
على طريقة زهرة وأزواجها الخمسة.. "الفلاحة" اللعوب تجمع بين 5 أزواج

أحمد فتحي
الفلاحة التي طالما أطلت علينا من خلف شاشات التلفاز، في ثياب البراءة والطهر، لتظهر في صورة "القروية" الساذجة، والفتاة الحالمة التي أبهرتها أضواء المدينة، لتسحقها وتطيح بأحلامها البسيطة، لتسقط كـ"فريسة” سهلة، وضحية غرر بها أحد الشباب معدومي الضمير، في عصر طغت فيه المادة، واهترأت أمامه منظومة القيم والأخلاق.
لم تكن "أنيسة" لقمة سائغة، أو هدفًا طيعًا يسهل الإيقاع به، لتتبدل الأدوار وتتقمص تلك الفتاة "اللعوب" دور البطولة في قصتنا، فيما كان شيطان "الشهوة" و"الإغواء" هو المحرك الأول لأحداثها.
رمت الصيادة الماهرة بشباكها، لتصطاد خمسة رجال "دفعة واحدة"، لم يكن لأي منهم الخيرة من أمره، ليعلن استسلامه التام أمام مفاتنها وجمالها الآخاذ، ويلقى كلِ منهم مصيره المحتوم، ليصبح مجرد "رقم جديد" في دفتر غرامياتها المتخم بالأسماء والحكايات.
“الفلاحة” التي هزمت خمسة رجال
"أنيسة. م. ح" صاحبة الخمسة وعشرين ربيعًا، الفتاة التي يلهث الجميع خلفها، ويمني كل منهم نفسه بأن يكون هو الفارس المغوار، الذي يقتحم بجواده الأبيض قصرها المنيف، ويكون حامل مفاتيحه وحارس أسواره.
في المقابل لم يكن من بين كل شباب القرية الساعين خلفها من يلفت نظرها، أو يملك المقومات التي تلبي طموحاتها الكبيرة، فهي لم تكن كأي فتاة من أقرانها، هي صاحبة القد الملفوف والقوام الممشوق، والعيون الكحيلة التي تسحر القلوب.
جميلة الحي التي تنافس نجمات هوليوود، وتتفوق بمقوماتها الجسدية "الربانية" على من يتصدرن أغلفة المجلات الفنية وعروض الأزياء والموضة.
وأمام المرأة المعتمة القابعة داخل أحد أركان غرفتها المتواضعة، تمردت "أنيسة" على أوضاعها الاجتماعية، ورأت في نفسها معادلة "عزيزة" على الحل، وهدفًا صعب المنال، لا ينبغي أن يصل إليه سوى "شاب" جسور، يكبح جماح عنفوانها.
كانت تبحث بين الوجوه المتعبة المحيطة بها، عن ذلك الفارس الذي يطفئ نيران أشواقها، فيما لم يكن بين طوابير الزاحفين إليها، سوى شباب بسطاء على سجيتهم النقية، ليس لأحد منهم أي خبرات أو تجارب سابقة.
مرت السنون دون أن تجد ضالتها ومبتغاها، لينصرف الجميع عنها، ويتكاثر "الهمز واللمز" حولها، ما زاد من حجم الضغوط المفروضة عليها، وقلل من سقف الطموحات، التي حلّقت بها في عنان السماء.
فالعرف داخل الريف أشد من المنطق والقانون، والعادة تقضي بأن الفتاة التي يبارح قطارها محطته "العشرين" لا تصلح للزواج، لتنتقل مرغمة - مهما كانت مقوماتها - من المربع رقم "واحد"، إلى خانة الأرامل والمطلقات، وتأخذ دورها في طابور "العوانس" وفتيات الدرجة الثانية.
تفاصيل صادمة
بعد إلحاح شديد من أهليتها، وافقت على الزواج من أحد شباب قريتها، الذي شغفه حبها وجمالها، وظل واقفًا بعتبتها عدة سنوات، ليكون هو مصيرها المحتوم، وأول من يفتح خزانة أسرارها.
أقيمت الأفراح وتمت مراسم الزواج، ليشرب الفتى الحالم من كأسها المترع، وتتحقق أكبر أحلامه بأن تزين "جميلة الجميلات" بيته، على أمل أن يرزق منها بأبناء وبنات من صلبه، تصدح أرجاء المنزل بضحكاتهم، ويشيعون أجواء البهجة والمرح في لياليه الباردة.
استمرت الليالي الملاح لـ3 أشهر كاملة، مرت على الزوج "المخدوع" كـ"غمضة عين" واستفاقتها، ليتلقى بعدها ضربة عنيفة، أسقطته من عليائه، وتهدمت معها جدران "قلعة الرمال"، التي بناها على شاطئ الوهم والأحلام.
زوجته ومالكة روحه هربت، وغادرت دون كلمة واحدة، وتركته خلفها أسيرًا للوحدة ووساوس الهجر والظنون.
3 أشهر كاملة هام خلالها "شحاتة" على وجهة، ليكون زائرًا يوميًا لأقسام الشرطة، وضيفًا لحوحًا على استقبال المستشفيات، بحثًا عن "أنيسة" روحه ومهجة قلبه، التي اختفت فجأة من عالمه، وكأنها لم تكن موجودة من قبل.
وفي مكان آخر من منطقة الأزبكية، كان "بخيت" على موعد مع القدر، الذي كتب له لقاء "فتاة أحلامه"، التي طالما بحث عنها، قبل أن يجمعهما سويًا المأذون تحت سقف واحد.
لم تطل فترة إقامة “الفلاحة اللعوب” في منزل زوجيتها الجديد، لتكرر فعلتها، وتهرب مرة أخرى بحثًا عمن يروي ظمأها، ويكتب النهاية السعيدة لروايتها متعددة الفصول.
وفي منطقة "بولاق" أقامت “أنيسة” كل بروفات مسرحيتها الجديدة، التي وقع فيها اختيارها على "توفيق. ح. ش"، ليرتدي ثوب البطولة أمامها، لكن يبدو أنه لم يجد أداء الدور المرسوم بالسيناريو، الذي وضعته الفاتنة اللعوب بعناية، لتتركه خلفها بعد ثلاثة أسابيع فقط من زيجتها الثالثة.
وبعد بحث مُضنٍ حطت “الفلاحة صاحبة العصمة" رحالها بمنطقة شبرا، لتلقي بـ"صنارتها" بحثًا عن صيد جديد ويافع، وفي هذه المرة التقم "كامل. م. ع" الطُعم، ليتلقى الصفعة المدوية كسابقيه، ويدور في ذات الدائرة، بحثًا عن زوجته الجميلة التي اختفت فجأة، ودون أي مقدمات تبرر فعلتها المشينة.
وعلى مقربة من موقع حادثها الرابع، استقرت الفتاة المثيرة "شديدة الدهاء" بإحدى بنايات حي "حدائق شبرا"، وعقدت العزم على استكشاف مكامن قوة ذلك الشاب الفتيِّ، الذي طاردها منذ وطأت قدماها المنطقة، أملًا في أن تزين بطلتها البهية "عشه" الخاوي.
وأمام مأذون الناحية أقرت صاحبة "الوجوه الخمسة" بخلوها من أي موانع شرعية تحول دون زواجها من "عفيفي. م. د"، ليتم المراد ويدعو العريس الأهل والأحباب، ويكون معها صاحب الأمر و"النِصاب".
مرت الأيام سريعة، حتى التقطتها أعين أحد المعارف من أهل قريتها، ليطير بالخبر إلى زوجها الأول، الذي قَلَبَ قرى ومراكز محافظته رأسًا على عقب، بحثًا عن "أنيسة" فؤاده، حتى أضناه التعب، وأصابه اليأس والقنوط، من إيجاد أي طريقة للوصول إليها، أو الاستدلال عما حدث لها.
في الجهة المقابلة، وفي إحدى ليالي الصيف الخانقة، تلقى "عفيفي" إخطارًا من النيابة باستدعائه وزوجته، وهو الأمر الذي لم يعتده "الرجل" المسالم، والمشهود له بين جيرانه بحسن السمعة والسلوك.
وما أن بدأت جهات التحقيق عملها، حتى تلقى الزوج "المفجوع"، خبرًا حل عليه كـ"الصاعقة"، ووقع على مسامعه آخر ما يمكن توقعه بأسوأ كوابيسه..
"قرينتك جمعت بينك وثلاثة رجال آخرين، وهي لم تزل في عصمة زوجها الأول".
سقط الرجل مغشيًا عليه من هول الصدمة، فيما واجهت "أنيسة" الموقف برباطة جأش تُحسد عليها، لتعترف أمام النيابة بالجمع بين خمسة أزواج في وقت واحد.
وبعد إحالتها للجهات المختصة، قضت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار كامل لطف الله، بحبس المتهمة "أنيسة. ع. ح" سنة مع الشغل، لاتهامها بالتزوير في محررات رسمية، والجمع بين أربعة أزواج وهي في عصمة زوجها الأول.
"جريدة الجمهورية" 20 نوفمبر 1960
هذه الجريمة وقعت أحداثها التي سجلتها "جريدة الجمهورية" عبر صفحاتها قبل 63 عامًا، وتحديدًا في الـ20 من شهر نوفمبر عام 1960.
"حكايات من زمن فات"