
عاجل| لماذا الإسراء والمعراج معجزة إلهية والهجرة النبوية فعل بشري؟

عادل عبدالمحسن
منذ 1445 سنة، هاجر رسول الله ﷺ، سيدنا محمد، من مكة إلى المدينة المنورة، التي كان اسمها آنذاك "يثرب"، حاملًا نور الهداية، وإخراج البشرية من براثن الشرك والعدوان إلى نور الإسلام والرحمة المهداة، ويوافق دخول السنة الهجرية لهذا العام 1445هـ، يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر يوليو 2023م.
وإذا سرح القارئ بخياله إلى رجل يحمل رسالة الإسلام إلى البشرية، ويكيد له القوم المشركون وتأتيه الأوامر الإلهية بالهجرة، ويعد العدة ويأخذ بالأسباب، فإذا كانت الإسراء والمعراج "معجزة إلهية"، مكافأة وتسرية عن الأحزان والفواجع، التي تعرض لها رسول الله ﷺ في العام الذي رحلت فيه زوجته السيدة خديجة بنت خويلد، وعمه أبوطالب.
كانت الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة عملًا بشريًا من فعل الرسول ﷺ، ولم تكن "معجزة إلهية"، حتى لا يرتكن أتباع الأمة الإسلامية على التواكل وضرورة العمل والأخذ بالأسباب في كل عمل، وهذا ما ظهر أيضًا، في غزوة بدر الكبرى، عندما أخذ النبي محمد ﷺ برأي الصحابي "الحباب بن المنذر"، فهو الذي سأل النبي محمد يوم بدر حين اختار موضعًا لمعسكره عن سبب الاختيار، فقال: "يا رسول الله، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه، ولا نقصر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟"، فقال النبي محمد: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة"، فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بتغيير موضع معسكره ليحولوا بين جيش قريش وماء بدر، وكان معه لواء الخزرج يوم بدر.
منذ 1445 سنة جاءت الأوامر الإلهية إلى رسول الله ﷺ بأن يهاجر من مكة إلى يثرب، وأخذ بكل الأسباب لإنجاح المهمة التي تتعلق بها مصائر الكثيرين من البشرية للخروج من براثن الشرك إلى نور الهداية إلى يوم يبعثون.
الفدائي الأول في الإسلام
أولى المهام كانت الاتفاق مع ساعده الأيمن ومحل ثقته سيدنا علي بن أبي طالب، الذي كلفه بأن ينام على فراشه حتى يعتقد المشركون أنه لم يهاجر حتى لا يترصدوه في هجرته المباركة، كما كلّفه الرسول بأن يرد الأمانات إلى أهلها، فكان سيدنا علي الفدائي الأول في الإسلام للقيام بهذا العمل البطولي، الذي يعتمد على "الثقة واليقين بالله"، بأن الله يعوّض في النهاية وينصر من يصبر ويحتسب ويجتهد ويتخذ بالأسباب ويُخلص في العمل، ولا يترك نفسه للتشاؤم والضعف.
لم يقتصر فعل الرسول على خاصته في الرحلة، بل استعان بأهل الخبرة عبد الله بن أرَيْقط الليثي، الذي لم يكن مسلمًا، ليكون دليل النبي محمد وأبي بكر الصديق، ومرافقهما في طريق هجرتهما من مكة إلى يثرب، التي سُميت بعد ذلك بالمدينة المنورة، حيث أوصلهما إلى المدينة المنورة عن طريق الساحل، ولما رجع عبد الله بن أريقط إلى مكة أخبر عبد الله بن أبي بكر الصديق بوصول أبيه إلى المدينة المنورة، فخرج عبد الله بأهل بيت أبي بكر، وصحبهم طلحة بن عبيد الله حتى قدموا المدينة المنورة.
وكما أسلفنا لم يكن عبد الله بن أريقط، مسلمًا، بل كان على دين قريش، فعن عائشة بنت أبي بكر قالت: "وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا مِنْ بَنِي الدَّيْلِ ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خَرِيتًا، وَالْخَرِيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ، قَدْ غَمَسَ يَمِينَ حِلْفٍ فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمَّنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيَالٍ، فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ لَيَالٍ ثَلاثٍ، فَارْتَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ الدَّيْلِيُّ فَأَخَذَتْهُمْ طَرِيقُ السَّاحِلِ".