إيهاب الشيمي
المشهد الانتخابي .. بين روح الثو رة و ديكتاتورية من ينتمون إليها
بقلم : إيهاب الشيمي
لا يستطيع أحد أن ينكر أن ثورة الشعب المصري العظيم في يناير لم تنفجر في وجه السلطة الحاكمة في مصر إلا من أجل تحقيق مبادئ الحرية و العدالة الإجتماعية و ليس ما يروج له البعض من أن معظم من نزلوا في يناير نزلوا من أجل "لقمة العيش" فقط و كأنها كانت ثورة للجياع.
و إسقاطاً على ذلك، فلا أستطيع إلا أن أستغرب ما ذهب إليه العديد من النشطاء و الثوار المخلصين الذين خرجوا على نظام الفاشية الرأسمالية في عهد مبارك كما خرجوا على نظام الفاشية الدينية في عهد مرسي، من الدعوة للمقاطعة في الانتخابات الرئاسية الحالية، و التي أعلن كلا المرشحين المتنافسين على مقعد الرئاسة فيها، عن اقتناعهما بنزاهتها و أنها ستعبر فعلياً عن رأي الشعب المصري في من يراه الأصلح لقيادة سفينة الوطن وسط الأمواج المتلاطمة التي تحيط بها، و في ظل التهديدات بتخريب بدن السفينة من الداخل من جماعات الإرهاب الأسود التي تتخذ من الدين ستاراً لإخفاء أطماعها في السلطة.
ما يثير الدهشة أيضأ بشكل كبير هو ذلك التعبير الغريب عن الفرحة الذي أبداه من دعوا للمقاطعة لضعف الإقبال على الانتخابات بالأمس، بل و الذهاب لأبعد من ذلك بادعاء أن ذلك ينتقص من فرص مرشح بعينه ، بينما يصب في مصلحة الآخر !
ففي ظل كل المستجدات على الساحة الثورية و الوطنية، و تحت أنظار كل تلك العيون على الساحة الدولية لمن يتابعون، لسبب او لآخر، تقدم العملية الديمقراطية في مصر، فإن ضعف الإقبال لا ينم إلا عن فقد الناخبين للثقة..
الثقة في جدوى العملية الانتخابية الديمقراطية ذاتها و هو ما يشكل انتكاسة كبيرة لمبادئ ثورة يناير..
و الثقة في كفاءة كلا المرشحين لتولي مقاليد الأمور و هو ما يؤكد عجز كلاهما عن تفهم مطالب الشعب الثورية و الديمقراطية و المعيشية و الاقتصادية ..
و نهاية بالنتيجة الكارثية في فقد الثقة أن نسبة المصوتين للخاسر ستكون أكبر سند له في معركة المعارضة أمام الرابح في المعركة الانتخابية، لنحقق ما تطلعنا إليه دومأ من وجود مناخ سياسي و ديمقراطي حقيقي تعترف فيه المعارضة بحق الأغلبية في الحكم، و تثق في قدراتها، كمعارضة وطنية مستقلة، على القيادة و استكمال الحلم في الاستحقاقات القادمة، و تعترف فيه الأغلبية بواجبها أن ترعى و تحترم حقوق معارضيها و مؤيديها على السواء.
و لا أرى صحة لما يروج له البعض من أن هذه الانتخابات هي كمثيلتها التي سبقتها في 2012 ،و بخاصةِِ في مرحلتها الثانية، و التي كنت أنا أحد المناصرين و بشدة لمقاطعتها فيما يبدو تعارضاً في مواقفي، فالفارق جذري بين هذه و تلك، ففي الأولى لم يصوت الناخب لاقتناعه بمرشحه بقدر ما كان صوته ضد المرشح الآخر، فنصف من صوتوا لشفيق صوتوا ضد سيطرة الاسلاميين على السلطة و ليس اقتناعاً بالرجل، بينما منح نصف من صوتوا لمرسي أصواتهم له نكايةً في مرشح اقتنعوا بأنه يمثل دولة مبارك و عودة للأمور لما قبل يناير 2011.
أما اليوم فمن يصوت لحمدين فهو يصوت لحمدين و فقط، و من يصوت للسيسي فهو يصوت للسيسي و فقط.
أيها المصريون، أيها الشباب المصري الواعي، أيها الشباب الثوري المخلص لوطنه رغم تحديات القمع، و اتهامات التخوين، و آلام فقد رفاق الكفاح التي عانيتموها طوال السنوات الثلاث الماضية:
إن هذه الانتخابات ما هي إلا اختبار آخر لمدى نجاح ثورتنا ..
إن هذه الانتخابات ما هي إلا اختبار لمدى قدرتكم على التواصل مع الشعب الذي نزعم دوماً أننا ما خرجنا إلا من أجل أن يسمع الجميع صوته..
إن هذه الانتخابات ما هي إلا اختبار لمدى تقبلكم كنشطاء فاعلين في المسيرة الثورية و الديمقراطية المصرية لفكرة الممارسة الديمقراطية و تقبل الآخر و ليس الانجراف نحو ديكتاتورية امتلاك الحقيقة المطلقة و فساد اي منطق يخالف منطقكم..
إن هذه الانتخابات ما هي إلا اختبار آخر لمدى اقتناع كل مصري أن صوته، و إن كان وحيدا في مواجهة الجميع، يعبر عن اقتناعه بمبدأ المواطنة الذي يحتم عليه أن يشارك في بناء وطنه بالمشاركة، حتى و إن كانت بإبطال الصوت للتعبير عن رفضه لكلا المرشحين، كما يحتم على من يحكم أن يمنحه العيش و الحرية و العدالة الاجتماعية التي خرجنا من أجلها في يناير.