جمال طايع
“قبلة الفراق“
دعاء فهمي روائية جديدة مبشرة وواعدة.. موهوبة لكن بقليل من الخبرة سيصبح لها شأن كبير في الأدب المصري.
شقت طريقها ناحية القصة والأدب من باب القراءة والاطلاع على جميع المدارس الروائية المعاصرة منها والقديمة، كما أنها توجهت لقراءة الأدب العالمي المترجم وتأثرت بأعمال الكاتب العالمي ديستويفسكي.
تمتلك “دعاء“ الأدوات الفنية للقاصة، فهي صاحبة خيال واسع متعمق في أغوار النفس البشرية ولا أعلم لماذا اختارت هذا الاتجاه القصصي أو الروائي، الذي يتعلق بالخصائص النفسية للإنسان.
دعاء من الكتاب الذين ينطبق عليهم قول الأديب مصطفى صادق الرافعي “الفرق بين كاتب متعفف وبين كاتب متعهر“ أن الأول مثقل بواجب والآخر مثقل به ذلك الواجب.. فعلى الرغم من أنها لا تزال هاوية في عالم الرواية إلا أنها لم تتلون ولم تسيطر عليها المادة أو أيديولوجية معينة، وقد استطاعت أن تجند الكلمات وتجهز أوراقها لكي تخرج برواياتها منتصرة على العبر والمعاني وعلى هندسة اللوحات والخرائط.. فصاغت بذلك جملا قصيرة غاية في العذوبة والروعة والجمال.
قرأت لها روايتين، الأولى أجنحة الخوف والثانية القاهرة - لندن قبلة الفراق.
من خلال القراءة رصدت الكاتبة في أعمالها الحياة الخاصة لبنات جيلها، وكشفت لنا عن بعض من خلجات الفكر النسائي، ودافعت عن المرأة وانحازت لها أحيانًا، كما أنها صورت حياة الأسرة المصرية في علاقاتها الداخلية وامتداد هذه العلاقات في المجتمع العربي والأجنبي.
ورغم أنها تبدو متحررة في كتاباتها لكن ثقافتها الدينية ظلت تشدها للحفاظ على التقاليد المصرية دون أن تتأثر بالمقومات الأساسية في كتابة الرواية، وهو ما جعل الرواية لا تتقيد بقالب واحد، الأمر الذي أعطاها سهولة في الكتابة دون أن يكون هناك احتياج للدقة والتفاصيل الصغيرة.
ففي "أجنحة الخوف" نجد أن الكاتبة اتخذت طابعًا رمزيا، فهي تدور حول حادثة قتل رئيسية لامرأة مقهورة طول الوقت، استطاعت أن تقتل زوجها من خلال مشاجرة فتتمزق أسرتها وتدخل في نوبات نفسية واضطرابات عصبية، لتأمر النيابة بإحالتها إلى مستشفى الأمراض النفسية والعصبية، ثم تتعافى وتخطط للهروب خارج البلاد، ثم تتفرع من القصة أحداث كثيرة أخرى ومتعددة.
وعلى الرغم من التركيز في الأحداث على بطل أو اثنين لكن هناك شخصيات نسائية ثانوية كثيرة تظهر من خلال العديد من المحاور تقوم بتجسيد الأحداث، حيث نجد أن المحور الأول تسرد من خلاله العنف الزوجي، بينما يتضمن المحور الثاني تفاصيل وقضايا الزواج الثاني للرجل والمرأة والمشاكل التي تنتج عنها من خلال عرض نماذج متعددة للزواج الثاني، أما المحور الثالث فيتضمن مشاكل المراهقة من منظور تأثير الحياه الزوجية المضطربة وحوادث قتل الأم لزوجها، بينما يتضح من المحور الرابع الذي خصصته الكاتبة للطبقة الكادحة والأزمات الاقتصادية للعمال من خلال قضاياهم وأحلامهم المتواضعة.
لقد اتسمت لغة الكاتبة بالرومانسية الحالمة التي أوقعتها أحيانا في شرك الحبكة الدرامية والبعد عن الواقع، من خلال تعاطفها مع "فريدة الحسيني" بطلة القصة، متناسية أنه كان على "فريدة" دور كبير في احتواء أسرتها بدلا من قتل أدهم زوجها والذي صورته لنا من بداية القصة على أنه الرجل العنيف الفظ المتهور الأناني الذي يتفنن في اختلاق المشاكل وجلبها لأسرته وكيف أنه استطاع أن يهدر كرامة زوجته ولم يعدل أو يحنو على أبنائه.
وإذا كانت رواية القاهرة- لندن قد اتسمت بالواقعية الحية في مناقشة قضايا مهمة تشغل معظم الشباب من الجنسين من خلال عرضها للمشاكل والصراعات النفسية التي تتعرض لها البنات المغتربات وتأثير الثقافة الأوروبية على أخلاق وطباع أبناء الجاليات العربية وزواج المصريات من أجانب.. كما أنها تناقش- دون أن تغوص في التفاصيل- دور الآباء والتربية والاحتواء، كما أنها تعيد لنا ذاكرة السينما مع القصة الخالدة "الوسادة الخالية" "لإحسان عبد القدوس" وأسطورة الحب الأول.
القاهرة- لندن تدور أحداثها حول فتاة عشرينية تدعى "ندى" تعيش مع والدها بعد أن هجرتها والدتها وانفصلت عن أبيها.. تسافر "ندى" إلى لندن لاستكمال دراستها الجامعية وهناك تتعرف على "هنا" و" مريم" ثم يجتاح العالم وباء كورونا فتتوقف الحياة وتنقلب الأحداث وتحدث العديد من المفاجآت التي لةم تسلم منها بطلة الرواية "ندى" حيث تقع "ندى" في غرام شاب سوري وتقيم "هنا" علاقه مع شاب إنجليزي وتنشأ صداقه بين "مريم" وزميلها "عيسى" البريطاني الجنسية وأصول هندية.. ثم تموت "هنا" بكورونا وتتزوج مريم بعيسى بعد محاولات شد وجذب وتفشل "ندى" في حبها من السوري وتعود إلى مصر وهناك تتعرف على "شادي" شقيق "هنا" وتتجاوب معه.
وتختتم الكاتبة الرواية بمشهد سعيد "لندي" في حفل زفافها على شادي ولتجمع من حولها والدتها التي هجرتها ووالدها وأشقاءها من والدتها.
قد تختلف أو تتفق مع هذه النهاية السعيدة، إلا أنني اجد نفسي أمام قاصة سيكون لها شأن بقليل من الخبرة والمثابرة والمصابرة.
وأخيرا أقول للكاتبة: إياك والاستعجال ولا تتسرعي في الوصول إلى الشهرة ولا تقفزي فوق السنين لكي تحققي أهدافك.
فما لا تعلمينه أن أديب نوبل نجيب محفوظ لم يلق اهتماما من أحد في بدايات حياته الروائية، رغم أنه بدأ الكتابة في وقت مبكر منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى قرب الخمسينيات فظل متجاهلا من النقاد لما يقارب خمسة عشر عاما قبل ان يبدأ النقاد الاهتمام بأعماله في الظهور والشهرة.
والكاتبة حاصلة على بكالوريوس اقتصاد منزلي في تصميم الأزياء من جامعة حلوان، كما أنها حاصلة على دبلومة الإرشاد النفسي والأسري من جامعة عين شمس وعلى العديد من الدورات في كتابة الرواية، وصدرت لها روايتان أجنحة الخوف والقاهرة- لندن عن دار ببلومانيا.