عاجل
الأحد 14 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
الكتاب الذهبي ثورة 30 يونيو
البنك الاهلي
ثورة 30 يونيو واسترداد مفهوم «النَحْنُ» “2-2”

ثورة 30 يونيو واسترداد مفهوم «النَحْنُ» “2-2”

في أعقاب أحداث يناير 2011 أوشكت المؤامرة على الأمّة المصرية أن تكتمل بسيطرة جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإرهابية على حُكم المحروسة لولا قيام الشعب المصري بالتوحد مع جيشه الذي أبَى أن يترك الوطن نهبًا لأعدائه لتكتمل مؤامرة القضاء على وحدة "النَحْنُ"، وذلك بعد استنهاض روح وحدة الضمير الجمعي المصري الذي يُعَدّ  أول وأهم الاصطلاحات التي ساهم بها علم الاجتماع في تفسير حالة ذوبان الفرد الأناني بطبيعته في الكيان الجمعي للمجتمع الذي يعيش في ظلّه، وهنا يتَّجه الفرد للإيمان بتقديم الهدف الجمعي على أهدافه الفردية شعورًا منه - بالفطرة الاجتماعية - أن المجتمع مقدَّمٌ على الفرد الذي لن يتحقق له الأمان التام والثقة في المستقبل إلا من خلال اكتمال تحقيق أهداف المجتمع.. وهنا علينا أن نتذكر أن البقاء والاستمرار و"الديمومة" هي أهم الأهداف التي يسعى إليها أي مجتمع إنساني ويسعى جاهدًا لضمان هذا الاستمرار بإعادة إنتاج نفسه من خلال الزواج والإنجاب وتكوين الأسَر. ويحرِص كل مجتمع على الدفاع عن نفسه ويصون بقاءَه واستمراره بالتمسُّك بضميره الجمعي بالقوة الواجبة لكي يضمن تماسُك المجتمع ووحدته في مواجهة عوامل التفكك والانحلال.



 

ويختصر تعبير الضمير الجمعي مجموع القيَم والعادات والتقاليد التي يعتنقها مجتمع بالإضافة إلى الدين والأفكار وأسلوب إدارة الحياة، وأهم ما يربط عناصر الضمير الجمعي المتعددة هو شعور أبناء المجتمع بالانتماء القوي لهذا المجتمع الذي يسمى في هذه الحالة بــ" الوطن" ويُسَمّون هم بــ "الشعب".

 

وتتفق المجتمعات الإنسانية الراقية على وجود الضمير الجمعي لدى كلٍ منها لكنها بالطبع تختلف في تحديد العناصر الأساسية للضمير الجمعي الذي تنتجه، ويرجع ذلك لطبيعة تكوين كل مجتمع تاريخيًا ودينيًا وإقليميًا وثقافيًا، وما إذا كان مجتمعًا أصيلاً له تاريخ أَمْ مصطنعًا بفعل سياسات وأغراض دولية ... إلخ.

 

 

ولا شكّ أن الوطنية تجعل أعضاءَ المجتمع أو بمعنى آخر "الشعب" حريصين على الالتفاف حول الوطن، وبالتالي التمسك بالضمير الجمعي واتباع توجهاته سواءً بالفطرة الاجتماعية أو بالوعي المكتسب.

 

 

وهنا ينبغي أن نفسِّر أمرًا مُهمًا، وهو أن الضمير الجمعي ليس حاصل جمع  ضمائر الأفراد وإنما هو أعلى من ذلك، وأكثر تعقيدًا كونه نتاجًا اجتماعيًا للمجتمع كلّه وليس لفئة معينة أو لشخصٍ بعينه، وإن كان هذا لا يمنع أن يصبح تأثير بعض الفئات الاجتماعية أقوى من غيرها في تكوين عناصر الضمير الجمعي، كالمثقفين والسياسيين وفقهاء القانون، ورجال الدين، ورجال المال.

 

 

ويتمتع الضمير الجمعي بدرجة عالية من الثبات النسبي نظرًا لحِرْص المجتمع على صيانته والتمسك بدوامه وبالذات الجانب الوطني والأخلاقي من الضمير الجمعي، فضلاً عن شعور الانتماء والوطنية الذي تحرص الأجيال السابقة على توريثها للأجيال التالية.

 

 

وبقدر وعي أعضاء المجتمع بمناطق القوة في الضمير الجمعي بقدر ما يتمتع هذا المجتمع بالحصانة التاريخية والبقاء، بدليل أننا نشاهد مجتمعات ودولاً "تزول" من صفحة التاريخ لارتباك وعي أفرادها بأسباب الاستمرار في الحفاظ على الضمير الجمعي، أو لأنها عجزت عن تطوير وعيها الجمعي بما يحفظ عليها نضج وثبات ضميرها الجمعي .

 

 

وهنا سيكون علينا الانتباه إلى أن قوة جهاز المناعة للضمير الجمعي تكمن في جيش المحروسة مصر، وذلك كونه منذ تكوَّن في العصور القديمة والحديثة قد وُلِد من "رحم" المجتمع الذي ينتمي إليه وكان هو الفئة الوحيدة القادرة ليس فقط على الفعل السياسي المنضبط، كونه القادر على لمّ شَعث البناء الاجتماعي المصري لحظة تعرُّضه للمِحَن،  ويُرجِع المؤرخون السّرّ في استمرار المجتمع المصري وبقائه إلى قدرة الجيش المصري على التدخُّل في اللحظة الحاسمة "التي تفصل بين الحقّ والباطل، أو بين بقاء واستمرار الأمّة المصرية وبين المؤامرات التي استهدفت تفككها لا سمح الله".

 

 

موقع الجيش في قلب الضمير الجمعي

وإذا رسمنا خريطة الضمير الجمعي على شكل دائرة كبيرة تحتوي دوائر أصغر حتى نصل إلى مركز الدائرة (قلب الضمير الجمعي).

 

 

فإذا افترضنا توزُّع الفئات الاجتماعية على "مواقعها" على أرضية الضمير الجمعي للأمة؛ فسنلاحظ أننا نتوزَّع على خريطة الضمير وفقًا لدرجة انتماءاتنا وإخلاصنا والأدوار الوطنية التي نلعبها لصالح الوطن والمجتمع والتي نتجاوز فيها أنانيتنا الفردية - التي تدفعنا للانتصار لمصالحنا الذاتية - فالتاجر الذي يحرص على تحقيق أكبر رِبْح ممكن من فقراء مجتمعه يكون قد اختار بشكل أناني أن يكون موقعه الاجتماعي "خارج" حدود الضمير الجمعي الذي يلفظ الأناني والجشع والمجرم والخائن كونها صفات كريهة للضمير الجمعي، أمّا مَن يحرصون على الدفاع عن الوطن فهم الذين يقعون في قلب الضمير الجمعي. وهُم كثيرون، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الجندي الذي أطلق عليه اسم "عبدالعاطي صائد الدبابات الإسرائيلية" والفريق عبدالمنعم رياض شهيد حرب الاستنزاف، فمكانهما هو قلب الضمير الجمعي، وينضم إلى جيش الشهداء الشهيد المجند أبانوب ومحمد أيمن شويقة وعبدالرحمن... إلخ ممن اختاروا الشهادة على الحياة الدنيا.

 

 

وعلينا دائمًا أن نحاول دعم جهاز المناعة الاجتماعي باستنهاض الروح الوطنية لدى المواطن المصري؛ ليكتشف حجم وأهمية ومكانة جيشه، فيمتلئ بالشعور بالثقة في أن أمانه الفردي لا يتحقق إلا باكتمال الأمان الجمعي للمجتمع، وشفاء الوطن من أي محاولات للانقسام بين أبناء الأمّة، ومن محاولات هدم وتشويه الضمير الجمعي.

 

- أسـتـاذ عـلم الاجـتـمـاع السياسي بـآداب الــزقـازيـق

 

جزء من الفصل الخامس

من الكتاب الذهبي عدد يونية

"كيف قضت مصر على الإرهاب .. 30 يونية عقد من الثورة "  

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز