"4 علب سجائر" و"قلم حبر" تلقي بطالب الإعدادية داخل "السجن"
أحمد فتحي
4 علب سجائر كانت سببًا في قلب حياة طالب الإعدادية اليافع رأسًا على عقب، لتطيح بأحلامه المشرقة باستكمال دراسته والحصول على الشهادة الجامعية، وترمي به على قارعة طريق الانحراف مع "المجرمين والمحتالين".
بسبب 4 علب سجائر دارت عقارب الساعة عكس اتجاهها المعتاد، لتستحيل معها حياة أسرة طالب الإعدادية الصغير إلى جحيم، بعد إحالة فلذة كبدهم إلى إحدى دور رعاية الأحداث، ليقضيى فترة عقوبته ويقبع خلف أسوارها لستة أشهر، عقابًا على الجريمة التي سقط فيها "متلبسًا بالسرقة".
4 علب سجائر و”قلم حبر”
تفاصيل جريمة المراهق الصغير
لم تكن بدايات طالب الإعدادية الصغير تنبئ بتلك النهاية التعيسة، بعدما اجتاز مرحلة الدراسة الابتدائية متفوقًا على جميع أقرانه، ليكون من بين الأوائل الذين تزهو بهم أسرهم، ويشير إليهم الجميع بـ"البنان".
بعد هذه المرحلة توقع الجميع مستقبلًا باهرًا، يستكمل فيه طالب الإعدادية الصغير مسيرة التفوق والنجاح، ليسير على الدرب الذي تحلم به أسرته، ويكلل مجهودهم بحصاد ثمرة عناء وشقاء السنين، باجتياز الشهادة الثانوية، والالتحاق بإحدى كليات القمة.
لم يكن طالب الإعدادية الفتيِّ يدرك كم الأحلام والطموحات الكبيرة المعقودة عليه، لانتشال أسرته الصغيرة من المرتبة الاجتماعية الأدنى، والصعود بهم إلى مصاف نجوم المجتمع.
كان الفتى المراهق يستشعر الحرج من سؤال والديه عن المزيد من المصروفات، والإلحاح عليهم لتدبير متطلباته الدراسية المتوالية، وهو يراهم بالكاد يدبرون وجبة العشاء له ولإخوته الصغار.
وبسبب ضيق الحال وقصر ذات اليد، حاول الطالب الصغير التغلب على ضعف إمكاناته المادية، والتفكير قليلًا "خارج الصندوق"، وبعد ساعات هداه شيطانه المراهق إلى حيلة ماكرة.
كان يمر يوميًا على المتجر القريب من محل سكنه، ويراه دومًا مزدحمًا بالزبائن والمشترين، وهو الأمر الذي يعني أرباح طائلة تضاف لخزانة مالكه العجوز، لتختمر الفكرة المجنونة في رأسه، ويقرر سرقة بعض الأصناف المتداولة لتدبير مبلغ مالي بسيط، يساعد في تلبية مصروفاته الدراسية.
قام بدراسة الفكرة من كل جوانبها، ووضع الخطة المناسبة، انتظارًا لـ"ساعة الصفر" التي ينفذ فيها جريمته "الصغيرة"، اعتقادًا منه بأنها ستمر مرور الكرام، فمن سيلحظ اختفاء بعض الأصناف وسط هذا المتجر المكتظ بالبضائع.
وفي اليوم الموعود، تسلل الفتى المراهق إلى المتجر، واندس بين زبائنه في وقت الذروة، ليلتقط بيديه المرتعشتين 4 علب من السجائر المستوردة الفاخرة، ويضعها داخل حقيبة صغيرة أعدها خصيصًا لهذا الغرض.
وبعدما اطمأن إلى انشغال الجميع من حوله، هم بالخروج بحصيلة سرقته الثمينة، وبالفعل اجتاز الجميع ووضع إحدى قدميه خارج بوابة المتجر، قبل أن يستوقفه حارس المتجر بصوته الأجش، ليسأل عما بداخل تلك الحقيبة "المنتفخة"، التي يتأبطها تحت ذراعه النحيل:
"بقولك إيه؟.. ممكن توريني الشنطة اللي انت حاططها تحت باطك دي؟"
ارتبك الفتى المراهق من السؤال المفاجئ لحارس المتجر مفتول العضلات، وخرجت الكلمات بصعوبة من بين شفتيه اللتين استحالتا إلى اللون الأزرق، لتتأكد شكوك الأخير تجاهه، ويطبق عليه بكلتا قبضتيه الفولاذيتين، قبل أن يطلب استدعاء الشرطة لهذا "السارق المحتال".
وأمام النيابة أقر طالب الإعدادية المراهق بجريمته، واعترف بسرقة 4 علب سجائر، مبررًا فعلته بحاجته الملحة إلى المال، لتدبير احتياجاته الدراسية وشراء "قلم حبر"!
وبعد إحالته إلى جهات التحقيق المختصة، قررت محكمة جنح عابدين برئاسة المستشار محمد أبويوسف، عقوبة الطالب "سعيد. ف. س" بالحبس ستة أشهر مع الشغل والنفاذ.
هذه الجريمة وقعت أحداثها التي سجلتها "جريدة الجمهورية" عبر صفحاتها قبل 63 عامًا، وتحديدًا في الـ20 من شهر نوفمبر عام 1960.
"حكايات من زمن فات"