عاجل
الأربعاء 6 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ذكرى انتصارات أكتوبر
البنك الاهلي
روح أكتوبر.. الكنز الموجود

روح أكتوبر.. الكنز الموجود

تخيل معي، أصغر المقاتلين الشباب يوم السادس من أكتوبر 1973، لم يتجاوز الـ18 عامًا، يبلغ اليوم من أمد الله في أعمارهم الـ67 عامًا، ومن كان في الخدمة منذ العام 67 وما قبلها بلغ حينها 25 عامًا بلغ اليوم 74 عامًا، رحم الله شهداءنا ومن قضى نحبه، وبارك في أعمار من هم بيننا اليوم.



هذه الزاوية التي نتناولها، نشير من خلالها إلى أننا اقتربنا من اليوبيل الذهبي، بمرور قرابة نصف قرن على تلك الملحمة البطولية، تلك الملحمة التي لم يكن كاتب هذه السطور وجيله يومها شيئًا مذكورًا.

فكل من هو في سن الخمسين، ومن هم أصغر من هذه السن، كانوا رضعًا أو مازالوا في أصلاب آبائهم، عندما كانت الحرب تقرع طبولها، ويقاتل الآباء والأجداد، يدفعون من دمائهم وأرواحهم ثمن الكرامة، للأجيال القادمة، واستعادة التراب الوطني.

تلك الأجيال التي ولدت في سنوات التحدي من العام 67 إلى العام 1973، وما بعدها تنعم بالكرامة والأمن والسلم، بفضل إرادة جيل أكتوبر الفولاذية، والروح الوطنية التي منحت الحياة لهذا الوطن العظيم.

تلك الملحمة البطولية العظيمة، تمثل حلقة في تاريخ ممتد للبطولات المصرية، بطولات شعب مصر الأبي الذي يزداد صلابة في أوقات الأزمات والتحديات، وفي القلب منه جيشه الوطني، الذي حمى أم الدنيا منذ عهد مينا، وحتى اليوم.

تلك الملحمة البطولية، كنز للدروس والعبر، لم تقدم جواهره للأجيال التي لم تعاصره بما يليق بقيمتها، وما يعزز من حصون الوعي في ظل عدوان جديد بأسلحة حديثة أكثر نعومة وأخطر فتكًا تُوجه إلى الروح المعنوية لهدم المجتمعات من الداخل.

تحتاج الأجيال المتعاقبة التي لم تعايش ذاك التحدي، ولم تره رؤية العين، لجهد مضاعف من مؤسسات الدولة تربوية ودينية وثقافية وإعلامية، عبر استراتيجية وطنية، لنقل خبرات ودورس تلك المعركة الخالدة، التي أنعم الله على مصر فيها بالانتصار لاستعادة كرامتها وكرامة الأمة العربية والإسلامية، لتفرض على المعتدين سلام القوة.

سر قوة شعب مصر، في وطنيته، وقدرته اللانهائية على تنامي صلابته، كلما دقت على جسده مطرقة التحديات، يتلاحم ويتشابك ويزداد قوة مع كل ضربة يظن العدو أنها تَفتُ في عضده.

نحتاج لاستراتيجية، تربط بين مسارات التحديات، وما قدم ويُقدم من تضحيات، فبطولات الأجداد والآباء يسير على خطاها الأحفاد، بيد أن قنابل دخان مواقع التواصل الاجتماعي، وقذائف الشائعات، ودراما التفاهات، وزخات رصاصات الحروب النفسية، خلقت حالة ضبابية، أعاقت الرؤية الحقيقية لحجم الإعجاز والإنجاز والبطولات والتضحيات التي قدمت من الأجداد والأحفاد.

فما التاريخ إلا خبرات الماضي، التي نستلهم من دراستها العميقة، ما يمنحنا القدرة على مواجهة تحديات الحاضر، لبلوغ مستقبل أفضل  بتوقعاته.

ولا شك أن الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال كلمته بالندوة التثقيفية رقم 36 التي نظمتها القوات المسلحة بمناسبة الذكرى 49 لانتصار أكتوبر المجيد، أراد من تأكيده على أن سنوات الحرب واستعادة الأرض، استمرت خمسة عشر عامًا، من 1967، وحتى العام 1982 لا كما يظنها البعض 6 سنوات.

وهنا تكمن الإشارة إلى أن الدولة المصرية وجهت اقتصاديات 15 عامًا للمجهود الحربي وإزالة آثار العدوان، على حساب مخصصات التنمية، في ظل زيادة سكانية لم تتوقف، فتعاظمت التحديات التي تواجه الدولة.

وهو ما أراده لنا أعداؤنا في حربنا المستمرة، حتى يومنا هذا، عندما استخدموا سلاح الإرهاب، مستهدفين تعطيل التنمية، مستخدمين قنابل الشائعات لتزييف الوعي وكسر الإرادة، أملًا في استثمار الأزمات الاقتصادية في نثر بذور اليأس والإحباط، ليتآكل المجتمع من الداخل وتحويله من سلاح فولاذي الإرادة عندما يتعرض الوطن لعدوان، إلى أداة هدم بنيان الدولة.

وهنا من المهم تقديم للأجيال المعاصرة والناشئة، قصة بطولات ملحمة أكتوبر، كيف واجه الشعب بكل فئاته، تحدي خسائر الضربة الصهيونية يونيو 1967، وفقدان سيناء وأراضٍ عربية، كيف كانت القذائف النفسية التي يطلقها العدو لكسر الإرادة المصرية، أكثر خطرًا من قذائف المقاتلات والدبابات والمدافع؟!

كيف أراد العدو أن يرسخ في الأذهان أنه هزم جيش مصر، بينما جيش مصر لم يُمنح فرصة القتال، كيف استخدمت النكات والسخرية اللاذعة بوعي وبلا وعي في تهديد الثقة في الذات، كيف كانت الأسر تقتطع من قوتها لاستضافة المهجرين، ودعم الإنتاج الحربي لاستعادة القوة وإزالة آثار العدوان، وتوجيه صفعات للعدو.

يجب أن ننقل للأجيال المعاصرة وأطفالنا، وكل أجيالنا القادمة، أدق تفاصيل التحديات، والحياة اليومية، بمحتوى دراسي وثقافي ودرامي وإعلامي، يُعزز حصون وعيهم، ويجعلهم فخورين بما قُدم من بطولات في الجبهات كافة.

نقل حقائق وخبرات، وربطها بدقة، بما يواجه الحاضر من تحديات، لاستلهام استراتيجيات وآليات قهر التحديات وصناعة المعجزات.

عاش جيل أكتوبر أحلك لحظات الحياة، خسارة معركة قبل أن نقاتل، ترتب عليها فقدان تاج رأس مصر، سيناء، التي تمثل سدس مساحتها وبوابتها الشرقية.

عاش جيل أكتوبر مرارة الانكسار، والحصار الاقتصادي، فتوقفت موارد قناة السويس، والسياحة، وتحول اقتصاد الدولة للمجهود الحربي.

عاش المقاتل التحدي الأخطر، تحت ضغط حرب نفسية، واتهامات بالهزيمة في معركة لم يتمكن من القتال بها.

فقدت مصر آلاف الشهداء، وسلاح الطيران، وباتت سماؤها مستباحة من طائرات العدو التي ارتكبت مجازر بحق المدنيين، ليس أدل عليها من مجزرة مدرسة "بحر البقر"، بمحافظة الشرقية.

أراد العدو لنا الاستسلام، ومن واقع  المسؤولية السياسية للرئيس جمال عبدالناصر، أعلن التنحي عن رئاسة البلاد، عائدًا لصفوف الشعب، يؤدي دوره فردًا من أفراده، لا قائدًا أعلى للقوات المسلحة، وكانت هذه لحظة من أخطر اللحظات، فكان قرار الشعب رفض التنحي وتكليفه بمهمة الإعداد للحرب لاستعادة الكرامة، فليس اليوم يوم الحساب، ولا التنازع على السلطة، اليوم يوم الوطن والتلاحم والإرادة.

قالها الشعب بأعلى صوته، سنقاتل، لاستعادة الأرض وتلقين العدو درسًا قاسيًا لن ينساه.

لم تكن الخطب الرنانة، ولا الشعارات والأمنيات، كفيلة لاستعادة ذرة تراب واحدة، بل كانت الإرادة الشعبية والسياسية، ثم التخطيط العلمي، وحشد قدرات الدولة المصرية كافة، والعمل والتضحيات، بالمال والدماء والأرواح، هي الآليات الحقيقية للانتصار.

لم تمر أيام حتى وجهت أولى الصفعات للعدو في معركة "رأس العش"، ليدرك أن قوة مصر في عنصرها البشري، ذلك المواطن والجندي المقاتل، الذي يتصدى بأقل الإمكانات لكتائب الدبابات، يدمر ويأسر ويؤلم من ظن أنه انتصر.

الإرادة، الكرامة، التضحية، المواطن المصري السلاح الأقوى في كل معارك مصر منذ عهد مينا، في مواجهة الهكسوس والرومان، والفرس والصهاينة، وحتى تنظيمات الإرهاب ومن خلفهم في عصرنا الحاضر. 

لتُدرك ذلك، طالع قصص بطولات جنود وقادة أكتوبر، كيف اتخذ القادة القرارات، وكيف أعادوا بناء القوات، كيف اعتمدوا على المقاتل برفع الكفاءة، وتجنيد خريجي الجامعات، وبناء حائط الصواريخ، كيف قاتل الشعب على الجبهة وفي المزارع والمصانع؟!

قصص الشهيد الحي، البطل عبدالجواد سويلم، الذي بُترت يده وقدمه وفقد عينه، وطلب العودة لاستكمال القتال، لكن كان هناك بطل آخر هو بطرس نسيم، الممرض الذي رافقه 90 يومًا متصلًا بالمستشفى، رافضًا تركه دقيقة واحدة لرعايته لاستكمال علاجه.

عبدالعاطي صائد الدبابات، الشهيد إبراهيم الرفاعي، والشهيد أحمد المنسي، الذي سار على دربه في معركة تطهير سيناء من الإرهاب.

أبطال المجموعة الصاعقة في معركة أبو عطوة، آلاف البطولات في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر وحرب مكافحة الإرهاب، بطولات ممتدة.

بطولات روى الناجون من الصهاينة تفاصيلها، بأنفسهم، فها هو أسد سيناء الشهيد جندي مقاتل سيد زكريا، يُكرّم بعد 23 عامًا من استشهاده، عندما قرر رجل أعمال إسرائيلي مقيم في ألمانيا، حضور حفل السفارة المصرية بانتصارات أكتوبر عام 1996، ليقدم للسفير المصري متعلقات الشهيد، ويروي للضيوف قصته، شاهدًا أمام الجميع ببطولة أسطورية سطرها الشهيد سيد زكريا.

وعن تلك البطولة وغيرها  للحديث- إن شاء الله- بقية.

[email protected]

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز