د. فتحي شمس الدين
الحركات الاحتجاجية والبيئة الرقمية
بقلم : د. فتحي شمس الدين
أثر التطور التكنولوجي على كافة أوجه الحياة البشرية, ويرجع ذلك الأمر إلى تداخل التكنولوجيا الحديثة وتكنولوجيا المعلومات في منظومة حياه المواطنين, وتحولها لركن أساسي في تلك الحياة, ويأتي المشهد السياسي كأحد أهم النواحي الذي تأثر بتكنولوجيا المعلومات بشكل عام وتكنولوجيا الاتصال بشكل خاص, لتتغير طبيعة التعامل مع الحاكم والمحكوم وطريقه التعبير عن الرأي والاتجاهات السياسية, فأمام عجز الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني عن أداء أدوارها المتمثلة في التعبئة والتأطير بسبب تضييق بعض الأنظمة الحاكمة من جهة، وبسبب غياب الديمقراطية الداخلية في معظمها من جهة أخرى، وتحولها إلى مؤسسات كارتونية ذات أهداف شخصية آنية من جهة ثالثة، ظهر نفور المواطنين من تلك المؤسسات, الأمر الذي انعكس على معدلات المشاركة السياسية في الكثير من دول العالم, ومع ظهور الوسائط الحديثة المتمثلة في الفضاء الرقمي ووسائل الإعلام الحديثة استطاعت تلك الوسائط أن تحل محل المؤسسات السياسية التقليدية, حيث قامت بدورا أساسيا في الحراك السياسي والاجتماعي في المجتمعات، وساهمت بشكل كبير في نقل الوقائع الميدانية بشكل مباشر وسريع إلى كافة أرجاء العالم، وكذا في تعبئة المحتجين حول القضايا المختلفة وتنظيمهم من خلال تسهيل التواصل فيما بينهم .
ومع ظهور شبكات التواصل الاجتماعي قامت بدور هام في المشهد السياسي فساهمت في تشكيل الرأي العام وتحريك الشعوب نحو التغيير لأنها تحولت إلى وسيلة أكثر انتشارا وأسرع وصولا من الوسائل التقليدية, الأمر الذي ساهم في تحقيق التعبئة الجماهيرية لإحداث التغيير. ويرجع ذلك الأمر للمميزات العديدة التي تتضمنها وسائل التواصل الاجتماعي مما جعلها من أهم الوسائل في طبيعة العمل الاحتجاجي والثوري, حيث أنها تجعل من كل مشترك متلقيا للخبر وصانعا له في نفس الوقت. وتوفر شبكات التواصل نقل الخبر بسرعة فائقة وآنية مع إمكانية التفاعل معه والتعليق عليه ومشاركته، بالإضافة إلى تبادل الرسائل والأفكار والآراء، فالحدث الذي يحدث في الشارع لا يحتاج إلا إلى بضع دقائق ليصبح محور نقاشي مدعما بالصور والفيديوهات والبيانات والتصريحات لتتوالى بعدها ردود الأفعال والتعليقات والاقتراحات والدعوات إلى الاحتجاج والتظاهر، ومن ثم نقل النقاش "الافتراضي" إلى " الواقعي" بعد تحديد الزمان والمكان, كما لغت هذه الميزة الحواجز الزمنية والمكانية والجغرافية وجعلت الفضاء الإلكتروني فضاء مشتركا للحوار رغم اختلاف الأمكنة والأزمنة عبر العالم. بالإضافة لذلك فإن المنتديات الاجتماعية، خاصة شبكة الفيس بوك، تمنح قدرة كبيرة على التعبئة، هذا ما جعل الشباب يستفيدون من كل الخدمات التي توفرها، كرفع الشعارات التي تحرك روح التعبئة والاحتجاج والغضب في نفوس المتظاهرين، ونشر صور الاحتجاجات والاعتداءات التي ترتكب في حق المواطنين لتشجيعهم على المشاركة, ونقل الأحداث في لحظتها كي يتم الحافظ على نبض الشارع وحماسته، الأمر الذي يترافق مع نشر المقالات التي تساهم في زيادة وعي الجمهور وكشف ملابسات وأبعاد الموضوعات المختلفة.
والواقع أن البيئة الرقمية لم تؤثر فقط في طبيعة العمل الاحتجاجي بل أثرت في نشأه الحركات الاحتجاجية نفسها حيث أن البيئة الرقمية ساعدت في ظهور حركات اجتماعية افتراضية أصبح لها تواجد من خلال عدد المؤيدين لها عبر شبكة الانترنت وهو الأمر الذي يجب العمل على أعادة النظر إلى أهميته والوقوف على الأدوار التي تقوم بها البيئة الافتراضية في التأثير على البيئة الواقعية للعمل على استغلال تلك المقومات لأهداف النهضة الحقيقة في المجتمع, والعمل على توظيفها بالشكل الأمثل الذي يضمن الاستخدام الأمثل والرشيد لها بعيدا عن الاستخدامات الغير سليمة لها.
* مدرس الإذاعه والتليفزيون بجامعة بنها