عاجل
الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د. عادل القليعي يكتب: حول إشكالية المصطلح هل هي فلسفة إسلامية أم فلسفة عربية؟!

د. عادل القليعي
د. عادل القليعي

رب سائل يسأل، وقد يكون هذا السائل متخصصا في الفلسفة على الإطلاق، وقد يكون متخصصا في الفلسفة الإسلامية بفروعها المختلفة.



وقد يكون السائل لا من هؤلاء ولا من هؤلاء، ولكن لفضوله المعرفي المحمود يطرح سؤالا.

ما الذي دفع كاتب هذا المقال لكتابته؟!

تكمن الإجابة عن هذا السؤال في الجدال المستمر حول تسميتها، هل نسمها فلسفة إسلامية نسبة لأن أئمتها كانوا مسلمين ولم يكونوا عربا، ولكنهم كانوا من أصول مختلفة كالأصل الفارسي أو التركمستاني، او الهندي، وخلافه من الأصول ممن اعتنقوا الإسلام.

أم نسمها عربية، نسبة لأن أول فيلسوف من فلاسفة الإسلام كان من العرب من قبيلة كندة العربية وهو أبو يعقوب إسحق الكندي. أم نسمها عربية لأنها دونت بأحرف عربية، واللغة العربية هي لغة القرآن؟

نناقش هذا الموضوع بمنتهى الموضوعية.

تعالوا معي نتفق على أمرين، أتفق فيهما مع ذاتي وأدعوكم للاتفاق معي، أو للاختلاف فاختلافنا يثري حوارنا.

الأمر الأول، أن الفكر ليس له دين ولا وطن، ويوجد الفكر متى وجد الانسان، أنى كان مكانه وبلده وموطنه وديانته التي يدين بها وملته، وتوجهه ومذهبه الذي يعتنقه.

الأمر الثاني أرفض بشدة كلمة التخصص، لأن في هذا الأمر تقزيمًا للمفكر الباقر المتبحر في العلوم، في شتى العلوم، فالمفكر الحقيقي لا يحتقر شيئا مهما بلغ من ضآلة الشأن مبلغ الطين والشعر.

تعالوا معي ننطلق إلى عالم الفكر الموضوعي المنظم، نفند آراء من قال إنها عربية ونناقشهم فيها.

- آراء القائلين بأنها فلسفة عربية:

لقد أطلق المستشرق أرنست رينان على موروثنا الفلسفي، الفلسفة العربية، لماذا أيها المستشرق؟! لأنها على حد زعمه مجرد محاكاة رديئة للفلسفة الأرسطية، وضرب من ضروب التكرار للأفكار اليونانية التي ترجمت إلى العربية. هذا زعمه، ولي حق الرد عليه.

أرد على هذه الفرية من وجهين، أولهما: هل حقا تراثنا الفلسفي منقول عن التراث اليوناني، ألم تكن لنا آراؤنا الخاصة بنا، لماذا ظل هذا الفكر مادة خصبة وثرية ينهل منها ويغترف كل من مد يده إليها؟

يا هذا، ألم يكن لفلاسفتنا آراء خاصة بهم في مسألة التوفيق بين الفلسفة والدين؟

ألم يلاحظ ابن تيمية- وهو من هو في تشدده ضد الفلسفة- ألم يلحظ أن فلاسفتنا تكلموا في أشياء لم يتحدث عنها فلاسفة اليونان، في الإلهيات، النبوات، البعث، هل يقع الجزاء روحا وجسدا، أم يقع على أحدهما دون الآخر؟

ثانيهما: يا رينان هل العبرة بالمضمون الذي نقرؤه أم بالشكل، هل نهتم بالجوهر أم بالعرض، بمعنى أننا عندما نطالع كتابا كالتأملات في الفلسفة الأولى لديكارت، وهذا الكتاب ترجم إلى العربية، هل نقول إن مؤلفه عربي؟

فجنسية الكاتب لا تنهض دليلا كافيا على أن ينسب إليها من فكر.

فهل مثلا أقول على كتاب ألفه س، أو ص في الفلسفة اليونانية، أقول إنه كتاب في الفلسفة المصرية أو السورية أو الصينية نسبة للكاتب؟

كذلك فإن الغالبية العظمى ممن أسهموا في إنتاج هذا الموروث لم يكونوا عربا، بل كان منهم الفارسي والتركي والهندي والرومي والأندلسي.

ففريتك مردود عليها.

وثم رأي آخر يقول إنها عربية، هذا الرأي يعتمد أصحابه على حديث للنبي- صلى الله عليه وسلم- في تعريف العرب والعربية، يا أيها الناس إن الرب واحد، والأب أب واحد، وأن الدين واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي.

- آراء القائلين إنها إسلامية:

إن لفظ الإسلام معنى واسع يشمل الفيلسوف، العالم، الشاعر، الأديب، الطبيب، التاريخي، الجغرافي، الكيميائي، عالم الفلك، عالم النفس.

والواقع على ما يرى أصحاب هذا الرأي، أن إطلاق اسم فلسفة إسلامية، إنما هو استخدام قديم لا مبرر للعدول عنه.

وإذا ما انتقلنا من الشكل إلى المضمون، رجحت كفة تسمية هذا التراث بالفلسفة الإسلامية- على حد زعمهم- بل ويرون أن هذا المصطلح يطلق ويراد به معنيان، أحدهما خاص، والآخر عام.

أما المعنى الخاص فيراد به مذاهب فلاسفة الإسلام من أمثال الكندي، والفارابي، وابن سينا، وابن رشد.

أما المعنى العام فيقصد به المتكلمون، والفلاسفة، والصوفية، وعلماء أصول الفقه.

فنجد علماء الكلام علمهم إسلامي صرف، وليس علما عربيا. لماذا؟! لأن مباحثاتهم تدور حول قضايا التوحيد والذات والصفات والبعث والحساب، وما شابه ذلك من موضوعات خاصة بالمسلمين لا بالعرب.

كذلك قضية التوفيق بين الفلسفة والدين، لم تكن قضية التوفيق بين الفلسفة والعربية.

كذلك هناك تصوف إسلامي، تصوف يهودي، تصوف مسيحي، فهل نتحدث عن التصوف العربي أم الإسلامي؟

إن مباحث الصوفية تدور حول الصلة بين الحقيقة (حقيقة الطريق ومقاماته وأحواله، وهل ذلك يتوافق مع الشريعة)؟

هل يجوز القول علم الفقه العربي، أم نقول علم الفقه الإسلامي، لانه علم يستهدف استنباط الأحكام الإسلامية في مسائل الفقه، كالعبادات من صلاة وزكاة، وحج، أو مسائل المعاملات كأحكام الزواج والطلاق، والعقوبات، مثل عقوبة الزنى والقتل وشرب الخمر؟

هذه هي آراء الفريقين وكل فريق عضد رأيه بالحجة والدليل الذي يرقى مراقي العقل ومن ثم وجب مناقشته.

الرأي عندي، أن هذه المشكلة مشكلة اصطلاحية ستظل قائمة ما دام هناك فكر حر مستنير، سواء كان أصحاب هذا الفكر عربًا مسلمين أو غير مسلمين، لأن قضايا الفكر الإنساني متعددة ومتشعبة ومن ثم نناقش كل ما يقدم لنا من منتوج فكري بموضوعية وحيادية، نناقش الوجودية المؤمنة، جابرييل مارسيل، وننقاش الوجودية الملحدة، جان بول سارتر، وندخل في نقاش مع البوذي، مع الماسوني، مع العلماني، الليبرالي، الحداثي، ومع المسلم، المسيحي، اليهودي، الهندوسي، البوذي، الزرادشتي، الطبائعي، حتى أصحاب النزعة اللادينية.

المهم المنتوج الفكري الإنساني الذي سيقدم، ماهيته، كيفيته، هل سيفيد الإنسان بما هو كذلك أم سيضعه في مهب الريح تتقاذفه الأوهام، ويحدث له نوع من الردة الفكرية فينزوي ويصاب بالعطب والتبلد والجمود الفكري؟

سيداتي وسادتي أيا كان المسمى فلسفة عربية، فلسفة إسلامية، المهم المنتج الذي يقدم، فالفكر لا دين له ولا وطن.

وسأظل هكذا إلى أن ألقى الله تعالى ويسألني عن شهادتي.

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية

آداب حلوان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز