د. فتحي شمس الدين
الواقع المعزز ولعبة بوكيمون Go
بقلم : د. فتحي شمس الدين
أثارت لعبة "بوكيومون Go" حالة كبيرة من اللغط في العالم, حيث تحولت لهوس كبير لدى العديد من القطاعات خاصة الشبابية منها, ويكفي أن تعرف أن الإحصائيات تشير إلى أنه خلال أيام من طرح اللعبة فاق عدد مستخدميها الجدد عدد مستخدمي تويتر، وأن معدل الوقت الذي يقضيه المستخدمون في لعبة "بوكيمون Go " 43 دقيقة يوميا، أي أكثر مما يقضونه على واتساب (30 دقيقة) وسناب تشات (22 دقيقة).
وتعتبر "بوكيمون Go" هي البداية الحقيقية لما يعرف بالواقع المعزز(Augmented Reality) نتيجة انتشارها الكبير, وهو الواقع والذي سيتطور بصورة كبيرة في الفترة القادمة خاصة مع ظهور الجيل الثالث من الإنترنت (Semantic Web), الأمر الذي سيؤثر على طبيعة المجتمعات وطبيعة الثقافة بها, وطريقة تعامل الأفراد مع الواقع المحيط بهم. والواقع المعزز هو نوع من الواقع الافتراضي الذي يهدف إلى تكرار البيئة الحقيقية في الحاسوب وتعزيزها بمعطيات افتراضية لم تكن جزءا منها. وبعبارة أخرى، فنظام الواقع المعزز يولد عرضا مركبا للمستخدم يمزج بين المشهد الحقيقي الذي ينظر إليه المستخدم والمشهد الظاهري التي تم إنشاؤه بواسطة الحاسوب, وهو ما يتضح بصورة كبيرة في لعبة "بوكيومون Go".
إلا أنه وعلى الرغم من الانتشار الكبير للعبه "بوكيومون Go" يوجد عدة نقاط يجب النظر إليها والتوقف عندها خاصة من الجانب الأمني وذلك عند التعامل مع اللعبة الحالية أو اللعب التي ستظهر قريبا من نفس النوع, ونجد بالمثال على لعبة "بوكيومون Go" أنه: بعد تحميل اللعبة يأتي للمستخدم إشعار ينبهه إلى أنه سيتم استخدام المعلومات الموجودة على حسابه في جوجل، وهو ما يعني انتهاك خصوصيته. خاصة وأن جوجل تقوم باستخدام كافة المعلومات التي ترتبط بالمستخدم خاصة في الجوانب التجارية وهو ما يفتح الباب أمام استخدامها عسكريا أيضا, ووفقا للموقع الأمريكى Fortune"" أنه عندما يسجل بعض مستخدمي اللعبة على نظام ios الدخول من خلال جوجل، يعطوا شركة Niantic"" المطورة للعبة حق الوصول الكامل إلى حسابهم بما في ذلك المعلومات الخاصة بالبحث بمحرك جوجل وخرائط جوجل وصور جوجل وغيرها من ميزات جوجل، مما يعطى الشركة القدرة على قراءة وإرسال رسائل البريد الإلكتروني، وحتى عرض سجلات البحث والتصفح الخاصة بالمستخدم.
بعد إطلاق لعبة "بوكيومون Go" عقبتها سلسلة من جرائم السرقة خاصة في الولايات المتحدة، حيث تربص اللصوص باللاعبين الشاردين أثناء بحثهم عن البوكيمون، وعن طريق تقنية الضوء الإرشادي يقوم المجرمون باستدراج ضحاياهم إلى مناطق مهجورة لسرقتهم، وهو الأمر الذي يتوقع أن تستخدمه عصابات خطف الأطفال وعصابات سرقة الأعضاء, خاصة وأن الأطفال يكونوا في حالة عدم تركيز وهم يلعبون.
تتطلب لعبة "بوكيومون Go" فتح الكاميرا أثناء اللعب، وكذلك فتح جهاز تحديد المواقع (gps) حيث ترشد خرائط اللعبة المتصلة بالإنترنت اللاعبين للإمساك بـ”البوكيمون”، ولكن في الحقيقة يقوم اللاعب بتصوير منزله والشوارع بصورة تفصيلية، وكافة المنشآت الحكومية والوزارات وغيرها على مدار الساعة. بحيث يمكن بكل سهوله تجنيد الشباب لخدمة أغراض تجسسيه في الشوارع والعديد من المنشآت الهامة دون أن يعلم، وكل ما يخطر بباله أنها مجرد لعبة على الإنترنت ولا يدري أنه ينقل الصورة على الهواء مباشرة لأخطر الأجهزة الأمنية من خلال الإنترنت, وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على الأمن القومي للدول.
لكن كل هذه النقاط لا تعني عدم وجود أي مميزات للألعاب التي تعتمد على الواقع المعزز خاصة لعبة "بوكيومون Go", حيت أنها تعتمد على أحدث ما توصل إليه الإبداع الفكري في مجال التطوير التكنولوجي والعمل على ربط الواقع الحقيقي بالواقع الافتراضي, وكذلك تفيد في رفع معدلات الحركة لمستخدمي الألعاب بعد أن كان الإنتقاد الأساسي للألعاب الالكترونية أنها لا تعتمد على الحركة وتزيد معدلات البدانة خاصة للأطفال.
الواقع التكنولوجي الجديد هو تطور لا مفر منه, لا يمكن أن نتغافل عنه أو أن نمنعه, وبالتالي يجب علينا أن تكون لدينا رؤية للتعامل مع هذا الواقع وتحدياته, فيجب أن تكون هناك عمليات توعيه للاستخدام وتوضيح مميزات وعيوب ومخاطر التكنولوجيا الحديثة, هذا بالإضافة إلى العمل على استغلال هذه التكنولوجيا لتحقيق الأغراض التنموية بصورة كبيرة, ويجب دائما أن نضع في اعتبارنا مقولة "إن لم نكن منتجين للتكنولوجيا فعلى الأقل يجب علينا أن نتعلم كيف نتعامل معها".
* مدرس الإعلام بجامعة بنها