ما تبذله مصر فى صبر وأناة كدعاة أمن وسلام ، لا حرب ودمار ، ولا قهر واستعمار ، الأمر الذي يكون معه إقامة تلك الاحتفالية فى تلك الظروف والملابسات مما يمس الأمن العام والسكينة العامة , مما يتعين معه الحكم بالغاء إقامة الاحتفالية السنوية لمولد الحاخام اليهودى يعقوب أبو حصيرة بصفة نهائية لمخالفته للنظام العام والاَداب وتعارضه مع وقار الشعائر الدينية وطهارتها.