د. فتحي شمس الدين
أفيخاي أدرعي والسيطرة على عقول الشباب المصري
بقلم : د. فتحي شمس الدين
عندما دخلت الحملة الفرنسية إلى مصر أصدرت نداء إلى الشعب بالهدوء والتعاون معها وأن نابليون قائد الحملة قد اعتنق الإسلام وأصبح صديق وحامي له. وراح نابليون يذيع منشورا على أهالي مصر تحدث فيه عن سبب قدومه لغزو بلادهم وهو تخليص مصر من طغيان المماليك الذين يتسلطون في البلاد المصرية، وأكد في منشوره على احترامه للإسلام والمسلمين، وبدأ المنشور بالشهادتين وحرص على إظهار إسلامه وإسلام جنده، هذه الطريقة كانت محاولة لمداعبة المشاعر الإيمانية ومخاطبة المصرين بلغتهم والعمل على خلق جيل ينظر إلي المحتل الفرنسي على أنه منقذ وليس عدو, ونجد أن نفس الإستراتيجية لا تزال تستخدم حتى الآن وبنفس الطريقة التقليدية خاصة من إسرائيل والتي اهتمت منذ نشأتها بالتواصل مع الجمهور العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص بلغته، وظهر ذلك جليًا في تأسيسها لإذاعة "صوت إسرائيل" باللغة العربية، والتي عمل بها في بدايتها مذيعون يهود بأسماء عربية، ومع اتساع دائرة استخدام شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي لجأت الحكومة الإسرائيلية لتدشين عدد من المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي باللغة العربية، للتواصل مع الجمهور العربي، بلغته وثقافته، مُستغلة حالة الفضول التي تنتاب الكثير من الشباب العربي تجاه كل ما هو إسرائيلي, فتم إنشاء صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية"، التي تأسست لتكون "صفحة فيس بوك الرسمية بالعربية لدولة إسرائيل"، وتعد صفحة أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم جيش الاحتلال لوسائل الإعلام العربية، من أهم وأخطر الصفحات الإسرائيلية الناطقة بالعربية على شبكات التواصل الاجتماعي، ورغم أن الصفحة لا تعبر عن انجازات "لأدرعي"، بقدر ما تعبر عن وحدة "الناطق باسم جيش الدفاع"، في الجيش الإسرائيلي، إلا أن الأمر لا ينفي دقة اختيار أدرعي، وخضوعه لتدريب متواصل ومستمر، يظهر من خلال متابعة تطور أدائه على الصفحة منذ انطلاقها في 2011.
انطلقت الصفحة في عام 2011، وهو نفس عام انطلاق ما يسمى بـ”الربيع العربي”، وتصدر الشباب العربي والمصري المشهد، وهو أمر له دلالة خطيرة، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار اللغة، غير الرسمية، التي يتحدث بها أدرعي، على عكس نظرائه في الجيوش الأخرى، أو حتى في الجيش الإسرائيلي نفسه، حيث أنه من المفترض أن تكون لغة الصفحة العبرية وليس العربية! فالرائد الشاب يتحدث بلغة شبابية كالتي يتحدثها الشباب المصري، بل يستخدم نفس المصطلحات والتعبيرات الشعبية الدارجة.
استطاع "أفيخاي أدرعي" أن يتحول من متحدث عسكري، في عيون الشباب المصري، التي -يتجاوز متابعين الصفحة أكثر من مليون شاب معظمهم من جيل 18: 35 عامًا - إلى شاب مرح، لطيف، مثقف، و«ابن نكتة»، يحتسي قهوة عربية وهو يستمع إلى أغنية عمرو دياب الشهيرة قمرين، ويسمع أم كلثوم ليلًا، وشخص متسامح يحتفي بكافة الأعياد سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو درزية أو يهودية بالطبع، وحتى الأعياد غير الدينية مثل عيد الأم، ويقدم التهاني باسم الجيش, بل ويشجع المنتخب المصري لكره القدم.!! وهو أمر بالغ الخطورة يؤكد حجم الاهتمام لاختراق عقول الشباب المصري. يعتمد "أدرعي" على إبهار الشباب العربي ، باطلاعه الكبير على الثقافة العربية، والديانة الإسلامية، فيكتب في بعض الأحيان آيات قرآنية، وفي أحيان أخرى يهنئ المُسلمين بحلول يوم الجمعة، بجملته الشهيرة «جمعة مباركة»، ويظهر متسامحًا طوال الوقت باستخدام مصطلحات “صديقي المسلم”، “صديقي المسيحي”، “صديقي اللبناني”، إلخ.
التطوير المستمر الذي يتم "لأفيخاي" ولصفحته على فيس بوك، بدأ يظهر بعد شهور قليلة من إطلاق الصفحة، حيث بدأ أدرعي في استخدام صور أكثر احترافية للجيش الإسرائيلي في 2012، كما أصبح أكثر احترافية في توظيف هذه الصور، لإيصال عدة رسائل، من بينها أن الجيش الإسرائيلي هو جيش أخلاقي، وذو وجه إنساني سواء في الأراضي المحتلة أو في دول أخرى "يهرع جيش الدفاع لمساعدتها عند مواجهتها أي كوارث" مع التأكيد على أن الجيش الإسرائيلي جيش مقاتل لا يقهر، فيظهر الجنود دائمًا في حالة جاهزية، حتى في أسوأ الظروف الجوية، ويظهر التسليح الكامل حتى للقادة الكبار أثناء جولاتهم، كما يهتم بجودة الصورة، ويعتمد في نفس الوقت على إظهار جمال الطبيعة حتى لو كانت الصورة صحراء، وفي نفس الوقت يتعمد دائمًا إظهار الجندي الإسرائيلي مبتسمًا ومقبلًا على الحياة . ومن بين الرسائل الأخرى المتعلقة بالجيش هي التركيز على كونه جيش للدولة الإسرائيلية ويدافع عن كل المواطنين في إسرائيل، في إشارة إلى جيوش في المنطقة أصبح الإعلام يتعامل معها على أنها ميلشيات تابعة لنظام، أو جيوش انقلابية، بما يعمل على تشويه صورتها داخل بلدانها, وفي هذا السياق أيضًا يهتم "أفيخاي" أكثر بالجندي الإسرائيلي أكثر من القادة، فيبرز دائمًا صورهم وقصص بعضهم.وهو الأمر الذي يخلق صورة ذهنية إيجابية عند أجيال الشباب المتابع والذي يقف مبهورا أمام كل ما يتم تقديمه عبر شبكات التواصل الاجتماعي دون النظر لأي أبعاد أخرى.
يستخدم الجيش الإسرائيلي صفحة "أفيخاي أدرعي" في توجيه وسائل الإعلام والشباب العربي المتابع حيث يتم إيهام المتابع للصفحة سواء كان إعلاميا أو شابا عاديا بأنه يقدم له معلومات لا أحد يعرفها سواه، مستخدمًا عناوين من نوعية: تعرف كيف نفذ الجيش كذا، أو فيديو يكشف كذا، وهو ما يجعل الصحفيين المصريين ينشرون هذه الأشياء باعتبارها معلومات هامة يتم الكشف عنها إسرائيليًا، ويجعل الشباب أيضًا يتداولون هذه المقاطع على شبكات التواصل الاجتماعي لتنتشر بسرعة هائلة وتنتشر معها الرواية الإسرائيلية.أيضًا يعتمد "أفيخاي" على طريقة وضع المتابع في موقع الحدث، عن طريق نشر مقاطع فيديو لعمليات يقوم بها الجنود الإسرائيليين، إلخ. كما يعتمد على تبسيط المعلومات باستخدام الصور والإنفوجراف بدلًا عن السرد الطويل، ما يجعل المعلومات أسهل لمتابع الصفحة، الذي ينشرها فيما بعد، لتنتشر الرواية الإسرائيلية للأشياء.
ما يقوم به أفيخاي أدرعي يتم بشكل ممنهج، يهدف إلى اختراق عقول الشباب العربي، وإبهاره بإسرائيل "الديمقراطية والمتقدمة والتعددية"، و"صاحبة التاريخ والحق في أرض فلسطين"، كما يعمل على إظهار جيشها كجيش أخلاقي .وهو الأمر الذي يجري دراسته والترتيب له جيدًا، لتحقيق الأثر المرجو، والخطر الأكبر ليس فيما يكتبه "أفيخاي"، وإنما في أجيال شابة جديدة ترى في جيش إسرائيل جيشًا لطيفًا يمثله "أفيخاي" الذي يحب عمرو دياب وأم كلثوم، وليس جيشًا قاتلًا يمثله موشي ديان وغيره من المجرمين كما رأته الأجيال السابقة.. أجيال تتحول دون أن تشعر إلى موظفي علاقات عامة داعمين للجيش الإسرائيلي، دون أن تدري، عن طريق نشر ومشاركة الأكاذيب التي ينشرها "أفيخاي" على صفحته دون أي تفنيد أو توضيح وهو الأمر الذي يجب الانتباه إلية حيث أن شبكات التواصل أصبحت من القوه الناعمة للدول ولديها قدرة تأثير تكاد تفوق القدرات العسكرية في بعض الأحيان. فالأجيال الشابة الجديدة يتم غسل عقلها من خلال شبكات التواصل الاجتماعي ويسهل استخدامها كأدوات لتفتيت الدول من الداخل ما لم تجد الرأي الأخر الذي يوجهها إلى الطريق ويعطيها المعلومة الصحيحة.
*مدرس الإعلام بجامعة بنها