محمد بغدادى
هنا الأساتذة.. هل لديكم شك؟
وسط إقبال جماهيري مبهر عشنا سهرة غنائية ممتعة تعيد للوجدان اتزانه، سهرة تؤكد أن قطاع عريض من الجمهور يريد أن يسترد ذاكرته السمعية الراقية، ويعيد موسيقاه وتراثه الغنائي إلى المشهد الثقافي.
على مدى ساعتين ونصف الساعة امتد حفل افتتاح مشروع "الأساتذة" للفنان مدحت صالح الهادف لإحياء التراث الموسيقي المصري والعربي بصورة عصرية بالأوبرا.
المدهش في الأمر هذا الإقبال الجماهيري الرائع، جمهور تعزف أمامه الموسيقى فيردد كلمات الأغنية متابعا متمايلا طربا، مع نغمات البيانست المتألق الفنان عمرو سليم، الذي استقبل بعاصفة من التصفيق، يغني مدحت صالح ويتألق بعشرين أغنية رغم تنوعها واختلاف ألحانها، وكأنه عشرين مطربا في ليلة واحدة.
وعبر هذا التنوع والثراء يتابع هذا الجمهور الجميل الغناء بالتصفيق على إيقاع الجمل اللحنية، جمهور يريد أن يغني بصدق، يريد أن يفرح ويحتفي بتاريخه الموسيقي الأصيل، فالذوق الرفيع مازال في جينات هذا الشعب العريق لم يغادره، والذائقة الفنية بخير، كل ما هنالك أن هناك محاولات لإزاحة تراثنا الغنائي جانبا، أو استبداله بأغاني "المهرجانات"، أو استلابه وإعادة إنتاجه في غير موطنه الأصلي، وتربته الأصيلة.
في محاولات لإقصائنا خارج المشهد الغنائي والثقافي، والرهان على الجمهور المصري المتعطش للفن الجيد رهان رابح بكل المقاييس، فالحضور كامل العدد في دار الأوبرا حيث المسرح الكبير يتسع لــ"1200" كرسى امتلأت عن آخرها من مختلف الأعمار،أغلبهم في عمر الشباب والزهور، فلم يكن هذا الإقبال المدهش مجرد حنين إلى الماضي "نوستالجيا" لاستعادة مشاعر وذكريات الماضى الدافئة، بقدر ما هو تعطش لفنوننا الأصيلة.
ورغم أن الحفل نقلته على الهواء مباشرة قناة الحياة، بتغطية متميزة، إلا أن الحضور بهذه الكثافة ينفي مقولة أن إذاعة مثل هذه الحفلات على الهواء مباشرة يفقدك عددا كبيرا من جمهور المشاهدين، فالعكس هو الصحيح. فنقل هذه الحفلات جزء أصيل من الترويج والدعاية لما تقدمه دار الأوبرا المصرية يوميا على مدار العام من فنون رفيعة المستوى من شانها الارتقاء بالذائقة الفنية للمصريين.
وهذا ما أكدته وزيرة الثقافة الدكتورة نيفين الكيلاني في حديثي معها قبل بداية الحفل: "إن هذا المشروع يُمثل بداية انطلاقة قوية لإعادة صياغة تراثنا الموسيقي بأساليب عصرية متجددة، وتقديمها للأجيال الجديدة بصورة تناسب إيقاع العصر، مع الاحتفاظ بالهوية الفنية الأصيلة".
وعادت الدكتورة نيفين الكيلاني بعد أن شاهدت الحضور البهي لجمهور أولى حفلات المشروع لتعرب: "عن سعادتها بالمردود الإيجابي الكبير الذي حققته أولى حفلات مشروع "الأساتذة"، وهو ما يعد مؤشرًا جيدا للنجاح، فنيًا، وجماهيريًا، وتنظيميًا، حيث يُمثل المشروع أحد الروافد الحيوية لقوى مصر الناعمة، ويُجسد ما يمتلكه المصريون من ذائقة فنية متفردة، وأن مصر ستظل أرضًا خصبة زاخرة بكل مقومات الفنون والإبداع والثقافة".
مشروع الأساتذة الذي يلعب فيه الفنان مدحت صالح دور البطولة يشرحه ببساطة رئيس دار الأوبرا المصرية الدكتور والفنان خالد داغر: "الأساتذة مشروع فني أطلقته الأوبرا المصرية ممثلة لوزارة الثقافة بالتعاون مع الشركة المتحدة للإعلام، هو مشروع يواكب التطور في مجالات الحياة، فهو إعادة صياغة وتوزيع أعمال كبار المؤلفين الموسيقيين، ويُعد تجديدًا لأحد ألوان الإرث الإبداعي، مع الحفاظ على طابعه الفريد من قوالب وجمل لحنية مميزة، كما يعمل على إثراء مكتبة الموسيقى العربية، وأكد كذلك أن إضافة لمسات عصرية على المؤلفات التراثية، يُساهم في نشرها بين مختلف شرائح الجمهور، ويتناسب والتوجهات الفنية للشباب والأجيال الجديدة".
وهذا هو المكسب الحقيقي لإشباع رغبة الأجيال الجديدة في تلقي الفنون الأصيلة برؤية موسيقية عصرية متجددة دون المساس بالألحان الموسيقية الأصلية.
أما الفنان مدحت صالح الذي أعاد اكتشاف نفسه عبر هذا المشروع الغنائي الضخم، حيث غنى خلال الحفل بمصاحبة الأوركسترا الموسيقية، بقيادة المايسترو هشام مصطفى، وبمصاحبة عازف البيانو الشهير عمرو سليم، بمختارات من أعمال زمن الفن الجميل التي وضعها كبار الملحنين المصريين والعرب، منهم: محمد عبد الوهاب، محمد فوزي، رياض السنباطي. فريد الأطرش، سراج عمر، محمد عبد الوهاب، الرحبانية، وغيرهم، وذلك بعد إعادة توزيعها بتحويلها من صورة التخت التقليدي، وتقديمها بشكل أوركسترالي عصري، مع الاحتفاظ بالبناء الأساسي للألحان والمقامات، منها "عزف موسيقي لأغنية إيه هو ده، واشمعنى ده ارتحت له وفتحت له قوام كده" وهي من أغاني نجاة الصغيرة الرائعة، وكلمات مرسي جميل عزيز وألحان محمد الموجي، وأغنية “حبيبها”، قدمهما الموسيقار عمرو سليم، "وأبو عيون جريئة"، لعبد الحليم حافظ، "يا جميل يا اللي هنا"، محمد فوزي، “يا واحشني رد عليا”، لمحرم فؤاد، “أول مرة تحب با قلبي”، للعندليب، “مقادير” طلال مداح، “تملي في قلبى يا حبيبى” محمد فوزي، “شط إسكندرية” فيروز، “مش كفاية” فريد الأطرش، “فوق الشوك” عبدالحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب، “حمال الأسية” فايزة أحمد، “ياهلي ياهلي” لطلال المداح، “تلات سلامات” محمد قنديل، “صافيني مرة” للعندليب، “شفت بعيني” محرم فؤاد، “أسمر يا اسمراني” للعندليب، “مصر التي في خاطري” أم كلثوم، وقد ساهم في إعادة توزيعها مجموعة من الموزعين المعاصرين، منهم: "أسامة كمال، أحمد مصطفى، أحمد الموجي".
وكانت هناك لفتة مصرية ضمن مشروع الأساتذة تؤكد حرص مصر على الاحتفاء بالقيمة مصرية أو عربية حيث قدمت عددا من الأغنيات قام بتلحينها ملحنون عرب.. أو تغنى بها مطربون عرب.. نحن بالفعل أساتذة.. هذا هو قدر مصر ومكانتها في الموسيقى والغناء فهل لديكم شك في ذلك.