طارق رضوان
الأمة تخوض حرب وجود
بقلم : طارق رضوان
كما نرى. الفوضى تعم بشراسة على أرض عالمنا العربى. فوضى تُمَهد لوضع جديد وخرائط جديدة ودول جديدة. وضع مخيف لم يشهده العالم من قبل. كل أنواع حروب الفوضى مصحوبة بكل أنواع الأسلحة والذخيرة هبطت على رؤوسنا. حرب بالسلاح كغزو الأتراك المرتزقة لشمال سوريا، وحرب الانتفاضات من الداخل كما يحدث فى لبنان، وحرب السوشيال ميديا التى تتعرض لها مصر تحت مسمى حرب العقول. ولن يستقر الوضع إلّا عندما يُنفذ الغرب خططه ويُغَير كل وجْه المنطقة وخرائطها. والجيش المصرى هو الهدف. فهو العَقبة الأكبر والسَّدُّ المَنيع لكل المخططات.
الجيش هو المؤسسة الوحيدة القوية والمنضبطة والمنتظمة والمتقدمة علميًّا منذ انتصارها فى حرب أكتوبر العظيمة. كما أنه الجهة الوطنية الوحيدة التى تطمئن لها الدولة فى إدارة مشاريعها القومية. وهو القاعدة الأساسية لبناء الدولة القوية الحديثة. وهو الحامى والضامن لاستقرار البلاد وحماية استقلالها وأراضيها. وهو الجيش الوحيد الذى يمتاز تكوينه من الشعب كله بلا عِرقيات أو طائفية أو عائلية أو إثنية أو أيديولوجية. أى أنه جزء لا يتجزأ من نسيج الشعب. وهو أساس تكوين الدولة منذ فجر التاريخ. الجيش المصرى هو أول جيش فى الوجود تُبنَى عليه دولة.
ومنذ ظهوره للعلن وقت المؤامرة التى حدثت فى يناير 2011 وهو تحت القصف المنتظم. ظهوره فى اللحظة المناسبة حمَى الدولة من سقوطها المرعب. حماها من مجموعة خونة نظام جمهورية الفساد الذى أراد القضاء عليه تمامًا وحماها من الإخوان الفاشيست والأناركية المرتزقة ممن كانوا يريدون القضاء على الدولة لبنائها بشكل جديد كما خطط الغرب. وقف الجيش يحارب وحده. وقف الجيش يخطط ويتدبر ويفرز ويحتوى ويناور وينكمش ويهاجم حتى استقرت البلاد. قدَّمَ الجيش بطولات لا تُحصى نعرف بعضها ولا نعرف الكثير منها. فَهِمنا بعضها والكثير لم نفهمه لطبيعته فى إدارة أموره.
تعرَّض الجيش لهجوم شرس وصل لحد حصار وزارة الدفاع ومحاولة اقتحامها من الخونة والمرتزقة والإخوان والأناركية. ودافع عن نفسه وحده فى حين كان الجميع يحتمى فى بيوتهم اتقاءَ شَرّ الرصاص الذى راح يُلعلع فى سماء القاهرة. تحَمَّل الجيش وحده الحرب فى سيناء لتطهيرها والحفاظ على رمالها وقدسيتها بعد أن باعها الإخوان بثمَن بخس للاستخبارات العربية والغربية للسيطرة عليها لتكون ولاية مستقلة عن الدولة. دفع الجيش الثمَن وحده. وقدَّم راضيًا أنبل أبنائه شهداءً دون أن يشعر الشعب أن هناك حربًا دائرة لا يسمع عنها إلا عندما يُشَيَّع جثمان الشهداء. لم يكلف الجيش ميزانية الدولة مليمًا واحدًا فى حربه المقدسة وكان بإمكانه أن يعلن حالة الطوارئ ويتحول الاقتصاد المصرى لاقتصاد حرب كما حدث قبل نصر أكتوبر.
فالأرض كانت محتلة تمامًا كما احتلتها إسرائيل منذ النكسة. كانت محتلة بجيوش مرتزقة مختلفة هويتها يحكمها من الخارج دول أوروبية وآسيوية. وحده الجيش انتصر ولايزال يحقق انتصارات فى سيناء حتى تتطهر تمامًا من أعداء الأمَّة. تسع سنوات والجيش فى حالة تأهب واستعداد ويتعرض لأشرس الحروب فى العصر الحديث لإنهاك قُوَاه وتغيير عقيدته ليدخل حرب عصابات استطاع بمهارة ومرونة أن يواجه وينتصر ويجرجر الأعداء لفخ الهزيمة. فقد استوعب الجيش بسرعة وبعِلم مخطط أغراض العدو وتكتيكه فاستطاع سريعًا أن يحوّل الدفاع إلى هجوم شرس. فالحرب فى الحقيقة هى الهجوم.
الدفاع مجرد جملة اعتراضية مَهما طالت ووسيلة مَرحلية لا غاية نهائية لكسب الوقت حتى يتمكن الجانب الأضعف أو المُفاجَأ من تطوير قُواه إلى الهجوم. وكل دفاع يقف عند حد الدفاع البحت ولا يتعداه إلى الهجوم فى النهاية فهو فى أحسن الأحوال دفاع عن الوضع الراهن فقط ولا يمكن أن يخلق وضعًا جديدًا. الدفاع سلبى بالضرورة كما أن الإيجابية الفعالة هى الهجوم وحده.
والانتصار دائمًا يأتى من الهجوم. فالمهاجم والبادئ بالهجوم كقاعدة عامّة وأساسية فى كتاب الحرب هو الأقدر والأقوى على فرض إرادته وهو الأقرب إلى احتمالات النصر والأكثر تدميرًا للعدو حتى إن لم يخوضوها. وهو ما فعله الجيش سريعًا بعِلم وتجربة استمدت من انتصار أكتوبر. لذا فالعمود الفقرى لمصر هو الجيش. خلقت حوله مناخ عام للتشكيك واتهام سمعته وسمعة رجاله باتهامات كاذبة بلا دليل واحد من شخص موتور. الهدف منه فقدان ثقة الشعب فى قياداته بل هناك مخطط واضح وصريح لانقسام الجيش ليتفتت. ونسى العدو أن الجيش تحديدًا من المُقدسات المصرية عبر التاريخ. مقدسات كالحياة والموت والبعث والاستقرار ونهر النيل والجيش وقناة السويس. تلك هى مُقدسات الشعب. لا يمكن أن تهتز مشاعر الشعب أو يفقد ولاءه وإيمانه لهذه المُقدسات. وهو على استعداد أن يقدم حياته دفاعًا عنها.
كما أن رجال الجيش فى رباط ليوم الدين. والمخطط يستهدفه هو وحده. والهجوم المقصود به القضاء عليه لينسحب من الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تمهيدًا للقضاء عليه. ومن يدرى فقد تظهر حملة واسعة يقودها خونة للاستيلاء على مشاريع الجيش وإدارتها والاستيلاء على أراضيه بحجة أن الجيش وظيفته حماية الحدود ليبتعد نهائيّا عن إدارة البلاد سياسيّا واقتصاديّّا. وقد فك الجيش شفرة تلك الحرب القذرة.
ويتعامل معها بعقيدته ومَدرسته الحربية العريقة وبخبرته وإيمانه بالله وبالأمّة. يتعامل فى منتهَى القوة. والدور علينا. كلنا فى وضع المسئولية. وعلينا أن نوحّد الصفوف والهدف ونستبعد كل الضعفاء والمترددين والجبناء والجهلاء وفقراء الفكر وأصحاب الأعصاب المنفلتة والخونة والمرتزقة وكراكيب الماضى للدفاع عن أمتنا. الأمّة التى تتعرض للإبادة وسَحق هويتها وطبيعتها وخريطتها. فهذه اللحظة التاريخية التى نَمُرُّ بها. وهذه الأيام الفاصلة المشحونة بالانفعالات المتوقدة والتوتر المضرم والترقب المتلهّف قد لا تترك مجالًا للرؤية المتأنية ولا للفكر المتروى. وقد تغلب فيها شحنة العاطفة الدافقة والحماس المشتعل على طاقة العمل والرؤية وعلى بُعد النظر ووضوح الرؤية. إنه ليس وقتًا للحماس فقط، بل هو وقتٌ للفكر أيضًا. ليس وقتًا للتجربة، بل هو وقتٌ للعقل. بل ليس وقتًا للانفعال بقدر ما هو وقتٌ للفعل. علينا أن نرَى صورة المستقبل على الأقل فى صورته العريضة. ونفهم ونتدبر ما يُحَاك لمصر فى الظلام. لا بُدَّ أن يتقدم الصفوف العقول الوطنية الهادئة المبتكرة صاحبة الفكر والإبداع لصَدّ الهجوم.
لكل فرد فى هذه الدولة دورٌ ولو بالصمت. لا بُدَّ أن يعلن الشعب كلمته ويعلن الحرب على كل مخطط يريد أن يدمر بلاده. ويهدد استقراره ويومه. فقد بدأتْ الخطة الأولى وحققت المراد منها فى غفلة من الإعلام والثقافة والحياة المدنية. خطة هدفها الإرباك والتوتر والضغط على الأعصاب. وسيبدأ الهجوم الشامل فى ظرف أشهُر بعدد الأيام. علينا الهجوم الشرس سياسيّا وإعلاميّا وثقافيّا واجتماعيّا. هجومٌ عقلىٌّ على الأعداء فى الغرب وفى العالم العربى والحذر من الأصدقاء فى العلن ومن الأعداء فى الخفاء. هجوم بعقل وحذر وأعصاب هادئة وعقول مبتكرة فهى حرب الشعب. حرب وجود لو انهزمنا فيها لتقاعس أحدنا انتهت الدولة وضاعت وأصبحت مرتعًا للخونة وسماسرة الأوطان وللمرتزقة. الدولة مقبلة على حرب لا محالة وعلينا أن نبدأ بالهجوم بعد استيعاب الضربة الأولى الغادرة. إننا نخوض حرب وجود والنصر لنا كما يقول التاريخ.•