عاجل
الإثنين 12 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الكتاب الذهبي ثورة 30 يونيو
البنك الاهلي
"الإخوان" من غرس بذور الإرهاب إلى اقتلاع جذور التنظيم

"الإخوان" من غرس بذور الإرهاب إلى اقتلاع جذور التنظيم

رحم الله من قال: من نظر إلى الناس بعين الدعوة رحمهم، ومن نظر إليهم بعين الدعوى رجمهم.. الداعية يحب كل الناس مهما اختلفوا عنه ومعه، يدرك أن الاختلاف طبيعة البشر، ولا يزالون مختلفين، أما صاحب العقيدة التكفيرية فهو الذي ينظر للناس بعين الدعوى، هو صاحب قضية لها خصوم ونزاع، الدعوى خصومة، والدعوة أمومة، وجماعة الإخوان باعتبارها الرأس لجماعات التطرف والإرهاب تكونت أفكارها منذ التأسيس على التكفير والتخوين، فجماعة زعمت أنها دعوية، نشأت في مجتمع مدني، ثم إذ بها تجعل من السيف شعاراً لها، ليس سيفا واحداً، ولكن سيفان!!



-  "1"الإخوان وإصلاح السياسة بالدين

وإذا أردت أن تعرف السبب الذي جعل تلك الجماعة هي السيف الذي وضعه أعداء الأمة في قلبها فلا تُرجع الأمر لسيد قطب ومشروعه التكفيري الواضح، ولكن عُد أولا وقبل أي شيء لحسن البنا وأفكاره وتاريخه وبداية تأسيسه للجماعة، فهو الذي اعتبر نفسه وجماعته الإسلام الذي أنزله الله إلينا، حتى أن عموم تنظيمه وتياره أصبحوا يطلقون عليه لقب "الإمام الرباني" إيحاء بأنه من الرجال المتصلين بالله؟! حسن البنا هو الذي ألقى في أمنية الإخوان وجماعات الإسلام السياسي وتنظيمات الإرهاب هذه الأفكار المنحرفة، ولك أن تراجع رسائله، فهذه هي بضاعتهم، قال في أحد رسائله وهو يُعرِّف الإخوان موقعهم من الرسول ﷺ: "نحن ولا فخر صحابة رسول الله ﷺ! هذه منزلتكم فلا تصغروا أنفسكم فتقيسوا أنفسكم بغيركم" ! حسن البنا هنا يزكي نفسه وجماعته فيقول إنهم صحابة رسول الله!! ولا أظنه انتبه للآية القرآنية (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) ولكن البنا يصر على الاستمرار في التزكية بجرأة كبيرة، فيقول في موضع آخر للإخوان "من اتبعنا فقد فاز بالسبق، ومن رغب عنا فسيقذف الله بحقنا على باطله فيدمغه"!! ثم يتطور الأمر معه فيقول "من أراد أن يعرف الإخوان فليمسك بمصحفه وليجرد نفسه من الهوى وليرى ما عليه القرآن ساعتها سيعرف من هم الإخوان"!! ثم يستمر في رسائله: "يا قومنا إننا نناديكم والقرآن في يميننا والسنة في شمالنا وندعوكم للإسلام"!! إذن جماعة الإخوان تدعو الأمة المصرية المسلمة للإسلام، يدعو المسلمين من دولتنا للإسلام، هكذا يقول لهم البنا، ولكن أيكونون مجرد دعاة فقط؟ لا إنهم أعلى من ذلك، ففي حين يصل الوجد بحسن البنا أشده يقول لإخوانه:"قد يقول الناس لكم ما زلتم غامضين فقولوا لهم نحن الإسلام أيها الناس"! وبذلك أصبحت الجماعة هي الإسلام نفسه، وأصبح أفرادها هم دين الإسلام، فكيف لنا أن نختلف معهم بعد ذلك، إنك لو فعلت تكون قد اختلفت مع الدين نفسه، وسارت كل جماعات الإرهاب المستتر بالدين على نفس النحو، كلهم يقولون "نحن الإسلام" وخرجت من رحم الإخوان كل جماعات التطرف والإرهاب، بداية من جماعة "شباب محمد" مرورا بجماعة التكفير التي أسسها شكري مصطفى، وجماعة التوقف والتبين، والجماعة الإسلامية، والجهاد، والقاعدة، وداعش، وغيرهم كثير مما يُعجز عن الحصر.

سار الجميع تحت مظلة الإخوان وفي حمايتهم، فتلك الجماعة هي التي وضعت الصياغة العصرية لمشروع الإسلام السياسي، وهو في الحقيقة مشروع لا علاقة له بالإسلام من قريب أو بعيد، وعبر سنوات طويلة دافعت فيه الجماعة عن هذا المشروع، وخدعت به الآلاف بل الملايين من المسلمين، واستطاعت بالفعل أن تصل إلى الحكم في مصر لمدة عام، إلا أن وصولها للحكم كان هو التوقيع النهائي منها على فشل مشروع الإسلام السياسي الذي قادته، إذ كانت الشعارات التي رفعها أصحاب هذا المشروع ودغدغوا بها مشاعر الشباب هي أنهم يسعون إلى تديين السياسة وتخليصها من أدرانها، وتحديد مسارات أخلاقية لها، ولكن العكس هو الذي حدث، فقد قاموا بتسييس الدين، وتحويله إلى دين قومي لفئة من الناس، هو أمر مشابه لفكرة اليهود عن الإلوهية، فالله عند اليهود هو إله قومي، لهم وحدهم دون غيرهم، سيدخلهم وحدهم الجنة، وقد خلق باقي البشر لخدمة اليهود، وهي فكرة عنصرية ضخمتها الصهيونية، والصهيونية كما نعلم هي بمثابة "اليهودية السياسية" أو الحزب السياسي للدين اليهودي، وقد أساء الصهاينة لليهودية كما أساء مشروع الإسلام السياسي للإسلام، فعند مشروع الإسلام السياسي منذ عصور طويلة كانت هناك فكرة عنصرية هي فكرة الفرقة الناجية، والفرقة الناجية هي فكرة سياسية بامتياز تم تغطيتها بثوب إسلامي، حتى أنهم صنعوا حديثا نسبوه للنبي بشأنها، واستخدمت كل الفرق الإسلامية فكرة الفرقة الناجية لتثبت أنها هي التي ستنجو من النار دون غيرها، ليس دون غيرها من الأديان الأخرى، ولكن  من بين المسلمين الذين سيكونون وقودا للنار! وكأن الله خلق الخلق كلهم للنار، وخصص الجنة لفرقة بعينها في زمن بعينه.

 

وقد توغل هؤلاء في دمج بعض الأفكار السياسية بالدين، ودمج بعض التجارب الإنسانية للمسلمين الأوائل في الدين نفسه، مع أن تجاربهم في الحكم والسياسة كانت محض تجارب بشرية، وقد كتبتُ من قبل في أحد كتبي أن كل فرق الإسلام السياسي زعموا أنهم سيُصلحون السياسة بالدين، فأفسدوا دينهم بالسياسة، ثم أفسدوا السياسة بمفاهيم التقية، والضرورات تبيح المحظورات، والكذب، والتخوين، والتشويه، والتكفير، وقد كان من أسباب هذا الفشل عدة أشياء أولها:ـ أنهم اكتفوا بالشعارات الدينية التي تؤثر في المشاعر، دون أن يقدموا مشروعا سياسيا متكاملا قابلا للتطبيق ويتفق مع متطلبات العصر.

 

 وثانيها:ـ أنهم استخدموا بعض القواعد الفقهية الدينية في مجال السياسة وتوسعوا في استخدامها بشكل أساء للدين، وأفسد السياسة.  وثالثها:ـ أنهم نظروا باستعلاء للآخرين وزعموا أنهم يمتلكون الحقيقة المقدسة، والسياسة ليس فيها حقيقة مقدسة.

 ورابعها:ـ أنهم انغلقوا على أنفسهم ورفضوا الانفتاح على القوى السياسية المختلفة، بل وقفوا منها موقف المعاداة وغالوا في ذلك إلى حد الاعتداء على الدستور .

وخامسها:ـ أنهم آمنوا بالديمقراطية شكلياً ووقتياً إلى أن وصلوا للحكم، ثم انقلبوا على مفاهيم الديمقراطية.

 وسادسها:ـ أنهم نظروا للسلطة على أنها وسيلتهم لإقامة دولة إخوانية ممتدة تضم كثيرا من دول المنطقة فعملوا على أخونة مؤسسات الدولة، ولم يكن هدفهم أبدا رفع شأن مصر في كل المجالات ولكن فقط رفع شأن الإخوان وإحكام سيطرتهم على الحكم.

 وسابعها:ـ أنهم أعادوا إنتاج الفقه السياسي القديم في عصور الإسلام الأولى وأرادوا أن يحكموا به الواقع الحالي رغم اختلاف الزمان والمكان وحدوث تطورات غيرت الدنيا كلها.

ولا أتفق مع القول بإنهم تأرجحوا بين تحقيق متطلبات العقيدة وتحقيق متطلبات الإدارة السياسية، لأنهم في الحقيقة لم يفكروا في تحقيق متطلبات العقيدة، ولكنهم فكروا فقط في استغلال الدين وقواعده الفقهية لتحقيق مصالحهم السياسية، وأضرب مثلا في ذلك بقاعدة ذكرتها الآن وهي قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" وهي قاعدة فقهية يتم تطبيقها في أضيق نطاق، وللحفاظ على الحياة فقط، وهذا هو المفهوم الصحيح للدين وإلا لأصبح الدين قائما على مفهوم "مكيافيلي" الغاية فيه تبرر الوسيلة، وكان من ناتج ذلك أن أصبح كل ما نهى عنه الدين من كذب، وتزوير، وتزييف، وتشويه سمعة الناس، وسبهم، بل وقتلهم، وغير ذلك هو من المحظورات التي يجوز فعلها لأنه سيترتب عليها ـ كما يقولون ـ ضرورة هي أعلى الضرورات ألا وهي وصول الإسلام للحكم، وبقاء الإسلام في الحكم، مع أن الذي سيصل للحكم هو السيد فلان الإخواني، وليس الإسلام الذي هو دين وليس شخص أو جماعة، وقد كان "وهم" وصول الإسلام للحكم هو أكبر خديعة استخدمها الإخوان كي يصلوا إلى الحكم، وفي ذلك تفصيلات.

 

 

جزء من الفصل الخامس بالكتاب الذهبي عدد يونية الذي جاء تحت عنوان "كيف قضت مصر على الإرهاب.. 30 يونية عقد من الثورة ضد الأخوان" .. الكتاب متوافر بمكتبة روزاليوسف
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز