غادة نوارة
لا تغضب
بقلم : غادة نوارة
كم من شخص تهور في لحظة غضب وأدى تهوره هذا لوقوعه في مشاكل، أو ارتكاب أفعال مشينة يندم عليها، مثل سب بعضنا البعض أو سب الدين والذي يؤدي للخروج من الملة، وقد يؤدي لقطع صلات قرابة وتوتر علاقات متينة وقوية، وقد تؤدي لحظات الغضب هذه للطلاق بين الزوجين وهدم الأسرة، أو تؤدي لجرائم قتل وعنف، فإن لم نستطع كبح جماح أنفسنا والتحكم في ردود أفعالنا، والسيطرة على لحظات الغضب هذه قد يتطور غضب البعض ويتصرف هؤلاء كالمجانين وذلك عندما تصل ردود الأفعال هذه لمرحلة سيئة من التراشق بالألسنة والاشتباك بالأيدي، وبالطبع فالأسباب التي تؤدي إلى الغضب لا حصر لها، وقد يؤدي عدم التوازن في حياتنا إلى زيادة سلوكنا العدواني، وكل يوم نرى ونعيش الكثير من المواقف العنيفة هذه في كل مكان في البيت والشارع والعمل وفي وسائل المواصلات وفي الأسواق، ولذلك علينا مواجهة هذه المواقف بحكمة وهدوء حتى لا نقع فريسة لهذا العنف الذي صار علينا التعايش معه. والغضب هو حالة نفسية تبعث على هياج الإنسان وثورته قولاً أو عملاً، وهو مفتاح الشرور ومنبع الآثام، ويعرفه علماء النفس بأنه تصرف لا شعوري، وانفعال يهيج الأعصاب ويحرك العواطف ويعطل التفكير ويفقد الاتزان، ويؤدي لأضرار جسدية مثل زيادة ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم واضطراب الأعضاء، وقد يؤدي إلى تجلط الدم أو مرض السكري أو سكتة مميتة. ولكن كيف نروض أنفسنا ونتعود على التحكم في أعصابنا وانفعالاتنا وتحويل لحظات الغضب هذه إلى فرص لاكتساب الحسنات؟؟ وضع الله سبحانه وتعالى ونبيه سيد الخلق أجمعين قبل أربعة عشر قرناً من الزمان قواعد إن اتبعناها سيطرنا على هذا الغضب .. فهناك منهج إلهي ونبوي للوقاية من الغضب وعلاجه لتخفيف آثار توتر المواقف والعنف الذي قد ينتج عنها، والقرآن المجيد غني بالآيات التي تحث على كظم الغيظ، وأكد الله عز وجل على ثواب من يكظم غيظه ابتغاء وجهه سبحانه وتعالى، ووضح مكانة الكاظمين الغيظ فهم من المتقين الذين أعد لهم الجنة، ووضع أيضاً منهج للعلاج من الغضب وأولها الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم " وإما ينزغنك الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم" وأمر الله بدفع السيئة بالحسنة حينها قد يصبح العدو ولي حميم. أما المنهج النبوي فهذا الحديث يأمر بعدم الغضب .. أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل يُدخلني الجنة ولا تُكثر علي. قال: " لا تغضب " فردد ذلك مراراً. كل ذلك يقول: " لا تغضب " فهذا يدل على أن الغضب يجمع الشر كله وتركه يؤدي إلى الخير، ولذلك ربط عليه السلام بين دخول الجنة والسيطرة على الغضب. وهناك الكثير من الأحاديث لعلاج الغضب فقال عليه الصلاة والسلام: " إذا غضب الرجل فقال أعوذ بالله سكن غضبه" وقال عليه الصلاة والسلام: إذا غضب أحدكم فليسكت" لأن الغضبان قد يأتي بتصرفات خاطئة قد يندم عليها، وقال: "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع" فتغيير هيئة الإنسان من الوقوف إلى الجلوس قد يقلل من حدة غضبه، وقال عليه الصلاة والسلام: " إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خُلق من النار وإنما تُطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " وقد اكتشف العلماء حديثاً تأثير الماء على إزالة أي توتر عصبي أو انفعال نفسي أو غضب. وقال عليه الصلاة والسلام: " من كظم غيظاً وهو قادر على أن يُنفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخيره من الحور العين ما شاء "وقال عليه السلام: " ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " ومن هذه الآيات القرآنية ومن السيرة النبوية علينا تعلم كيفية كبح جماح نفوسنا والتغلب على فوران مشاعرنا قبل اشتعال المواقف، والقدرة الحقيقة هي السيطرة على النفس عند الغضب، والعفو عند المقدرة ومقابلة السيئة بالحسنة بدلاً من مقابلة الإساءة بإساءة مثلها .. عندها نستطيع القول أننا نتخلق بأخلاق رسولنا الكريم عليه أفضل صلاة وأذكى سلام، ولنتخذ من شهر رمضان الكريم فرصة للتدرب على كظم الغيظ والتحكم في الغضب، فليس الصيام فقط عن الطعام والشراب والشهوات، ولكن أيضاً الصيام عن الإتيان بأي قول سوء أو فعل مشين لنصل لمجتمع يسوده الود والتسامح والتراحم، وكل عام وأنتم بخير.