"فورين بوليسي": على الولايات المتحدة زيادة قدراتها الصناعية الدفاعية تحسبا لمواجهة روسيا والصين
وكالات
رأت دورية "فورين بوليسي" الأمريكية أنه يتعين على الولايات المتحدة زيادة قدراتها الصناعية الدفاعية حتى تستطيع الاستمرار في دعم أوكرانيا، والاستعداد للخطر الصيني المحتمل.
وأشارت الدورية الأمريكية - في تقرير تحت عنوان (تسليح أوكرانيا أم الاستعداد للصين؟.. هذا سؤال خاطئ) - إلى أنه مع دخول الأزمة الأوكرانية عامها الثاني، تحتاج الولايات المتحدة إلى التعامل مع مشكلة الإمدادات التي تتزايد حدتها مع استمرار الحرب، لافتة إلى أن جيش الولايات المتحدة لا يمتلك المخزونات الكافية من الصواريخ وذخائر مدفعية الحرب الحديثة.
ودللت "فورين بوليسي" على ذلك بتصريحات رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي الجنرال مارك ميلي، التي قال فيها "إن أحد دروس هذه الحرب في أوكرانيا، يتمثل في المعدل العالي من الاستهلاك للذخيرة.. نُعيد تقييم مخزوناتنا وخططنا للتأكد من التعامل مع هذا الأمر بالشكل الصحيح".
وأوضحت الدورية الأمريكية أنه من المحتمل أن تكون عواقب ذلك مقلقة؛ فعندما أجرى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية مؤخرا محاكاة إلكترونية للحرب على تايوان، كشف عن أن الجيش الأمريكي سيكون معرضا لنفاد مخزونه من الصواريخ خلال أسبوع واحد حال حدوث مثل هذه الحرب.
وأضافت "فورين بوليسي" أنه "بينما تبحث واشنطن عن حل لهذه المعضلة، يرى البعض أن الحل المنطقي لهذه المسألة يتمثل في قطع إمدادات الذخيرة وأوجه الدعم العسكري الأخرى عن أوكرانيا في أسرع وقت؛ إذ يرى هؤلاء أن الصين تمثل أكبر تهديد للولايات المتحدة، وليست روسيا، ويتعين عليها ترتيب أولوياتها فيما يخص توجيه الموارد الشحيحة إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ (إندو-باسيفك)، لاسيما في ظل التعزيزات العسكرية الصينية بهذه المنطقة، والتي تعرض تايوان للخطر".
ويرى آخرون أن روسيا هي "الشريك الأصغر" للصين، ما يعني أن إضعاف موسكو سيقلل من رغبة الصين في النزاع مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أن "تقزيم روسيا وجعلها أقل تهديدا" بسبب صمود أوكرانيا سيسمح كذلك بجعل التحول الأمريكي تجاه آسيا أكثر حسماً في وقت لاحق، لذلك يجب إعطاء الأولوية للمساعدات العسكرية لأوكرانيا حتى مع وجود خطر انخفاض الاستعداد في أماكن أخرى في الوقت الحالي.
ورأت الدورية أن التساؤل حول أولوية توجيه الدعم إلى أوكرانيا أو إلى المحيط الهادئ هو تساؤل خاطئ؛ لأن ما يمكن للجيش الأمريكي استخدامه حاليا لن يؤمن توازن القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، كما أن الاستخدام المكثف للذخائر في الحرب بأوكرانيا، ونتيجة محاكاة حرب تايوان، وحقيقة أن إنتاج الولايات المتحدة للذخائر وغيرها من المعدات غير كافٍ لما هو أبعد من الضربات السريعة التي يفضلها المخططون العسكريون، وكلها تشير إلى قضية واحدة تتمثل في وجوب تعزيز القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية إذا كانت هناك رغبة في التغلب على نقص الذخيرة.. وأكدت ضرورة ذلك، سواء لإرسال أسلحة أمريكية إضافية إلى أوكرانيا أو لمواجهة الصين.
كما رأت أن تسليح أوكرانيا لا يتطلب إبطاء الاستجابة للصين، لافتة إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية بدأت في التوصل إلى هذا الاستنتاج المتعلق بتعزيز الصناعات الدفاعية، إذ أنها تكثف شراء قذائف المدفعية وصواريخ "جافلين" و"ستينجر" المحمولة، وغيرها من صواريخ (سطح - سطح) لتحل محل الذخائر التي وُجهت إلى أوكرانيا، كما تضاعف شركة "لوكهيد مارتن" إنتاجها من صواريخ جافلين.
وقالت "إن المساعدات المقدمة لأوكرانيا لا تضعف من قوة ردع الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بالقدر الذي يوحي به النقاش حول دعم أوكرانيا مقابل تايوان، إذ أن الجزء الأكبر من مساعدات واشنطن إلى كييف يتمثل في المركبات المدرعة وقذائف المدفعية ذاتية الحركة (هاوتزر) وراجمات الصواريخ، وهي نوع من أنواع المدفعية الصاروخية غير الموجهة توفر دعما غير مباشر للقوات البرية لتدمير مصادر النيران وقوات الدفاع الجوي والتشكيلات المدرعة والأهداف الحيوية المعادية".
وبينت أن المساعدات الأمريكية، سالفة الذكر، إلى أوكرانيا يمكنها فقط إصابة أهداف ثابتة، ولن تكون قابلة للاستخدام في منطقة المحيط الهادئ، لافتة في الوقت نفسه إلى أن تايوان لم تتسلم بعد صواريخ "جافلين" و"ستينجر" التي طلبتها من واشنطن في عام 2015.
وأوضحت الدورية الأمريكية أن مشكلة النقص في الذخائر تتألف من شقين مختلفين، لكنهما مترابطين: الأول هو حجم المخزون، إذ أظهرت الأزمة في أوكرانيا أن الجيوش الحديثة تستهلك كميات هائلة من الصواريخ والقذائف، حيث يقدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أنه بحلول إبريل 2022، أرسلت الولايات المتحدة بالفعل 7 آلاف صاروخ جافلين مضاد للدبابات إلى أوكرانيا، أي ما يقرب من ثلث إجمالي المخزون الأمريكي في ذلك الوقت، وفي ديسمبر من العام نفسه، أشار الرئيس التنفيذي لشركة "رايثيون" للصناعات الدفاعية جريج هايز إلى أن الشركة استنفدت بشكل أساسي ما يعادل خمس سنوات من إنتاج صواريخ جافلين، لذلك تحتاج الولايات المتحدة إلى الاحتفاظ بمخزون أكبر من الذخيرة للدفاع عن نفسها، كما يفعل العديد من حلفائها.
أما الشق الآخر لمشكلة النقص في الذخائر، فيتمثل في معدل الإنتاج، إذ أن القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية ليست مستعدة لمواصلة جهد حربي طويل الأمد، وهو ما أظهرته تصريحات الرئيس التنفيذي لشركة "لوكهيد مارتن" جيمس تايكليت في ديسمبر الماضي، والتي قال فيها "إن القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية مصممة لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة في معدلات الإنتاج في وقت السلم"؛ مما يعني أن النقص الناتج عن القدرة على زيادة الإنتاج في حالة الحرب هو نقطة ضعف عميقة، وما لم تتم معالجتها فستكون موجودة، سواء انتهت الحرب في أوكرانيا غدا أو بعد عقد من الزمان.
وقالت الدورية "إن الولايات المتحدة واجهت مشاكل مماثلة في ثلاثينيات القرن الماضي، ففي حين كان الوضع في أوروبا وآسيا يزداد قتامة، كانت الولايات المتحدة تقوم ببطء بتحديث جيشها، ولكن عندما كثفت بريطانيا وفرنسا مشترياتهما من الأسلحة من الولايات المتحدة في عام 1938، بدأ تنشيط صناعة الدفاع الأمريكية وجذبت شركات جديدة للانضمام إلى هذا القطاع"، موضحة أن هذا الحل يمكن اللجوء إليه مرة أخرى حاليا؛ طالما أن القاعدة الصناعية الدفاعية في الولايات المتحدة ليست في حالة جيدة.
ولفتت إلى أن بناء خطوط إنتاج ومصانع جديدة للذخيرة يعد استثمارا رئيسيا طويل الأجل، لكن المؤسسات العاملة في الصناعات الدفاعية ستتردد في القيام بذلك دون دليل على أنه سيؤتي ثماره، فكلما كانت الطلبات التي يتلقونها الآن أكبر كانت وجاهة قرار الاستثمار الجديد أكبر.
وبينت "فورين بوليسي" أن الذخائر تشكل الحاجة الأكبر، إذ تستهلك أوكرانيا حوالي 7700 قذيفة مدفعية في اليوم، ويخطط الجيش الأمريكي لزيادة طلباته إلى 90 ألف قذيفة شهريا، أي ما يوازي حوالي 12 يوما من القتال على مستوى أوكرانيا شهريا، مشيرة إلى أن هذا المعدل لا يمكن أن يناسب "حربا محتملة مع الصين"؛ إذ أن الحروب التي تشمل القوى العظمى الصناعية يمكن أن تكون طويلة الأمد وطاحنة.
ونبهت إلى أنه على الرغم من أن قذائف الهاوتزر وبعض أنواع الصواريخ لن تكون ذات فائدة تذكر حال نشوب حرب في المحيط الهادئ، فإن المنشآت والعاملين في إنتاج إمدادات أكبر بكثير من المتفجرات والوقود والمحركات الصاروخية وأجسام الصواريخ ستكون ذات قيمة.
كما رأت الدورية الأمريكية أن المتشككين في المساعدات الأوكرانية محقون في ملاحظة أن عامل الوقت جوهري، إذ يعد التوسع البحري الصيني غير المسبوق في وقت السلم نذيرا بمستقبل أكثر قتامة بالنسبة لآسيا، ويحتاج حلفاء الولايات المتحدة وشركاؤها في المنطقة، مثل تايوان، إلى تسليح أنفسهم وفقًا لذلك، لافتة إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينج أصدر أوامرا لجيشه بالاستعداد لغزو تايوان بحلول عام 2027، مما يعني ضرورة أن يكون الحشد العسكري الأمريكي جاهزا قبل ذلك الحين.
وحذرت "فورين بوليسي" من أنه كلما طال انتظار واشنطن لإعادة البناء، زاد احتمال أن تخلق وضعا مشابها لما حدث عام 1941 عندما أدركت القيادة العسكرية اليابانية أن أمامها فترة زمنية قصيرة لمهاجمة الولايات المتحدة غير المستعدة قبل أن تجعل التعزيزات الأمريكية أهداف اليابان بعيدة المنال، معتبرة أنه بدون القدرة على شن الحرب، سيفشل الردع لمنعها.
واختتمت الدورية الأمريكية بالقول "إنه خلال الحرب العالمية الثانية، استغرق بناء المصانع الجديدة والعمل بطاقتها الكاملة عدة سنوات؛ لذلك يجب ألا تضطر القوات الأمريكية إلى الانتظار لفترة أطول حتى يتم تكثيف إنتاج أسلحة اليوم الأكثر تعقيدا، سواء من الصواريخ المضادة للسفن التي ستكون ضرورية في أي نزاع في شرق آسيا إلى قاذفات القنابل المحمولة وذخائر المدفعية المستخدمة بأعداد كبيرة في أوكرانيا".
وأكدت أن الولايات المتحدة وحلفاءها بحاجة إلى المزيد من كل شيء للاستعداد؛ لأن الاستعداد هو الحل الأفضل لمنع السيناريو الأسوأ، لذلك من خلال مساعدة الأوكرانيين على مساعدة أنفسهم، يمكن لواشنطن أن تبدأ في حل المشكلة.