عاجل
الأربعاء 26 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مثلث الخراب الحكومي .. إلى متى؟؟

مثلث الخراب الحكومي .. إلى متى؟؟

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

مثلث الخراب الحكومي هو أبلغ تعبير لما يدور في الأروقة الحكومية وهو تعبير أحسبه دقيقا ومتطابقا مع ما تعانيه معظم المؤسسات الحكومية سواء كانت مؤسسات خدمية أو اقتصادية والتي تتداخل وتنقسم لأنواع كثيرة أهمها التجارية والصناعية والزراعية ، والحديث عن كل نوع منها طويل ومتشعب ولكننا اليوم نتوقف عند الصداع المزمن والمجال المتهاوي والمتزايد الفشل والانهيار بلا حدود وهو الصناعة القومية المصرية وهي الأكثر تضررا بمثلث الخراب الحكومي والتي كان من المفترض بحجم مصانعها وقدراتها الفعلية أن تكون قاطرة الاقتصاد العظمى ، ولكنها تحولت لقاطرة الهدم والتخريب والاستنزاف للموارد والدخل القومي وعنوانا للبطالة المقنعة وملاذا للفشلة وكهفا للفساد لا يجرؤ مسئول أو حتى صحفي على دخوله أو الاقتراب منه للخوف من الأباطرة حراس الخراب ، وتنحصر أسباب الخراب في المؤسسات الصناعية الحكومية في عنصر الإدارة فقط ولا سواها ، فالمؤسسات الصناعية الحكومية تمتلك قدرات وإمكانيات مادية وبشرية هائلة ، فالعمالة الماهرة متوافرة ولكنها معطلة وعاطلة بالتوارث ولا يتم استغلال طاقاتها ، وخطوط الإنتاج والمعدات الموجودة متميزة ومعظمها متطورة وقادرة على الإنتاج وبجودة عالية ، وظروف الإنتاج المثالية متوفرة ويمكن ترشيدها لتحقيق المستهدف ، ولكن كل هذا يحكمه أباطرة الخراب الإداري ، بداية من رؤساء مجالس الإدارات وهم من يتم اختيارهم منذ عقود مضت بتركيز وعناية فائقة لتحقيق الأهداف والاستراتيجيات الشخصية والمخفية للمتحكمين في تلك المؤسسات الصناعية ، ليستمر مسلسل الخراب الصناعي رغم الشعارات والدعايات البراقة ودعم الدولة المستنزف والمستمر رغم أنف القائمين على أمور هذا الوطن ، والنتيجة معروفة ولا تساوي أكثر من خسائر مستمرة ومتزايدة تجعلنا نحلم بالوصول للصفر فقط .



ولذلك فهذه الكلمات المرسلة هي صرخة وبلاغ .. ولكنه للمسئولين عن إدارة الأمور في هذا الوطن المضيعة مؤسساته الصناعية بين أضلاع مثلث الخراب الحكومي المتمثل في (الفشل الإداري .. والفساد .. والإفساد) ، حتى بلغت تكلفة تشغيل معظم المؤسسات إلى عشرات أضعاف عائدها الاقتصادي ، فإلى متى ستظل مؤسسات هذا الوطن الاقتصادية والصناعية خاسرة ومنهوبة ومهدرة طاقاتها وقدراتها بين أيدي الفاشلين والفاسدين والمفسدين من أصحاب المناصب القيادية والتي أصبحت رهنا فقط بالمعارف والأصدقاء والتوابع وفاقدي القدرة على العطاء والمتمتعين بقدراتهم البارعة في الخنوع والخضوع وممارسة الفشل بل والفساد والإفساد لحساب من وهبهم هذه المراكز من أكابر أباطرة الخراب في بلادنا العامرة ، فتلك هي  الفئات الثلاثة المسئولة عما نحن فيه من تفاقم التخريب في مؤسساتنا وتزايد فشلها يوما بعد يوم ، وهي ليست فئات جديدة علينا أو مستحدثة ولكنها فئات أصبحت بمرور السنوات متحكمة في أكثر من 90% من مؤسسات الدولة الصناعية ، فالفاسدون هم أجيال تربت عبر عقود حكم مبارك وارتقوا سلم القيادات ببراعتهم في النهب والاختلاس والتربح لحساب أسيادهم وأصحاب الفضل عليهم ومن عينوهم ليجنوا الثمار من ورائهم ، فاحترفوا العمل بنظام نصيب (ورك الفرخة) ، ولكنهم كنتاج للثورة أصبح التوابع والتلاميذ أسعد حظا نظرا لارتفاع أنصبتهم مما ينهبونه لأكثر من (نصف الفرخة) لانخفاض عدد أباطرة الفساد في المستويات العليا للدولة ، ليصبحوا هم الأباطرة الجدد والمسيطرين بشراسة على غالبية المؤسسات الاقتصادية والصناعية التابعة للدولة رافعين شعارات رنانة ومدعين زورا ومتشدقين بتبني إستراتيجية النهضة والتقدم والتطور والنزاهة والأمانة ، أما المفسدون بتعمد فهم عناصر الماسونية النائمة من الإخوان والخونة المختفية وهم بخلاف خلايا القتل والحرق فمهامهم أكثر خسة وخيانة ، فبسقوط حكم الإخوان تلقوا تعليمات معلنة ومرصودة بإفساد المؤسسات عمدا لإسقاط الدولة مختفين تحت شعارات براقة وادعاءات مبهرة فهم يجيدون التشدق بالشعارات والمخططات ولكنهم يعرقلون أي عمل حقيقي ثم يعلقون الفشل زورا وبهتانا على أعداءهم من المخلصين والقادرين على العطاء  ليتخلصوا منهم وتخلوا لهم الساحة كاملة ، وهو ما تحقق لهم بنسبة كبيرة واستبدلوا الكفاءات والعناصر الناجحة بعناصر إخوانية فاشلة فنيا وإداريا ولا تجيد سوى التخريب بكل صوره وتحقيق أعلى معدلات الاستفادة الشخصية بل وبلغت حدود التآمر للتعاقد مع كوادر إخوانية فوق سن المعاش للقضاء على أية كوادر جديدة وبحجة انعدام الكوادر .

ولاشك أن هذه الفئات الثلاثة قد استفادت واستغلت فوضى يناير وثورة يونيو في تحقيق أعلى المكاسب من الاختلاسات والنهب والتربح بلا أدنى ضمير بعيدا عن الرقابة والحساب ، حتى رأينا مؤسسة صناعية عملاقة تابعة لجهات سيادية وتمتلك قدرات مادية وتكنولوجية وبشرية هائلة وهي عاجزة عبر تلك السنوات العجاف عن تحقيق حتى مرتبات عامليها ، وتفرغ الأباطرة فيها فقط لممارسة التجارة المغطاة بالشراء باسم الغير تحت ستار القانون وهو أقدم أشكال التربح الشخصي في غفلة من أعين الأجهزة الرقابية وبصمت ومباركة مشبوهة من قياداتهم ، ويعتبرون هذا قمة النجاح ، وبل ويتفاخر بعضهم بتحقيق تعاملات بمئات الملايين في عام واحد متجاهلا أن العائد منها لشركاتهم أقل من 1% من مرتبات العاملين ، ولا محاسب ولا رقيب حتى انحدر مستوى أحد هذه المؤسسات لتدبير أثاثات خشبية لجهات حكومية كنشاط أساسي لمؤسسة صناعية كبرى لا مثيل لها في الشرق الأوسط .

ولا شك أن الفساد والإفساد قد تضافرا ليصنعوا جيلا من الفشلة في علوم ومهارات الإدارة فهم مبدئيا لا يقرون بأصول علوم الإدارة لأنها سوف تفضح ضعفهم وفشلهم ولذلك فمعظمهم يتهرب من وضع إستراتيجية أو أهداف مرحلية لإدارة مؤسسته المعين بها ، ولذلك يكرر معظمهم صورا ثلاثة متطابقة للفشل ، وأول صور الفشل أنهم من أجيال مضت ترى أن الإدارة قدرات خاصة وموهبة وخبرة وبالتالي فهم لا يملكون القدرة على تخطيط إستراتيجية لإدارته محددة الأهداف وواضحة الخطوات سواء كان هذا لفسادهم أو جهلهم التام بعلوم الإدارة والتي أبسطها هو القدرة على امتلاك عقود مستقبلية لمنتجات شركته أو مؤسسته ويليها القدرة على إدارة التصنيع والإنتاج بجودة تنافسية ، والصورة الثانية المتكررة تتمثل في فوضى وفساد تدبير الخامات أو تحديث المعدات وخطوط الإنتاج والتي أصبحت فرصة للتربح والإثراء تغطى بقليل من الشعارات والدعاية والخضوع التام لأباطرة الفساد والاختلاس في جميع المستويات ، والصورة الثالثة متمثلة في عجز هؤلاء الفشلة عن فهم أو استيعاب وبالتالي الاقتناع بأهمية مواكبة متغيرات التطور التكنولوجي في كل مجالات التصنيع والتسويق الالكتروني وهي الفيصل في نجاح التصنيع .

أما الصورة الأخطر والأكبر فهي في الفشل الذريع لهذه القيادات في اكتساب احترام وولاء العاملين وبالتالي ثقة العاملين وذلك لضعف مصداقيتهم وقدراتهم الفنية والتكنولوجية والإدارية المحدودة فضلا عن شبهات الفساد الموصومة به هذه الإدارات التي تضطر للوقوع في فخ التعالي والترفع على العاملين خوفا من افتضاح ضعفهم المكشوف للمرؤوسين الذين يتمتعون بذكاء وخبرات كبيرة في تقييم وتحجيم الإدارات الفاشلة والفاسدة والضعيفة ، ففقدت الإدارات قدراتها على السيطرة على العاملين وتوجيههم أو حل مشاكلهم فانقسمت المؤسسات من الداخل لعاملين عاطلين بتعمد وإدارات فاشلة لتكون النتيجة المنطقية هي ما نراه من خسائر متوالية ومتزايدة واحتراف الجميع للهروب من المسئولية والتنصل منها ، وإلصاق التهم بالظروف السياسية والاقتصادية وعادات ومشاكل العمال الاجتماعية ، رغم أنهم نفس العمال في القطاع الخاص الناجح والمتميز ، وتتمادى الإدارات الفاشلة بتعيين القيادات الفنية الوسيطة الضعيفة فنيا وإداريا والمتناسبة معها والتي لا تناقش ولا تعترض ولا تخالف خط الفشل العام فيتفاقم الفشل في الإنتاج وتتفاقم أخطاء الإدارة في علاج السلبيات الناجمة عن البطالة المقنعة وفشل الإنتاج فتحترف هذه الإدارات ترصد مخالفات العاملين وتشديد التعليمات الأمنية والإدارية ، رغم أن معظم المخالفات يمكن القضاء عليها وتحويلها من نقاط ضعف إلى نقاط قوة تكتسب منها الإدارة ثقة وولاء العاملين ، وهو ما يعد من أهم أسس استراتيجيات الإدارة العلمية الحديثة ، وتلك هي الميزة التي تصنع الفارق ما بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة ، حيث تقوم استراتيجيات الإدارة في الدول المتقدمة على استغلال نقاط ضعف الإنسان واحتياجاته لتحولها لنقاط قوة نفسية ومادية تحقق بها أقل إهدار لطاقات وقدرات العاملين وتحقق أعلى استفادة من تركيز وولاء العاملين لعملهم ومؤسساتهم ، وبالتالي تحد كثيرا من الإهدار المالي والاقتصادي .

ولذلك فنحن لا نبالغ عندما نقول أن كثيرا من أصحاب المناصب القيادية في مصانعنا ومؤسساتنا فاشلون بامتياز ويظنون أو يقنعون أنفسهم وقياداتهم الفاشلة أنهم ليسوا السبب في الفشل ، رغم أنهم في أفضل حالاتهم وبعيدا عن الفساد والإفساد قد تحجرت قدراتهم وعقولهم عند زمن مضى بكل معالمه ومواصفاته ، ويرفضون أي تطوير لمستوياتهم العلمية وعقولهم وفكرهم المتحجر والجاهل بعلوم الإدارة ، ومن تعلمها منهم يعتبرها كلاما نظريا غير قابل للتطبيق وليس أكثر من وسيلة للحصول على مؤهل لاكتساب مركزا قياديا أرقى ، ويمارس الجميع الفشل والتخريب في ظل هدف واحد هو الحفاظ على مناصبهم لأطول فترة ممكنة ، خاصة وأنه لا مسئولية ومهما فعل وخرب ونهب فلن يغادر منصبه ليحاسب ولكنه يغادره معززا مكرما ويأتون بالبديل بنفس المواصفات ليستكمل مسلسل الفشل والخراب ، تحت شرط واحد هو التكتم والتستر على كوارث من سبقه وبالتالي ضمان التستر على جرائم من جاءوا به لهذا المنصب ، لتسقط الصناعة القومية بكل أجنحتها صريعة وضحية لمثلث الخراب الحكومي من الفشلة والفاسدين والمفسدين ، وتصبح المشكلة كارثية عندما تجتمع المواصفات الثلاثة أو اثنان منها في شخصية واحدة وهو ما تفشى للأسف في مؤسساتنا بضراوة ويكفينا عارا وخزيا أن هناك مؤسسات صناعية كبرى فاشلة منذ عقود عن تحقيق مرتبات عمالها رغم قدراتها المادية والبشرية الهائلة ، ولكنها بجدارة أصبحت مستودعات وجراجات عفنة لكوادر ضعيفة وفاشلة وخلايا إفساد الإخوان وبقايا الفساد لعهد مبارك ... فإلى متى؟؟

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز