عاجل
الخميس 5 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
ذكرى انتصارات أكتوبر
البنك الاهلي

صباح الخير تشهد معارك الدبابات

كيف صنعنا المصيدة لدبابات العدو؟!

لماذا هى أشرس معارك الدبابات فى تاريخ كل الحروب حتى الآن كما يقول المعلقون العسكريون؟ لن نتحدث عن الجحيم المشتعل فى الأرض وفى السماء فى جبهة سيناء.. وبالذات القطاع الأوسط فيها.. فذلك أمر يعجز عن تصويره القلم، ولابد أن يعيشه المرء مع جنودنا البواسل.. ليرى ويسمع ويحس. * أشرس معارك الدبابات فى الحرب العالمية الثانية كانت معارك ستالينجراد التي حدث فيها لأول مرة ما يسمى بالدوج فايت، وتعنى حرب الاصطدام المباشر بين الدبابات بعضها البعض.. حتى لتنطح الدبابة دبابة أخرى، وربما ترك المقاتلون دباباتهم ونزلوا إلى الأرض يقاتلون جنود العدو بالسلاح الأبيض وبالأيدى أيضا. ثم كانت هناك معارك نهر الأودر، ومعارك الصحراء بين روميل ومونتجمرى مشهورة ومعروفة. ومع ذلك، فإن معارك اليوم فى سيناء أضخم المعارك جميعا وأشدها عنفًا. فالجانبان قد قذفا فيها بأكبر عدد من الدبابات «مئات الدبابات» فى ساحة محدودة جدا من الأرض.. أحيانا تكون مجرد شريط ضيق، مما جعل كثافة الدبابات والمدرعات فيها أعلى كثافة من أى ساحة قتال أخرى حدثت من قبل.. حتى فى حرب احتلال المدن. وهى معركة تدور بشكل متواصل منذ أيام.. لا تتوقف طلقات النار لحظة واحدة، ولا تكف جنازير الدبابات بدوى صداها فى أرجاء الجبهة ونحن محتمون بسواتر أو مخندقين على بعد كيلومترات قليلة من الضرب المباشر.. ليس هناك لحظة يلتقط فيها المحاربون أنفاسهم. وهي معركة لا تشترك فيها الدبابات والمدرعات فقط، بل كل أسلحة الحرب الأخرى ما عدا البحرية.. فهناك الطيران.. ووسائل الدفاع الجوى.. والمدفعية وفرق الصواريخ.. وقاذفو الصواريخ والمشاة الميكانيكية.. إلخ. وتعتمد المعركة على التنسيق بين كل هذه الأسلحة. هذا التنسيق الذي يقول الخبراء العسكريون إذا إذا افتقده جيش، ضاعت نصف احتمالات النصر بالنسبة له. والمعركة الأخيرة تمثل تغييرا لتكتيك العدو الإسرائيلى، فقد كانت خطته منذ بدء القتال فى 6 أكتوبر هى أن يدفع فى المعركة ضد قواتنها بلواء وراء لواء بهدف ضرب ضربات خاطفة، ثم «يجرى» مثل روميل فى حرب الصحراء فى الحرب العالمية الثانية. ولكن قواتنا المسلحة لم تعط العدو هذه الفرصة قط «يضرب ويجرى».. فمنذ إبادة اللواء 190 إبادة كاملة تجرى دائما عملية تحطيم وتدمير لدبابات العدو ومدرعاته.. وتكبد نتيجة ذلك خسائر فادحة يقول المراقبون الأمريكيون أنفسهم أنها تمثل ثلث الدبابات الإسرائيلية قبل معركة سيناء الكبرى الآن. العدو عمد إلى النقل من تكتيك روميل إلى تكتيك مونتجمرى، وهو حشد أكبر عدد ممكن من الدبابات والمدرعات فى المعركة محاولا تدمير قواتنا وشق طريق له شرقى القناة. وقواتنا المسلحة تعتبر نفسها قد حققت كسبا بإرغام العدو على اتباع هذا التكتيك، وتعتبر أنها قد نجحت فى استدراجه إلى مصيدة هائلة. وهى مصيدة هائلة فعلا.. فالخسائر التي منى بها العدو حتى الآن بعد أن دفع بأكثر من سبعة ألوية فى المعركة «أكثر من 700 دبابة».. خسائر هائلة.. وهو مطبق عليه من كل الجهات.. ومؤخرته تضربها طائراتنا. وحرب الدبابات تعتمد على ثلاث قواعد أساسية: إن الدبابة التي تفشل فى الطلقة الأولى غالبا ستدمر.. بمعنى إذا لم تصب بقذيفة دبابتك العدو سيلتفت إليك ويضربك. كما أن قوة الدبابة تعتمد ليس دروعها فقط «ما بين 20 و30 سم»، وإنما على مرمى المدفع.. فمعارك الدبابات تدور بالطريقة التالية كما رأيتها. دبابات العدو.. قادمة وهى منتشرة فى مساحة واسعة.. على بعد كيلومترين.. دباباتنا تستعد لملاقاتها.. ثم تنطلق القذائف.. بين دباباتنا ودباباتهم.. ودائما كانت قذائف دباباتنا أبعد مدى من دبابات العدو. لذلك كانت خسائره أفدح من خسائرنا بكثير. وحرب الدبابات تعتمد أيضا على القدرة على المناورة وتحريك القوات.. أين تتمركز الدبابات المدافعة.. وكيف تحيط بدبابات العدو.. بل تخترق صفوفه أحيانا لتضربه من المؤخرة أو من الجانبين. وهى عملية تعتمد أيضا على براعة قادة الدبابات وقائد لواء الدبابات نفسه.. علاوة على الشجاعة. سمعت قائد لواء.. فى لقائه بالضباط والجنود قبل أن يركبوا الدبابة لملاقاة العدو.. يقول لهم.. عندما تقتربون من العدو رددوا قول الله تعالى: «بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر». والجندى المصري داخل الدبابة يهتف وهو يصوب مدفعه ضد دبابة العدو: «وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى».. الله أكبر. ولقد التقيت برقيب أصاب دبابته صاروخ أمريكى من ماركة «إس. إس» ورغم اشتعال النار داخل دبابته إلا أنه استمر فى التصويب وإحكامه حتي قذف الدبابة التي كان يتأهب لضربها.. وأصابها وقفز من الدبابة بعد ذلك والنار مشتعلة فى ثيابه.. وتمرغ على الأرض ببساطة.. ونهض ليركب دبابة قائد الكتيبة ويبلغه أنه دمر الدبابة الإسرائيلية رقم 3 فی العشر دقائق الماضية منذ بدء المعركة. كانت كتيبة الدبابات المصرية من خمسة، واجهت 15 دبابة إسرائيلية.. استطاعت الكتيبة أن تدمر خمس دبابات ثلاثا منها دمرها المقاتل الرقيب وحده. ماذا فعل القائد الإسرائيلى عندما فقد 5 دبابات من الخمسة عشرة؟ لقد تراجع إلى الوراء.. وهو يطلق نيران مدافعه على غير هدى فى محاولة للانسحاب. ولكن دباباتنا الخمس لم تتركه، واستمرت تطارده حتى دفعت بدبابات العدو إلى مرمى كتيبة دبابات مصرية أخرى.. وكانت النتيجة تدمير دبابتين أخريين. ولكن أسهل وأفتك الأسلحة بالدبابات هى الصواريخ المضادة للدبابات. أسهل لأنه يكفى أن يحملها جندى واحد وأفتك لأن الصاروخ إذا ما أصاب الدبابة أصاب منها مقتلا.. بل إن الصاروخ المضاد للدبابات قادر على تدمير ماسورة مدفع الدبابة. المقاتل.. يحكى لى كيف دمر دبابة بالصواريخ. كانت لدينا الشجاعة للاقتراب من دبابات العدو على بعد كيلومتر واحد رغم الرشاشات التي كانت تصب نيرانها علينا. وصوبت الصاروخ وأطلقته.. واحدا فى الجنزير.. زميلى على بعد 50 مترا من صاروخ آخر.. أطار برج الدبابة، صاح من الفرح.. الله أكبر. أفراد طاقم الدباباتين الإسرائيليتين خرجوا رافعين الأيدى.. ثم ينزلون.. ويخرجون فى اتجاه الخطوط الإسرائيلية.. لكننا اصطدناهم من الخلف ببنادقنا. ومع كتيبة أخرى من أبطالنا.. آخر وثبة أربعة كيلومترات شرقى القناة متجاوزين خطوطنا القديمة. كنا نركب عربة مدرعة.. والمدرعة تبعد عن الدبابة، ليس لها برج ولا مدفع كبير.. مدافع رشاشة فقط. ظهر هدف عبارة رعن 4 عربات مجنزرة، وصدرت الأوامر من قائد الفصيلة بالتعامل مع المجنزرات على مسافة 50 متر بالصواريخ. ركز الجندى صاروخه.. ثم دوى يصم الآذان.. كاد يقذف بى أنا شخصيا من العربة المدرعة إلى خارجها. رفعت رأسى.. رأيت نارا مشتعلة فى مجنزرتين والثالثة تحاول الفرار.. وجنود محترقون يقفزون من المجنزرات. أسرعت المدرعة بالجرى.. أمر قائد الفصيلة.. ثم دوى مروع.. ثم المدرعة الثالثة تشتعل هى الأخرى. وفى لحظة كانت كتيبة المدرعات قد قتلت ستة من جنود العدو.. كانوا فى حالة لا توصف. ثم سمعنا أصوات دبابات معادية قادمة عن قرب.. ورفعت رأسى أطل.. وجدت خلفنا عددا كبيرا من دباباتنا، وبعد لحظات انطلقت حمم الجحيم من فوق رءوسنا.. وتوالت الانفجارات. ثم جاءت الطائرات.. سكاى هوك وفانتوم. لاحظت أن العدو يستخدم حاليا عددا أكبر من الطائرات مما كان عليه الأمر من قبل. إن الخسائر الفادحة التي أصيب بها العدو جعلته عاجزا عن الخروج بطلعات 50 طائرة كما كان يفعل. وشاهدت منظرا لا ينسى أبدا.. كانت هناك أربع طائرات تحاول مهاجمة قواتنا المدرعة.. والطائرات قادمة على ارتفاع منخفض لتتفادى صواريخنا.. ولكن القذائف انطلقت من كل مكان.. لا أدرى من أى نوع المهم سقطت طائرة سكاى هوك.. عن بعد.  ولكن المنظر الذي لا ينسى أن واحدة من الطائرات الفانتوم بلغ من انخفاض مستوى طيرانها أنها فى محاولتها للهرب اصطدمت بالحاجز الترابى لخط بارليف وارتفاعه عشرون مترا. وكان دوى.. وتراب.. وانفجار ككرة من نار أو قطعة من الشمس سقطت أرضا. قال لى قائد الفصيلة وهو يبتسم: الطيارون الإسرائيليون مذعورون.. أهو طيار الفانتوم ده مات من الخوف! جلست إلى جانب بطارية من مدفعيتنا المضادة للطائرات، كان ضابط صغير شاب يأكل ساندويتشا وهو يحدثنى عن معاركه ضد طائرات العدو. فجأة حدث شىء غير متوقع.. جسم لامع حف حفيفا فى الهواء.. وانقض على يد الضابط الممسكة بالساندويتش.. اندفع الدم يلوث الطعام ومؤخرة المدفع. كدت أصرخ من الخوف.. أشار الضابط لى على فمه يدعونى للصمت.. قائلا بصوت خافت: يجب المحافظة على الروح المعنوية للجنود. لاحظ أحد الجنود الدماء تسيل.. من يد الضابط وساعته مدلاة من رسغه.. أجرى له الإسعافات الأولية بسرعة. كان يبتسم فى وجهى وهو يقول: سأعود إليهم بعد أيام هؤلاء الكلاب. سمعنا من جديد صوت جنازير الدبابات، قال الضابط هذه سنتريون.. وهم فى الجبهة يميزون بين أصوات كل الدبابات.. الباتون والسنتوريون والآم إكس.. والدبابات الروسية بأنواعها. قال الضابط هذه الدبابات على بعد 2 كيلومتر. استعدت بطارية المدفعية. وانطلقت النيران.. وعندما تقدمنا.. بعد نصف ساعة من القصف المستمر.. وجدنا دبابتين سنتوريون محطمتين.. واستطاع جنودنا قيادة الدبابة المصابة إلى خطوطنا. فى الجبهة لا أحد يبالي كثيرا بحكاية المتسللين الذين اعتصموا بالضفة الغربية فى منطقة محدودة. إنهم يرونها عملية انتحارية.. ومحكوم عليها بالدمار.. هى تهدف إلى أهداف إعلامية وسياسية. ومن المعروف أن قائد التشكيل الإسرائيلى الذي عبر البحيرات المرة قد ضلل من قيادته إذ أوهم أنه سيكون رأس جسر تتبعه ألوية من الدبابات لاحتلال مناطق واسعة فى الضفة الغربية. والذی حدث أن التشكبل الإسرائيلى أصبح محاصر.. وتتعامل معه قواتنا بطريقة.. تهدف إلى «سقوطه حيا» كما يقولون، إنها لعبة سياسية مرتبطة بمحاولات المجتمع الدولى لإيجاد تسوية سلمية.. وهى عملية استهلاك محلية للإسرائيليين الذين أزعجهم هزائمهم وخسائرهم المستمرة. ويتوقع المراقبون العسكريون أن يكون الأسبوع القادم أسبوع معارك ذات تكتيكات جديدة.. وأسلحة جديدة. ولكن انتصار قواتنا فى معركة الدبابات الأخيرة هو شىء مؤكد.. وستكون له نتائج بعيدة المدى على معركة التحرير كلها.. وإننا المنتصرون.عدد صباح الخير 930 أكتوبر 1973



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز