محمد سلماوي للأدباء في افتتاح مؤتمرهم بالوادي الجديد: أنتم أكبر ضمانة لنهضة مصر
وجه الكاتب الكبير محمد سلماوي، رئيس المؤتمر العام لأدباء مصر في افتتاح الدورة الـ ٣٥ للمؤتمر المنعقدة في محافظة الوادي الجديد الشكر للدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة، واللواء الدكتور محمد الزملوط محافظ الوادي الجديد، والأساتذة الزملاء أدباء مصر.
وقال سلماوي في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام لأدباء مصر بمحافظة الوادي الجديد: تهنئة حارة لأدباء مصر على استعادة مؤتمرهم العام بعد توقف إجباري فرضته ظروف الجائحة، التي شلت أنشطة العالم وحالت دون انعقاد مؤتمرنا هذا طوال السنتين الماضيتين، والشكر لكل من دفع بعقد هذه الدورة الـ ٣٥ للمؤتمر، وعلى رأسهم الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة التي لم يكن لهذا الحدث الثقافي الهام أن يتحقق لولا رعايتها الشاملة، ولأجهزة وزارتها ذات الصلة وفي مقدمتها الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة الفنان هشام عطوة، والشكر موصول للواء الدكتور محمد الزملوط محافظ الوادي الجديد وأجهزة المحافظة على استضافتهم الكريمة.
وأشار إلى انه كان المؤتمر العام لأدباء مصر قد غاب عن الساحة الثقافية لسنتين متصلتين، فقد كان من الممكن أن ينسى ويندثر كما اندثرت كثير من فعالياتنا الثقافية، من مؤتمرات ثقافية وإصدارات أدبية وغيرها، وذلك في ظل إهمال السلطة السياسية للثقافة وتقاعسها على مدى العقود الماضية عن القيام بدورها في دعم ورعاية القوى الناعمة المصرية من فكر وآداب وفنون.
وقال نحن إذ نهنئ أنفسنا بعودة المؤتمر للانعقاد، فإننا نتطلع لأن تمثل هذه الدورة بعث جديد لهذا التجمع العريق لما يتسم به من أهمية، وما يختص به من تميز.
وأشار إلى إن المؤتمر العام لأدباء مصر يتميز بعدد من الصفات الفريدة التي لا تشاركه فيها أية فعالية ثقافية أخرى، فهو البيت الذي يلم شمل أدباء مصر جميعا، متخطيا حاجز المركزية البغيضة التي دأبت على تركيز الغالب الأعم من الأنشطة الثقافية في العاصمة دون غيرها من المحافظات، وذلك بالرغم من أن الكثير من الأشجار الوافرة التي نستظل بظلها في بستان الثقافة المصرية كان منبتها في تلك المحافظات المهمشة التي امتد عطاؤها على مدى السنين من طه حسين والعقاد وحافظ إبراهيم إلى يوسف إدريس وأمل دنقل وعبد الرحمن الأبنودي، وهي ما زالت تقدم لنا البراعم الأدبية الواعدة التي ستنمو عما قريب لتصبح أشجارا باسقة وتضيف لبستاننا خضرة يانعة إن قيمة مؤتمرنا هذا وأصالته تكمن في أنه منذ نشأته لم يعرف التفرقة بين أديب سكندري وآخر أسواني، بين شاعر بورسعيدي أو سيناوى.
وقال سلماوي كلنا هنا سواء، ولكل منا تفرده الأدبي، وغياب أو تغييب البعض منا يشكل نقصا معيبا في لوحة الفسيفساء الأدبية الضخمة التي تفخر بها مصر ويحفظ أشقائنا في الوطن العربي تفاصيلها عن ظهر قلب. أن هذا التنوع الثري، والشمول النادر يضع المؤتمر العام لأدباء مصر في مكانة خاصة تعلو في رأيي على معظم التشكيلات الأدبية الأخرى التي قد لا تمتد على اتساع البعد الجغرافي للبلاد.
وأوضح أن للمؤتمر العام لأدباء مصر عراقة وأصالة تأكدت مدى قرابة نصف قرن من الزمان، عايش أدباء مصر خلالها مختلف الحقب والأزمنة التي مرت على البلاد، وعاصروا صعود وسقوط الأنظمة والحكومات المتوالية، فتقارب بعض تلك الحكومات من الثقافة والمثقفين وتباعد البعض الآخر. وقد اعتصمنا جميعا بمؤتمرنا هذا في ظل جميع الحكومات، وحرصنا على استمرار عقد دوراته تحت كل الظروف، وها هو يعود إلينا اليوم بعد توقفه الاستثنائي، عظيما شامخا ليواكب مرحلة فارقة نمر بها وتمر بها البلاد، حيث تجرى من حولنا عملية بناء غير مسبوقة على الصعيد العمراني وعلى صعيد الإصلاح الاقتصادي، وذلك بعد أن تحقق للبلاد الأمن والاستقرار بالانتصار على الإرهاب الأسود الذي انتشرت جرائمه لسنوات في سائر أنحاء البلاد، وغني عن البيان أن تلك الجهود التنموية المحمودة والمتلاحقة، لن تتماسك لبناتها إلا بالعمل الثقافي الذي وحده يستطيع بناء الإنسان المستهدف من تلك الجهود وصانعها، ومن هنا فإني أرى مهمة تاريخية أمام الدورة الحالية للمؤتمر العام لأدباء مصر تتلخص في صياغة المؤتمر لوثيقة تعبر عن رؤية يجمع عليها أدباء مصر في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ البلاد، وثيقة تحدد السياسات الكفيلة بقيام الثقافة بدورها الذي لا غنى عنه في استراتيجية البناء التي نشهدها الآن، وذلك بالتكامل مع الإعلام والتعليم وأجهزة الدولة الأخرى.
وإنه لمن حسن الطالع أن يجيء انعقاد هذا المؤتمر في بداية عهد وزيرة الثقافة الدكتورة نيفين الكيلاني التي تابعت تصريحات لها في الصحف تعلن أنها بصدد وضع خطط جديدة للنهوض بالعمل الثقافي في المرحلة القادمة، وها هو جيش الثقافة المصرية وقوتها الناعمة عظيمة العتاد، الزاخرة بالأفكار والمقترحات التي نادرا ما تتجمع في مكان وزمان واحد، فلتتضافر الجهود للخروج بورقة عمل تحدد رؤية الأدباء لمعالم الطريق نحو المستقبل المشرق الذي نتطلع إليه، والذي لن يكون إلا والثقافة قاطرته.
وقال لقد التحم المؤتمر العام لأدباء مصر منذ نشأته بالقضية الوطنية، بحكم الارتباط الطبيعي الوثيق بين الأديب والوطن، فكان للمؤتمر في جميع دوراته موقفا راسخا ومستقرا مع قضيتنا الكبرى، قضية الصراع الوجودي مع عدونا الأول على مدى ثلاثة أرباع القرن، والمتمثل في دولة الاحتلال الصهيوني العنصرية التي مازالت تناصبنا وسائر الشعوب العربية العداء، رغم الاتفاقيات التي وقعتها وما زالت توقعها مع الدول العربية، والتي وإن ظلت جميعها اتفاقيات ملزمة للحكومات التي وقعتها ، فهي لم ولن تؤدي إلى علاقات طبيعية مع الشعوب العربية الرافضة للاحتلال الوحشي وللظلم والعنصرية. لقد عبرت قرارات الدورات المتعاقبة للمؤتمر العام لأدباء مصر عن موقف وطني لأدباء مصر من هذه القضية.
وأكد أن توصيات الدورة تلو الأخرى على رفض التطبيع مع الدولة الصهيونية، والتمسك بثقافة المقاومة، وبسياسة المقاطعة وإني أتطلع لأن تتمسك الدورة الـ ٣٥ الحالية بهذا الموقف الوطني العظيم الذي كرسته دورات المؤتمر السابقة. كما أود أن أقترح على الصعيد العربي أن نضم إلى دوراتنا القادمة عددا من ضيوف الشرف من كبار الأدباء العرب، تأكيدا على انتمائنا العربي وعلى وحدة الثقافة العربية التي تتبوأ فيها مصر موقع القيادة، ولمزيد من الانفتاح على وطننا العربي الأكبر.
تبقى في النهاية كلمة واجبة في حق الرجل الفاضل الذي تتخذ منه هذه الدورة اسمها، ذلك المثقف الكبير الأستاذ الدكتور شاكر عبد الحميد الذي أثرى حياتنا الثقافية بتأصيله لتخصص نادر هو علم نفس الإبداع الذي لم يسبقه إليه إلا أستاذه الدكتور مصطفى سويف واضعا لبناته الأولى ليقوم الدكتور شاكر بتأصيله وتطويره مكرسا له دراسته الأكاديمية التي نال عنها درجتي الماجستير والدكتوراه على أن الإنجاز الثقافي للدكتور شاكر عبد الحميد سليمان المولود بأسيوط عام ١٩٥٢، اتسع على مدى السنين فتخطى حيز تخصصه الدقيق ليثرى المشهد الثقافي المصري والعربي على مختلف أصعدته، فإلى جانب أستاذيته الأكاديمية حيث تتلمذ عليه أجيال من الدارسين في مصر وفى الوطن العربي، ساهم الدكتور شاكر في توجيه دفة العمل الثقافي من خلال موقعه كأمين عام للمجلس الأعلى للثقافة، قبل أن يصبح ربان السفينة المقتدر بتوليه وزارة الثقافة وسط اضطرابات عام ،۲۰۱۱ ، لكنه تمكن من أن يعيد للثقافة مكانتها التي أرادت بعض القوى الفوضوية انتهاز تحولات ثورة ٢٥ يناير من ذلك العام لضربها ومن ثم القضاء على هويتنا الثقافية المتصلة بوجدان هذا الشعب وتاريخه العريق، وكان التخصص العلمي للدكتور شاكر والذي جمع بين الثقافة وعلم النفس، هو الذي أهله لتلك المهمة الإدارية والوجدانية، وقد كان إسهامه في الحفاظ على ثقافتنا الوطنية وحمايتها من المتربصين بها، من أهم العوامل التي حمت البلاد من التفكك والضياع الذي أصاب بعض المجتمعات الواقعة على حدودنا.. رحم الله المثقف الكبير الدكتور شاكر عبد الحميد الذي سيبقى نموذجا يحتذى للتقاني في خدمة الثقافة وفى حماية هويتنا الوطنية، وتمنياتي القلبية بدورة ناجحة ومتميزة لهذا المؤتمر العريق الذي نعتز به.



