عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
صلاح جاهين... نور وبهجة في معرض القاهرة الدولي للكتاب

صلاح جاهين... نور وبهجة في معرض القاهرة الدولي للكتاب

صلاح جاهين شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام، يناير 2023. 



الافتتاح الدال على حيوية واستقرار الدولة المصرية يمكن ملاحظته في اختيار الخامس والعشرين من يناير. 

وهو يوم مشحون باسم مصر والتي كتب عنها صلاح جاهين منشداً:  

"مصر التلات أحرف الساكنة اللي شاحنة ضجيج"، وعلى اسم مصر تغنى الشاعر الذي تم ضبط شبكة رادار فؤاده على اسم مصر، وهو القائل: 

"على اسم مصر التاريخ يقول ما شاء 

أنا مصر عندي أحب وأجمل الأشياء 

بحبها وهي مالكة الأرض شرق وغرب

وبحبها وهى مرمية جريحة حرب". 

إنها الدورة الرابعة والخمسون من عمر معرض القاهرة الدولي للكتاب، والذي تم نقله إلى مكان حضاري جديد في القاهرة الجديدة يليق باسم مصر، مع تنظيم احترافي يجب معه أن نتوجه بالشكر لوزيرة الثقافة د. نيفين الكيلاني ود. أحمد البهي رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، وكافة المؤسسات الرسمية والأهلية التي تعاونت بشكل احترافي كي يدخل تنظيم معرض الكتاب إلى عالم القرن الحادي والعشرين. 

ويأتي ضيف شرف المعرض هذا العام الأردن الشقيق العربي الفاعل في دفع الثقافة العربية للتفاعل مع العالم خلال العشرين عاماً الماضية ولا يزال. 

وأيضاً اختيار الرمز الثقافي المصري الكبير كامل الكيلاني رائد ثقافة الطفل المصرية الحديثة، وهو اختيار مهم يشير إلى ضرورة استعادة وضع ثقافة الطفل في القلب من الثقافة المصرية. 

إلا أن دور المملكة الأردنية الهاشمية المحوري في الثقافة العربية الآن، وأهمية وريادة ودروس الكاتب الكبير كامل الكيلاني، على أهميتهما يحتاجان لكتابات مطولة قادمة، أما البهجة شديدة الجاذبية بحضور اسم متعدد المواهب المبدع المصري الكبير صلاح جاهين، واختياره شخصية المعرض الثقافية هذا العام، فقد دفعني هذا الاختيار الثمين لأن أبدأ في كتابة سطوري هذه.  

إلا أن صلاح جاهين أيضاً يحتاج إلى كتابات مطولة لا تنتهي، فعن أي صلاح جاهين يمكن الكتابة عنه؟! 

الشاعر، رسام الكاريكاتير، الممثل، كاتب الأغاني، كاتب السيناريو، الكاتب المبدع لمسرح الأطفال والعرائس، الكاتب المثقف الذي صنع نسخاً مصرية لبرتولد بريخت المسرح الألماني الكبير؟!

إلا أن معنى وجوهر إبداع صلاح جاهين المتعدد يمكن فهمه عبر الإشارة لدور المثقف المنتمي المهم. 

ألا وهو وجوده على يسار الواقع، وفي ذات الوقت الانحياز للجماهير، وللبسطاء والحرص على التفاعل مع حكمة وفهم المصريين بعيداً عن فصاحة اللغات والدرجات العلمية والتراتب الاجتماعي. 

لم يكن جاهين متكيفاً مع الواقع رغم انحيازه الواضح لمشروع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. 

وقد حذف ناصر اسمه- كما يتردد في العديد من المصادر- من قائمة الاعتقال السياسي خمس مرات. 

جاهين ملك لكل المصريين، جاهين التكوين النادر ما بين أسرة تعود جذورها للمنصورة قلب الدلتا الخصيب المبدع، وأب قاضٍ يحرص على مفهوم العدالة، ونشأة صعيدية في أسيوط الرائعة حافظة القيم التي تفيض بعاطفة جياشة يضبطها إيقاع الصعيد المتحفظ، فقد كانت مدرسته الابتدائية هناك. 

وكانت مدرسته الثانوية مع تغير أماكن عمل والده، هي مدينة طنطا وعالمها المليء في أطرافها بالغناء والرقص والموالد الشعبية والموسيقى والبهجة، ثم دراسته للفنون الجميلة ودراسته للقانون بالجامعة الأم جامعة القاهرة. 

المبدعون لا يحرصون على جمع الشهادات العليا في معظم الأحوال، وكذلك هم من المضطربين دراسياً في معظم أنحاء العالم، إلا أنهم عندما يبدعون يصبحون مصادر أصلية وأصيلة للمعرفة والفن الجديد المبتكر. 

وهذا هو حال شاعرنا الكبير لأن الشعر في عمله الإبداعي المتنوع هو الأكثر حضوراً شعراً وأيضاً يتجلى في روحه الساخرة المحبة الطيبة في رسوم الكاريكاتير التي حرص عليها، وفي لحظات الإبداع التمثيلي النادرة المدهشة، وفي كتابته للمشاهد المسموعة المرئية في شرائط أحلامه المسموعة المرئية في السينما وفي صياغته المصرية لمسرحيتين علامتين هما الإنسان الطيب، ودائرة الطباشير القوقازية لبرتولد بريخت المسرحي الأشهر في القرن العشرين، وهما نسختان مصريتان جداً بتوقيع صلاح جاهين. 

وأيضاً في إبداعه المسرحي الثري للأطفال، وجاهين شأنه شأن كل المبدعين الكبار يعنيه أن يعمل من أجل المستقبل وعالم الأطفال البريء الخيالي الجميل، ولذلك فله في مسرح العرائس ومسرح الأطفال مسرحيات عديدة أشهرها الليلة الكبيرة. 

وخلال مرحلة توهجه الإبداعي المتنوع منح عالم الطفولة في الفترة من 1960 حتى 1966 عدداً من النوادر المسرحية الرائدة والرائعة، والتي يجب استعادتها إنتاجياً ليراها أطفال مصر المعاصرون وأطفال الوطن العربي، وهي "صحصح لما ينجح، الشاطر حسن، حمار شهاب الدين، الفيل النونو الغلباوي، وقاهر الأباليس مع العروسة والعريس". 

إنه العبقري المصري المنتمي نموذجاً نقياً لقلب اليسار الثقافي المصري الوطني المؤمن بالله والوطن والناس، إنه صلاح جاهين، الذي لنا أن نفخر بأنه كان واحداً من علامات روزاليوسف 1955، وأنه أحد المؤسسين الجادين لمجلة صباح الخير المصرية، كما يجب أن يعتز كل من يملك موقعاً ثقافياً له صلة بثقافة الطفل، بأن صلاح جاهين كان مسؤولاً عن ثقافة الطفل بوزارة الثقافة عام 1962. 

إنه الحاضر الدائم الذي لا يغيبه رحيل الجسد، شكراً لكل هذه البهجة التي سببها لنا اسم صلاح جاهين، وشكراً كل من يساهم في نجاح معرض الكتاب، والذي يسعدنا مشاركة ألف وسبعة وأربعين دارا للنشر فيه، من مصر والوطن العربي ومختلف دول العالم. ويزين هذا العرس الثقافي الحضور الجماهيري الملحوظ وإقبال الجمهور المصري الحاشد عليه في أول أيام افتتاحه للجمهور، هي فرصة رائعة لشراء الكتب والتمتع بالتنزه والاشتراك في الفعاليات الثقافية المتعددة. 

فليس من التكرار أن تقول: أفضل جليس في الدنيا الكتاب.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز