عاجل
الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

العرب والفينيقيون القدامى ودورهم في ازدهار التجارة الإفريقية منذ القدم

د. إسماعيل حامد
د. إسماعيل حامد

ترجع العلاقات القديمة بين كل من العرب والفينيقيين في مناطق وأقاليم شمال إفريقيا إلى أقدم الحقب التاريخية القديمة، وهي علاقات منذ ما قبل ظهور الإسلام ذاته. ويجدر بالذكر أن بعض الرسوم القديمة تصور قوافل تجارية تعبر الصحراء، وهو ما يعني أن التجارة الصحراوية كانت معروفة منذ القدم، غير أنه من المؤكد أن تلك التجارة كانت قد ازدهرت بشكلٍ لافت مع وفود المهاجرين العرب والمسلمين لهذه البلاد، ومن المعروف لنا مهارة العرب في التجارة والتي اشتهروا بها منذ القدم.



ويبدو هذا افتراضًا مقبولاً، ويمكنه أن يجعلنا نُعيد فهم حركة التدوين الخاصة بتاريخ تلك الصحراء، وكذلك تاريخ سكانها وقاطنيها منذ أقدم العصور، بشكل أكثر عمقًا، وبما يتوافق مع التاريخ الحقيقي لهذه الصحراء والمتغيرات التي وقعت لها. 

ويؤيد ازدهار التجارة عبر الصحراء بين الشمال والجنوب منذ ما قبل الميلاد، فيما يذكر البعض، أن شعب الفينيقيين Phonecians وهم من الشعوب المشهورين بالتجارة لاسيما عبر البحر، لما سيطروا على أكثر مناطق شمال إفريقيا. 

وأسس الفينيقيون مملكة قرطاج (في تونس حاليًا)، فقد كانت لهؤلاء الفينيقيين علاقات تجارية واسعة ومزدهرة مع جماعات البربر القاطنين في أقاليم تلك الصحراء. كما استفاد الفينيقييون من تطور حرفة الزراعة في بعض المناطق في شمال الصحراء الكبرى، وهو ما ساهم في ازدهار الحركة التجارية التي قاموا بها. 

ولاشك أن اهتمامنا بفكرة الفنون الصخرية، وارتباطها ودلالتها على تطور قوافل التجارة عبر الصحراء، وازدهارها بسبب تأثير ذلك بشكل لايمكن غض الطرف عنه على تطور فنون العمارة والبناء نتيجة لذلك.

ويجدر بالذكر أن بعض الواحات الصحراوية المعروفة في قلب الصحراء ساهمت في ازدهار تجارة الذهب منذ القدم، ولعل من أبرزها: واحة "غدامس" التي تقع في الآراضي الليبية، ولاشك أن غدامس لعبت دورًا مهمًا في التجارة القديمة بين شمال وجنوب الصحراء خلال العصور القديمة، وفيما قبل الإسلام، ويرجع ذلك تحديدًا لحقبة العصر الفينيقي في شمال إفريقيا. وشكلت منطقة "غدامس"، وهي المنطقة الواقعة في أقصى شرق الصحراء الليبية مركزًا  الليبية مركزًا تجاريًا مهما آنذاك، وكانت تعتبر بمثابة منطقة عبور (ترانزيت) فيما بين القوافل التجارية القادمة من كل تونس وليبيا من جانب، وأسواق بلاد السودان الغربي والأوسط من جانب آخر. 

ويشير بعضُ الباحثين إلى أن الذهب، والعاج، وجلود الحيوانات، والرقيق..الخ، كانت سلعًا أساسية كان يأتي بها تجار شمال إفريقيا، وكانوا يحملون تلك السلع من أسواق الجنوب في الغرب الإفريقي منذ القدم، بينما كان يحملون إلى سكان الجنوب المصنوعات الزجاجية، والمعدنية، وكذلك المنتجات الفخارية ومن ثم صارت التجارة بين الشمال والجنوب مصدر أرباح طائلة للتجار الفنيقيين. 

وعن العلاقات التجارية القديمة بين شمال وجنوب الصحراء منذ عدة قرون قبل الميلاد، يقول البروفيسو ديفيد فيلبسون: "ازدهرت المستعمرات الفينيقية على قاعدة الأرباح التي حققتها هذه التجارة بدعم قدمته زراعة النباتات الحبية في السهول التونسية المُسيطر عليها من قبل قرطاج بدءًا من القرن الخامس ق.م، وما بعده، نتيجة ذلك تم استقطاب البربر المستقرين في المناطق الساحلية إلى أفق الثقافة والتقنية الفينيقية، وظهرت إلى الوجود ممالك البربر المستقلة شكليا لكنها تابعة للفينيقيين". 

ومن المُعتقد أن الفينيقيين كانوا قد أقاموا علاقات تجارية مباشرة مع سكان مناطق جنوب الصحراء الكبرى، وأنهم أقاموا طرقا تجارية مع هذه البلاد، حيث كانت لدى الفينيقيين رغبة في البحث عن أسواق تجارية جديدة، ومناطق إنتاج المواد الخام، ولهذا تبدو منطقية وجود علاقات مع سكان جنوب الصحراء. 

وتذكر المصادر اليونانية Greek Sources، ومنها ما يرويه هيرودوت في القرن 5 قبل الميلاد، أن بعض سكان شمال الصحراء كانوا يقومون برحلات تجارية إلى مناطق جنوب الصحراء، ومن أبرزها رحلة قام بها خمسة أفراد من سكان جنوب الصحراء في ليبيا، ثم توغلوا في في مناطق جنوب الصحراء حتى وصلوا إلى مدينة تجارية تقع بالقرب من نهر عظيم، لعله في الغالب نهر النيجر، ويعتقد أن تلك المدينة هي تمبكتو (تنبكت) (مالي حاليًا). 

ويعتقد البعض أنه ربما تكون منطقة أخرى كانت قريبة من موقعها جغرافيًا، لأن تمبكتو لم تكن قد بنيت بعد في ذلك الوقت، أي في القرن 5 ق.م. وكانت القوافل التجارية الخاصة بالفينيقيين تستخدم الطريق التجاري القريب من جرمة بصحراء ليبيا، وكانت تلك القوافل تحمل السلع من الشمال (كالزجاج، والملح، والنبيذ، والقمح) للسكان الأفارقة القاطنين في جنوب الصحراء. ولاشك أن الذهب كان المعدن أو لنقل السلعة الأهم التي كان يسعى وراءها تجار شمال إفريقيا. 

ويذكر المؤرخ الإغريقي "أثينايوس" Athenaeus- أن أحد الرحالة الفينيقيين وكان اسمه: ماجوMago  عبر الصحراء صوب الجنوب حوالي ثلاث مرات.

متخصص في التاريخ والتراث الإفريقي

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز