عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

المصلحون الأفارقة

أ.د إبراهيم مرجونة
أ.د إبراهيم مرجونة

تأتي أهمية موضوع الإسلام في إفريقيّة، من كونه يمثل قطب الرحي في قضية الانتماء والهوية المحوريّة، كما يرتبط أوثق ارتباط بعدد من كبريات القضايا المصيريّة الأخري، وعلي رأسها التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأساليب التعامل والسلوك بين مختلف الجماعات والسلالات البشريّة.



وترجع قصة إفريقيا مع الإسلام إلى السنة الخامسة للهجرة، حين هاجر بعض الصحابة بقيادة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم للحبشة، فراراً من بطش قريش. ومباشرة من مكة لإفريقيا كان مسار الإسلام، ولكن من ينتبه لهذه الصلة القديمة بين الإسلام وإفريقيا؟!

وببقاء الصحابة هناك عدة سنوات، وحماية الملك النجاشي لهم وسماحه بإعلان إسلامهم، أسلم بعض أهل الحبشة ومنهم النجاشي نفسه، ولكن بعد رجوع الصحابة للمدينة، ضعفت الدعوة الإسلامية في الحبشة.

وفي خلافة عمر الفاروق رضي الله عنه، تم فتح مصر بوابة إفريقيا، ومن ثم طرابلس، وفي عهد عثمان رضي الله عنه، تم فتح تونس، وبعدها توسع الإسلام في المنطقة، وكان البربر هم حملة اللواء لنشر الإسلام في ربوع تلك المناطق، ومنهم القائد المشهور طارق بن زياد، وبذلك يكون شمال إفريقيا وغربها قد دخل في كنف الإسلام، وهذه هي المرحلة الأولى. 

ومن ثم بدأت قوافل التجار والقبائل المهاجرة تنقل الإسلام لمنطقة وسط إفريقيا. كما أن التجار بين الجزيرة العربية وشرق إفريقيا أوصلوا الإسلام لشرق القارة. لكن بسبب وجود الجبال في شرق القارة لم يتغلغل الإسلام كثيراً فيها لصعوبة وصول التجار إليها، بخلاف غرب إفريقيا ذات السهول المنبسطة، والتي ساحت فيها الدعوة الإسلامية؛ فعبر الإسلام الصحراء الكبرى ووصل إلى الغابات الاستوائية على الساحل الغربي للقارة. وعبر الرحلات البحرية وصل الإسلام من موانئ لدول تنزانيا وكينيا وموزمبيق على الساحل الشرقي الجنوبي. وهذه هي المرحلة الثانية من تاريخ الإسلام في إفريقيا.

وقد أسهمت جهود بعض المصلحين الأفارقة، مثل عبدالله الزيلعي وأحمد القرين وغيرهما من شرقي إفريقيا، وعبدالله بن ياسين وعثمان بن فودي وعمر الفوتي وأحمدو شيخو وأحمدوا صمدو وأحمدوا بيلو في الغرب الإفريقي، في استقرار الإسلام وازدهاره، حتى ظهرت عدة ممالك إسلامية كبيرة في إفريقيا، ذكر بعض أخبارها ابن بطوطة في رحلته.

من هذه الممالك مملكة غانا (1076-1240)، والتي قضي عليها على يد مملكة إسلامية أخرى هي مملكة الماندينغ في مالي، وبقيت حتى العام 1670، فقامت على أنقاضها دولة أخرى هي دولة سونغاي التي حملت أيضاً لواء الإسلام وتوسعت جنوباً، لكنها انهارت في القرن السادس عشر الميلادي. وسادت فترة فوضى مدة قرنين، حتى جاءت قبائل الفولاني المسلمة لتؤسس دولة إسلامية جديدة واسعة في غربي إفريقيا. وشهدت تلك المرحلة ظهور دول كانم وبورنو في وسط إفريقيا.

وأيضاً كان هناك مملكة ودّاي الإسلامية في جنوب الصحراء (1615–1909) التي أقامها العالم المجدد عبدالكريم بن جامع، والتي قضى عليها الاستعمار الفرنسي. ومملكة باقرمي القريبة من بحيرة تشاد، وأنشأها السلطان “برني بيسي” العام 1513م وكان وثنيا، ويعد السلطان عبدالله بن مالو (1561–1602) أول سلطان مسلم فيها، وبذلك تحولت إلى دولة إسلامية، وبقيت حتى العام 1892. وبعد ذلك، بدأت الحملات الأوروبية تجوب إفريقيا فيما عرف بالكشوف الجغرافية التي مهدت لغزو واحتلال بلاد المسلمين وغيرهم في إفريقيا وآسيا، فقامت العديد من الحركات الجهادية في شمال إفريقيا وشرقها وغربها، ونجحت في إقامة دول إسلامية مترامية الأطراف.

فالشيخ عثمان فودي (فوديو) تمكن من تأسيس دولة الفولاني الإسـلامية (مملكة سوكوتو 1805-1903) في نيجيريا، والتي قضى عليها الاحتلال البريطاني. وقد كانت دولة قوية ومتقدمة شهد لها حتى المستشرقون.

وظهر الشيخ أحمدو بن محمدو لوبّو في منطقة ماسينة في السودان الغربي، وقام بتأسيس دولة ماسينا الإسلامية العام 1810، والتي تميزت بتنظيم إداري دقيق، وبصلاتها مع الدولة العثمانية. وبقيت هذه الدولة حتى العام 1893، إذ قضى الاستعمار الفرنسي عليها.

أما الشيخ عمر تال الفوتي، فقد قام بدور واسع في نشر الإسلام ومحاربة الوثنيين في بلاد التكرور والسنغال، لكنه لم يتمكن من تأسيس دولة مستقرة بسبب استشهاده مبكراً. لكن أتباعه واصلوا مسيرته حتى هُزموا أمام الفرنسيين. وقاد الشيخ سليمان بن راسين ثورة إسلامية، وأسس مملكة إسلامية العام 1776 في منطقة فوتا تورو بالسنغال.

هذه نتف سريعة عن بعض الممالك والدول الإسلامية التي لا يعرفها اليوم كثير من المثقفين والباحثين، فضلاً عن عامة المسلمين. وطبعاً، رافق هذه الدول انتشار اللغة العربية، إذ كانت هي اللغة السائدة، وكان العلماء في إفريقيا بالآلاف، وكانت الكتب والمكتبات عامرة. ولا ننسى وجود الكثير من القبائل العربية التي هاجرت إلى إفريقيا، سواء من الشمال أو عبر مصر والسودان، أو من الجزيرة العربية عبر الموانئ الشرقية لإفريقيا. لكن الاستعمار، وخاصة الفرنسي، عمل على سلخ المسلمين الأفارقة عن اللغة العربية عبر إحلال الفرنسية لغة للدوائر الرسمية، ومن ثم حارب المدارس العربية، وبعد ذلك بدأ يصادر الكتب العربية، حتى إن الحجاج العائدين من مكة كانت تفتش أمتعتهم بحثاً عن الكتب العربية ومصادرتها. وهذا أدى إلى ضعف الإسلام في نفوس البعض. كما أن الحملات التبشيرية المدعومة من ساسة الاستعمار تكفلت بدور كبير، وعزز ذلك انتشار الثقافة الشيوعية في القارة الإفريقية في الخمسينيات من القرن الماضي.

 

أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية

وكيل كلية الآداب جامعة دمنهور  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز