عاجل
الخميس 15 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
فن الدبلوماسية .. الإتيكيت الاجتماعي والإبداع الحكومي

فن الدبلوماسية .. الإتيكيت الاجتماعي والإبداع الحكومي

غالبيَّة النَّاس والمواطنين البسطاء يعرفون ويتوقعون بأنَّ الإتيكيت هو طريقة أكْلِ الطَّعام (الطَّعام بالسكِّين والمِلعقة والشَّوكة)، بَيْنَما مفهوم وتعريف الإتيكيت بأنَّه الذَّوق العالي والرَّفيع، والسُّلوك المُهذَّب والمُؤدَّب للشَّخص أمام الجميع مهما كان المنصب أو الوظيفة. بعض المعاهد والكُليَّات المُتخصِّصة في العلوم الدبلوماسيَّة تؤكِّد كثيرًا على الإتيكيت الاجتماعي وتذهب إلى أنَّ الإنسان لدَيْه ثلاثة «أمخاخ» الَّتي تُدير جميع العمليَّات اليوميَّة وليس مخًّا واحدًا، وهو المتعارف عَلَيْه والموجود في جمجمة الرَّأس. المُخُّ الأوَّل في الرَّأس وهو مُكوَّن من فصَّيْنِ: مركز العمليَّات والأوامر للإنسان. المُخُّ الثَّاني الَّذي يُعطي الأوامر (الجهاز الهضمي والحالة الصحيَّة) لأنَّك إذا نهضتَ صباحًا ولدَيْك ألَمٌ قوي في المَعِدة؛ فإنَّ المَعِدة سوف تأمُر العقل بأخذ إجازة لهذا اليوم، وبذلك يكُونُ المُخُّ في الرَّأس مستقبِلًا للأمر ويُنفِّذ الأمْر بالاتِّصال عن طريق اللِّسان لأخذِ الإجازة لهذا اليوم. والمُخُّ الثَّالث هو القلب ـ فعلى سبيل المثال ـ في حالة وفاة شخص ما فإنَّ القلب سوف يأمُر المُخَّ المستقبِلَ للمشاعر بأخذِ إجازة بسبب الحالة النَّفْسيَّة.. لذلك المدرسة البريطانيَّة، وكذلك بعض المدارس الأجنبيَّة الأخرى، تؤكِّد على الإتيكيت الاجتماعي وهو العقول الثَّلاثة (المُخ، القلب، الجهاز الهضمي والحالة الصحيَّة) للوصول إلى أعلى درجات الإنتاجيَّة في العمل، وبالتَّالي فإنَّ أيَّ خللٍ أو تقصير في العقول الثَّلاثة يعني أنَّ المُوَظَّف لا يستطيع أن ينجزَ عمله بصورة صحيحة، بل لا يوجد أيُّ تقدُّم وكفاءة؛ لِكَيْ ينافسَ الجهات الأخرى، لذلك نجحتْ بتفوُّق المدرسة اليابانيَّة والألمانيَّة بعد الحرب العالَميَّة الثَّانية بتطبيق الإتيكيت الاجتماعي بحِرفيَّة عالية بعيدًا عن علوم الحوكمة والقيادة بكُلِّ فروعها؛ لأنَّنا لا نستطيع الازدهار بالصِّناعة الوصول لقمَّة الهرم إذا ما تمَّ صناعة وبَلْوَرة المواطن ضِمْن مفاهيم الإتيكيت الاجتماعي الَّذي سوف يرفد كُلَّ مجالات الحياة العمليَّة والاجتماعيَّة.. وهذا طبعًا يبدأ بتغذية العقل البَشَري بمفردات الدبلوماسيَّة وكفاءة العمل بعيدًا عن العلوم الروتينيَّة الجافَّة الَّتي تتهالَك يومًا بعد يوم. تؤكِّد المدارس الدبلوماسيَّة الحديثة كثيرًا على الإتيكيت الاجتماعي؛ لأنَّه هو السُلَّم السَّليم الَّذي يوصل إلى الإبداع والتَّفاني والالتزام العالي بمقرَّرات وتعليمات الإتيكيت الحكومي؛ لأنَّ المواطِن أو المُوَظَّف الَّذي يحمل هموم القروض الماليَّة والمشاكل العائليَّة والزَّوجيَّة والشَّخصيَّة الأخرى لا يُمكِن إطلاقًا أن يكُونَ مُوَظَّفًا مميزًا ومنتِجًا بسبب الأثقال الاجتماعيَّة الَّتي لدَيْه؛ وبالتَّالي يكُونُ عبئًا على دائرته وأصدقائه المُوَظَّفِين.



نحتاج إلى مقالات طويلة ومُعمَّقة لتغطيةِ عِلم الإتيكيت الاجتماعي الدبلوماسي، ولكنَّني سوف أختصر أهمَّ النّقاط والتَّفرُّعات ذات العلاقة بالحياة اليوميَّة الشَّخصيَّة والرَّسميَّة، ومِنْها مفاهيم البروتوكول والإتيكيت المحلِّي والدّولي، إتيكيت الحياة الزَّوجيَّة والعائلة المتماسكة المبنيَّة على الاحترام المُتبادل والتَّضحيَّة والإخلاص والوفاء واحترام وتقبُّل الرَّأي الآخر، إتيكيت حضور الدَّعوات الاجتماعيَّة والجُمل المُهذَّبة وكلمات الشُّكر بعدها وباقات الزُّهور، إتيكيت فنِّ المجاملة واختيار الكلمة وإدارة الحديث من ناحية نبرة الصَّوت ولَباقة وتسلسل الأفكار البسيطة والواضحة بعيدًا عن الغرور وحُب الذَّات والتَّمسُّك بـ»الأنا»، إتيكيت المخاطبة ونظام الأسبقيَّة، إتيكيت المصافحة والتَّحيَّة والزِّيارة واختيار نَوعيَّة الهدايا والبشاشة والاستئذان، إتيكيت حضور الدَّعوات الاجتماعيَّة والشَّخصيَّة وآداب الطَّعام والشَّراب والموائد واحترام توقيتات الحضور والانصراف، إتيكيت الأناقة والهندام الخارجي سواء داخل البيت أو مع الأصدقاء أو بالعمل استنادًا إلى الأوقات النَّهاريَّة أو اللَّيليَّة، إتيكيت زيارة الأصدقاء والأقارب والمَرضى وكبار الشَّخصيَّات وعلماء ورِجال الدِّين، إتيكيت الغضب والتَّواضُع والتَّسامح ورحابة الصَّدر واحترام الطَّرف الآخر وعدم التَّسرُّع باتِّخاذ القرارات، إتيكيت آداب السُّلوك بالهاتف بالأماكن العامَّة، الفندق، الأسواق، السَّفر، الأماكن العامَّة، زيارة الأقارب وغيرها من المناسبات.. إتيكيت تقديم الهدايا والزُّهور، إتيكيت التَّعامل مع الوالدَيْنِ، أفراد العائلة، الجيران، المدرسة والجامعة وعامَّة النَّاس وزملاء العمل، إتيكيت التَّعامل مع الخدم، إتيكيت الحديث على المائدة وطريقة الجلوس وكيفيَّة البدء واستخدام أدوات الأكل وقواعدها سواء مائدة المنزل أو موائد الدَّعوات الرَّسميَّة، إتيكيت حضور حفلات الشَّاي الصَّباحي والمسائي ونَوع الملابس وحفلات الغداء والعشاء وقواعد الحضور والانصراف، إتيكيت إرسال بطاقات الدَّعوات بنظام الأسبقيَّة والإعراب عن الشُّكر والتَّقدير بعد الانتهاء من المناسبة، إتيكيت المراسلات المميزة بالعمل، إتيكيت التَّحيَّة عِندَ الدُّخول إلى مقرِّ العمل على الجميع بابتسامة وبشاشة الوجْهِ ومساعدة الآخرين بعيدًا عن النِّفاق الإداري المقيت، إتيكيت التَّعامل مع ذوي الإعاقة الجسديَّة، السَّمعيَّة، البصريَّة، إتيكيت التَّعامل مع الأطفال، إتيكيت التَّعامل مع المرأة في مقرِّ العمل أو في المؤتمرات والفعاليَّات الرَّسميَّة، إتيكيت أُصول التَّقديم والتَّعارف بالنِّسبة للمرأة في مجال العمل أو الأصدقاء والأقارب، وغيرها من المفردات الجوهريَّة الَّتي تدعم الإتيكيت الحكومي.

دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز