غادة نوارة
العلم لا يُكيل بالباذنجان
بقلم : غادة نوارة
" كالحمار يحمل أسفاراً " كنا نسمع هذا المثل ونحن في ابتدائي يقوله المدرسون لبعض التلاميذ الذين لا يهتمون بالتعليم ولا يُحصلون شيئاً منه ولا يؤدون واجباتهم، ولكن أن يكون هذا هو حال وواقع كثير من طلبة الجامعة فهو لشئ عجيب ومحزن في آن، والأعجب منه والأكثر حزناً أن يكون هذا هو حال طلبة كلية لغات حكومية من كليات القمة كما يُسميها المجتمع، كلية قمة يعني أن الطلبة الذين يلتحقون بها هم متفوقون وعباقرة، وكلية حكومية يعني أنها مجانية وتُكلف ميزانية الدولة مع باقي الكليات المجانية مليارات من الجنيهات بلا طائل من ورائها، وما حكته لي صديقتي الأستاذة في هذه الكلية لهو شئ يدعو للأسى والقلق على المستقبل .. تقول: "المشكلة ليست في المناهج التي تحتاج التطوير ولا في الأساتذة الذين يقومون بالتدريس ولا في المنظومة التعليمية التي يقولون أنها بشكل عام هي منظومة فاشلة؛ المشكلة تكمن في هؤلاء الطلبة الذين أبذل معهم مجهود غير عادي ليتعلموا حتى في اجازة الصيف أتواصل معهم على مواقع التواصل لكي يقرأوا ويسألوا ويتناقشوا ويكتسبوا اللغة، 15 طالب فقط من ضمن 300 طالب أدرس لهم هم المتفوقون الراغبون في التعلم والاستفادة وتنمية مهاراتهم والباقي ليس لديهم الدافع للتعلم واكتساب المعرفة وتطوير مهاراتهم، وغياب الهدف لديهم من التعلم والالتحاق بهذه الكلية بالتحديد، فطالبة تقول التحقت بالكلية ارضاءً لوالدي، وطالبة أخرى تقول التحقت بها بالرغم من عدم حبي للغات لمجرد المجموع، وأخرى تقول أن في مجتمعها الريفي وعند الزواج العروسة التي خريجة التجارة أفضل من خريجة الحقوق والعروسة خريجة الألسن أفضل من خريجة الآداب وهكذا .. أما الطلبة فتختلف أسباب التحاقهم بالكلية منهم من يبحث عن مجرد شهادة ولا يهتم بالتعلم من أساسه المهم الحصول على الشهادة وفي كل الأحوال لن يعمل بهذه الشهادة ... جاءني أحد الطلبة يقول أنا لازم أنجح السنة دي، دي خامس سنة لي في أعيد سنة ثالثة ولو ما نجحتش هيفصلوني من الجامعة، وآخر لا يعرف أي شئ عن مواده الدراسية ولا المناهج فهو يعمل ويريد الحصول على الشهادة فقط ولا أعلم هل سيبروزها أم سيبلها ويشرب ماءها، هؤلاء الطلبة الغش واللامبالاة والسلبية أسلوب حياتهم، ليس لديهم القدرة على البحث ولا الابتكار ولا التفكير ولا يذهبون إلى المكتبة ولا يقرأون حتى مناهجهم، أراهم على مواقع التواصل الاجتماعي ليلة الامتحان يستغيثون بزملائهم الطلبة المتفوقين ليعرفوا ماذا هم فاعلون في تلك المادة؟ ويحفظوا بعض الجمل ويكتبوها في أوراق الاجابة، وأثناء التصحيح أكتشف أن أحد الطلبة الفاشلين قد كتب على ورقة اجابته اسم طالب آخر متفوق، وأوراق أجدها نسخ مكررة من بعضها البعض، وآخرين أجد اجاباتهم نسخة من نماذج اجابات لأسئلة أعطيتها لهم ولا يضيفوا كلمة حتى من مخهم".
انتهى كلام صديقتي ... نعرف كلنا التدهور الذي حدث في المنظومة التعليمية بشكل عام سواء التعليم الجامعي أو ما قبله على مدى العقود السابقة والذي أدى لخروج جامعاتنا من قائمة أفضل 500 جامعة على مستوى العالم، ولأن المجتمع كلة مسئول عن الحال السئ الذي وصل إليه الكثير من الشباب؛ من منظومة تعليمية متدهورة وغياب دور الأسرة، والجو العام في المجتمع أدى إلى هذه الحالة من فن ردئ واعلام سئ وفساد متغلغل في كل مكان وقدوة سيئة تشجع على الحل السحري للوصول لملايين الجنيهات والمجد والشهرة جعل هؤلاء الشباب ضائعاً هائماً على وجهه لا يُقدر العلم ولا يعرف قيمة العمل ولا يعرف ماذا يريد وماذا يفعل في هذا المجتمع الذي بات عبء عليه؟وأعني في حديثي هنا التعليم الحكومي المجاني وليس الأقسام المتميزة التي يتخرج فيها طلبة متميزون ينافسون في السوق المحلي بل والعالمي.
ونحن في القرن الواحد والعشرين وكثير من الدول يتنافسون في السيطرة على الفضاء ونسمع كل يوم عن التقدم التكنولوجي المذهل الذي يحققوه والاختراعات والاكتشافات الجديدة التي يخترعونها ونستخدمها على الجاهز، لا يدرك الكثير من شبابنا أن العلم هو أحد مقومات الحياة وأنه هو السبيل الوحيد لبقائنا ووجودنا، فماذا ننتظر من طالب يرسب خمس مرات في السنة الواحدة وبدلاً من استذكار دروسه يجري على الأستاذة يستدر عطفها كي يضمن نجاحه في مادتها؟ .. والحمد لله أنه لم يبق 14 سنة كما فعل الفنان عادل امام في الثانوية العامة في المسرحية الشهيرة! .. كيف يكون هذا حال الطلبة المفترض أنهم متفوقون وعباقرة، إذا كان هذا حال طلبة كليات القمة فكيف سيكون حال الطلبة الذين بالكاد نجحوا وبالرأفة وكيف سيكون حال طلبة المعاهد وما هو حال طلبة التعليم المتوسط والدبلومات الفنية؟ هل هؤلاء هم سواعد الغد ورجال المستقبل، فكيف سيبني هؤلاء بلدنا ومازال الكثير منهم يجلسون على المقاهي التي تملأ مجتمعنا وباتت تشكل خطراً علينا وبالطبع لا يعرف هؤلاء الألف من كوز الذرة.
وعلى الدولة إعادة النظر في التعليم الجامعي المجاني، فيجب أن يصبح هذا التعليم المجاني لمن يستحقه فقط من الطلبة المتفوقين والقادرين مادياً، وهذا بالطبع بعد اصلاح وتطوير التعليم ما قبل الجامعي ليتخرج الطالب من المدرسة ويكون مؤهل للدخول إلى سوق العمل كما يحدث في معظم الدول في العالم من حولنا.
عندما نتصفح صفحات التاريخ قديماً وحديثاً فسنجد بالطبع علاقة طردية أو ارتباط وثيق بين الاهتمام بالعلم وتقدم الدول وتحضر الشعوب، فلا توجد أمة جاهلة ومتقدمة، فلم تنشأ أول حضارة في التاريخ إلا عندما اهتم أجدادنا الفراعنة بالعلوم المختلفة، ولذلك قامت هذه الحضارة التي أبهرت ولازالت تُبهر العالم أجمع، وقد جعل الله العلم فريضة على كل مسلم ولذلك فأول كلمة أنزلها الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كانت " إقرأ " وقال الله تعالى في محكم آياته " هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون " فالاهتمام بالتعليم يكون هو طوق النجاة لنخرج من عثرتنا .. فبالعلم تنهض الشعوب وتتقدم الأمم.