د. فتحي شمس الدين
نقابة للإعلاميين أم نقابة لرجال الإعمال
بقلم : د. فتحي شمس الدين
أثارت الأنباء عن مناقشة قانون نقابة الإعلاميين غضب كبير لدى قطاع الدارسين والمهتمين بالمجال الإعلامي وذلك الأمر يرجع إلى الأنباء المتداولة عن عدم إتاحة الفرصة لأستاذة الإعلام الذين يقومون بتدريسه وكذلك طلاب الإعلام الذين يقومون بدراسته للانضمام لتلك النقابة, بما يعمل على فقد هذا الكيان لمعناه ومغزى إقامته!! حيث من له الفرصة للانضمام لتلك النقابة وفقا لنص مشروعها هو الذي يكون حاصلا على مؤهل عال أو - وضع خطا تحت كلمه أو- أن يكون مارس العمل الإعلامي مدة عشر سنوات متصلة حتى ولو كان حاصلا على الابتدائية!! بما يعنى وبكل صراحة أن الإعلام أصبح ومع الأسف مهنه من لا مهنة له !!
والنقابة في معناها العام هي هيئة قانونية تتكون من مجموعة من المواطنين الذين يتعاطون مهنة واحدة أو مهن متقاربة. فهي جمعية تُشكل لأغراض المساومة الجماعية بشأن شروط الاستخدام ولراعية مصالح أعضائها الاقتصادية والاجتماعية عن طريق الضغط على الحكومات والهيئات التشريعية والالتجاء إلى العمل السياسي في بعض حالات معينة, بالإضافة إلى أنها تقوم بدور في غاية الأهمية وهو حماية المهنة التي تنشاء من أجلها وضمان وجود إطار تنظيمي وقانوني لها يعمل على تقويما في حاله الخروج عن النص أو الإشادة بها وتعظيم منافعها في حاله الإجادة, وإذا نظرنا إلى ذلك الأمر في نقابة الإعلاميين المزمع إنشائها فهي لا تحقق هذا الأمر بتاتا وذلك نتيجة العوار الشديد بها, وبالتالي ينبغي على مجلس النواب أن يغير أسم هذه النقابة ليصبح نقابة العاملين بماسبيرو مثلا أو نقابة المشتغلين في القنوات الفضائية أو أي أسم أخر لأن هذه النقابة لا تعبر باسمها الحالي عن نقابة الإعلاميين حيث أنها وبكل سهولة ستصبح أداة في يد رجال الأعمال بما يؤثر على الدولة وتوجهاتها ولن تعبر عن الإعلاميين أو المهتمين بالشأن الإعلامي, وكذلك لن تعمل على تحسين مناخ الإعلام في مصر.
لنتفق على أن ظهور نقابة الإعلاميين تأخر كثيرا مما أثر بالسلب على مهنة الإعلام حتى أصبحت بلا ضابط أو رابط، ولك أن تتخيل كيف لمثل هذه المهنة الحساسة والتي يمكنها التأثير على كل مناحي الحياة وعلى مرحلة البناء التي تعيشها مصر حاليا أن تكون بلا ضوابط تحكمها. ومن المؤكد أن ظهور هذه النقابة للنور سيوفر حالة من الاستقرار في الأداء الإعلامي - إذا ظهرت بشكلها الأمثل- بما يعود على المجتمع بالإيجاب، فالمجال الإعلامي ليس أقل من مجالات كثيرة لديها نقابات تقدم لهم الخدمات الاجتماعية المتنوعة وتحاسبهم وتعاقبهم وقت الخطأ. لكن مشروع قانون هذه النقابة لم يعمل على تحقيق هذا الهدف إنما يشعر المراقب أنه تعمل على تحقيق أهداف معينه ستؤثر على الدولة في الفترة القادمة.
فمن أهم أهداف إنشاء نقابة للإعلاميين هو خلق حاله من التوازن في المجتمع المصري بين وضع الإعلام المقروء وما تمثله نقابة الصحفيين والإعلام المرئي وما يمثله نقابة الإعلاميين بما يعمل على ضمان التوازن في عرض الرؤى والأفكار والتناول وعدم تحول أي منهما إلى أداة ضغط على الدولة بأي شكل من الممكن أن يحدث, وبما يضمن ضبط أداء العملية الإعلامية وفقا لمواثيق الشرف التي تهدف إلى تقديم رسالة إعلامية تنبثق من خلال المسؤولية المجتمعية تجاه المواطن والدولة.
وتخيل معي عزيز القارئ وأنت لا يخفى عليك وضع الإعلام الحالي وتحوله إلى إعلام للمصالح يعمل على تحقيق مصالح من يديره من رجال أعمال دون النظر إلى مصلحه الوطن, تخيل معي لو أن نقابة الإعلاميين ظهرت بشكلها الحالي وأصبح في عضويتها العاملين في القنوات الفضائية التي يملكها رجال الأعمال والذي يتيح لهم القانون أن يكون لكل شركة 7 قنوات على عكس ما هو متبع في العالم أن لكل شركه قناة واحده, لك أن تتخيل ولاء هؤلاء المنضمين للنقابة سيكون لمن!!؟ للدولة ؟؟ لا أعتقد ذلك! فولائهم سيكون لرجل الأعمال الذي يملك قناتهم ويعمل على دفع أجورهم وبالتالي ستتحول نقابة الإعلاميين لأداه للضغط على الدولة من خلال تحول الكيان لجماعة ضغط وجماعة مصالح.
إذا يبقي السؤال من ستكون لدية القدرة أن يحمي الدولة ويحمي المهنة من هذا التغول والجور؟؟ الإجابة بكل بساطه هم أستاذة الإعلام وخريجي كليات الإعلام المتجردون من أي مصالح سوى مصلحة الحفاظ على المهنة والعمل على الارتقاء بها, وإذا رأت لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب أنه لن ينضم لنقابة الإعلاميين سوى من يعمل في المجال الإعلامي يجب عليهم وضع قانون ينص على ألا يعمل بالإعلام سوى خريجي كليات الإعلام فقط, فلماذا لا نتخيل أن يقوم أي خريج من أي كلية بالعمل في مجال الطب سوى خريجي كليات الطب فقط وهو الأمر الذي يعرض حياه شخص واحد للخطر ونترك لأي شخص أن يعمل في مجال الإعلام وهو بذلك يعرض حياه الوطن أجمعه للخطر!!
إن موضع إنشاء نقابة للإعلاميين خطير جدا وله عدة أبعاد يجب على الدولة أن تنظر إليها بكل أهمية كما يجب على مجلس النواب - الذي لم يعبر حتى الآن عن نبض من انتخبوه بصورة حقيقة- أن يعيد النظر في ذلك المشروع المزمع لإنشاء نقابه للإعلاميين من أجل الحفاظ على مستقبل المهنة ومن جهة أخرى ضمان عدم تحولها لأداة ضغط على الدولة في المستقبل, بحيث تصبح أداه لإعلام وطني يعمل على بناء الدولة ولا يتحول لحجر عثر أمام تقدمها وتطورها.
*مدرس الإذاعة والتليفزيون - جامعه بنها
*مستشار إعلامي بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار - مجلس الوزراء