عاجل
الثلاثاء 11 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
صباح وطلة الغياب

صباح وطلة الغياب

بقلم : د. عزة بدر

صندوقها وهو يرقص  كما لو كان غربال احتفال السبوع , تهدهده الأيادى بورده , بقمحه , بسنابله وكأن صباح ولدت توا لتعيش ,  رقصة الدبكة اللبنانية من حولها , أصداء من أغنياتها  , وأطياف من طلتها الحلوة  " غبنا بالروح وماغبنا , غبنا والشوق دوبنا , على لبنان لاقونا اشتقنا وطالت غيبتنا " .



العازفون بالطبل والمزامير و الراقصات بأثوابهن الحرير يزفونها , الآن أدرك بعد زفة جنازة صباح  لماذا إذا حان الأجل تغمر  النساء ضفائرهن بالقبلات .. يتركنها ويرتحلن  , يكتبن بأصابع من ورد " نحن عرائس السماء " فلله ما أعطى ولله ما أخذ , ويترك الرجال قلوبا من فضة تترك أبوابها منقوشة بالذهب  مفتوحة على الغياب ويلبون النداء  ,  يقول الحكماء " نحن هنا فى رحلة قصيرة , وعلينا أن نشم الزهور طول الرحلة " .

هل للذهاب بذلات ورباطات عنق ؟ وهل للفراق فستان يشبه فساتين الزفاف ؟

مصمم أزياء صباح يبتكر آخر فساتينها .. أبيض بقليل من التل والدانتيل , واسعا فضفاضا مريحا ربما لكى تحن للكمين نفس الفصيلة من الكروانات أو نفس الفريق من البلابل الذى صاحبها طويلا , كل الطيور التى اعتادت أن تترك أعشاشها لتقيم فى حنجرتها تغنى لها ومعها فتنبعث هذى الموسيقات الفريدة .

الآن وفى 18 ثانية هى زفة جنازة صباح بمواقيت الحقيقة , بمواقيت الساعات تتغير نظرة الأحياء إلى الموت , ونظرة الأموات للحياة ! .

حيث تتشابه الصور وتتقارب التفاصيل , ويكون عناق بين العرس والجنازة

بين المقبرة وحجرة النوم , الرفش والسرير , الدولاب والقبو , سرحة الصبار والتسريحة , سبعة أدراج من القماش وفستان زفاف .

يصطحب الموتى منذ الفراعنة جعران القلب معهم , وأشياءهم : ذهبهم وفضتهم وملابسهم الأنيقة , وثمرات تعشقوها , وعطورا أحبوها على أمل القيامة , على أمل النهوض من النوم الطويل شوقا للحظة يعرفون فيها الحياة وكم هى جميلة .

18 ثانية فى زفة جنازة صباح تجعلنا ندرك عظمة الفنان عندما يؤمن بعشق الحياة

فالزفة بناء على وصيتها التى نقلتها ابنة شقيقتها كلود عن أمنيات صباح وكلماتها الأخيرة لجمهورها قائلة بلهجتها اللبنانية : " يا أحباب الصبوحة , الصبوحة اليوم راجعة على ضيعتها ع الأرض اللى حبتا وحبتا , الصبوحة اليوم راحت ع السما عند الرب الكبير , راحت عند أهلا واخوتا اللى اشتاقتلن كتير , قالتلى قوليلن يحطو دبكة ويرقصوا , بدى ياه يوم فرح مش يوم حزن , بدى ياهن دايما فرحانين بوجودى وبرحيلى مثل ماكنت دايما فرحن , وقالتلى قلكن أنه بتحبكن كتير وانو ضلوا تذكروها وحبوها دايما " .

.... " حبايبنا من بعد غياب " هذا هو المقطع الوحيد الذى التقطته أذنى كالقرط من شفتيها وهى تغنى , بداخل الصندوق أم بقربه كان الهديل ؟ الذى يتردد على نغماته لحن صندوقها وهو يرقص : رقصة للحياة وأخرى للموت فأقف على الأعراف لأتذكر بعض ماقيل على الخط الفاصل بين الموت والحياة .

 " سأفكر فى كل ماأقوله , وسأمنح الأشياء قيمتها لا لماتمثله بل لما تعنيه , سأنام قليلا وأحلم كثيرا مدركا أن كل لحظة نوم هى خسارة لستين ثانية من النور , وسوف أسير بينما الكل ينام " – هكذا قال ماركيز الأديب الكولومبى الشهير  .

" إذا قيل لى ستموت هنا فى المساء / فماذا ستفعل فى ماتبقى من الوقت ؟ "

( مازال ثمة وقت لأقرأ / أقرأ فصلا لدانتى ونصف معلقة / وأرى كيف تذهب منى حياتى / إلى الآخرين ولاأتساءل عمن / سيملأ نقصانها ؟

- هكذا ؟

- هكذا / ثم ماذا ؟ / أمشط شعرى / وأرمى القصيدة , هذى القصيدة فى سلة المهملات / وألبس أحدث قمصان إيطاليا / وأشيع نفسى بحاشية من كمنجات أسبانيا

ثم / أمشى / إلى المقبرة  ) . , هكذا قال الشاعر الفلسطينى محمود درويش ,

 شيع نفسه فى تلك القصيدة بكمنجات أسبانيا , وشيعت صباح نفسها بموسيقات الدبكة اللبنانية فى 18 ثانية لتغير كالشعراء معنى الموت ومعنى الحياة فتقول : " بدى ياه يوم فرح مش حزن "

ولايسعنى فى زفة جنازة صباح إلا أن أضم صوتى إلى صوت كروانات صوتها , والبلابل , والطيور التى ساكنت حنجرتها الذهبية : أحبوا الحياة .

 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز