عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أوجاع "رغيف الغلابة"

أوجاع "رغيف الغلابة"

منذ أن أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسي تصريحه الشهير حول رفع سعر رغيف الخبز المدعم، ومقارنة سعره بثمن السيجارة، والجدل لا يكاد ينقطع حول مضمون القضية، التي انحاز فيها البعض لوجه نظر الرئيس من منطلق أن سعر الرغيف أصبح بالفعل لا يتناسب والسعر العالمى المرتفع للقمح، فى حين رأى البعض أن المقارنة لم تكن فى محلها، وأن المساس بسعر رغيف الخبز  يمس صميم حياة الفقراء.



 

ولأنني هنا لست بصدد الدفاع عن وجه نظر الرئيس، أو الانحياز لرأى من رأوا فى الخطوة جورا على الكادحين الذين يعتمدون على الخبز المدعم كأسس فى طعامهم اليومى، فلا مفر من استخدام لغة الأرقام التي لا تكذب أو تنحاز، ليكون لها الحكم والفصل فى القضية.

 

فالواقع على الأرض يقول، إن سعر رغيف الخبز المدعم ثابت ولم يتحرك عن الـ 5 قروش منذ عام 1986 أى منذ 35 عاما، فى الوقت الذي ارتفع فيه سعر طن القمح عالميا خلال تلك الفتره بنحو يقارب ال 1000% وهو ما جعل فاتورة دعم الخبر ترتفع إلى ما يقرب من 45 مليار جنيه فى العام المالى الحالى، فى ظل توقعات بارتفاع تلك الفاتورة بعد أن قدرت الحكومة سعر طن القمح فيه ب 199،5 دولارا، فى حين قاربت الأسعار العالمية من حاجز الـ 300 دولار للطن، بفعل جائحة كورونا، ورفع روسيا - المصدر الأول للقمح لمصر - ضريبة التصدير على الطن الواحد من 25 إلى 50 دولارا.

 

وتقول لغة الأرقام، إن جوال الدقيق زنة 100 كيلو جرام ينتج نحو 1450 رغيفا مدعما، أي أن طن الدقيق ينتج نحو 14500 رغيفا، يباع للمواطنين داخل الدعم بسعر 725 جنيها، فى حين أن سعره قمحا قبل الشحن والطحن والنقل والعمالة يزيد عن ال 4500 جنيها، أى أن الدولة تدعم طن دقيق الواحد بمبلغ 3275 جنيها قبل إضافة تكلفة الإنتاج الأخرى التي تتحمها الدولة أيضا فى صورة شحن وتخزين وتبخير وتعبئة وطحن وإنتاج.

 

وبنظرة سريعة على بيانات العام المالى الماضى، نجد أن الحكومة قد قدمت دعما تموينيا كليا للمواطنين يزيد عن الـ 84 مليار جنيه، خصصت منه ما يقرب من ال 45 مليار جنيه لدعم رغيف الخبز، الذي تقول الأرقام السابقة إنه يتم دعم الرغيف الواحد منه بما يزيد عن ال 60 قرشا، ويقدم يوميا لنحو 67 مليون مواطن مصري، بمعدل 5 أرغفة لكل مواطن، بمعدل إنتاج يتراوح بين 250 و275 مليون رغيف مدعم يتم تقديمها للمواطنين كل صباح.

 

فى حين تقول لغة الأرقام أيضا، أن سعر علبة السجائر التي تحتوى على 20 سيجارة يتروح فى مصر الآن بين 20  50 جنيها، أى أن سعر أرخص علبة سجائر فى مصر يعادل ثمن 400 رغيف مدعم فى دولة تعد الأولى فى قائمة الدول المستوردة للقمح فى العالم.

 

كما تقول بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أن إجمالى عدد المدخنين فى مصر يصل لنحو 18 مليون مدخن، اى ما يعادل 17،7 من عدد السكان، وأن نحو 41،3 من الأسر المصرية يوجد بها مدخن أو أكثر، ينفق الفرد الواحد منهم على التدخين سنويا ما يزيد عن ال 6300 جنيه، أى أكثر من 20 ضعف ما ينفقه على الخبز المدعم سنويا.

 

فى حين تقول البيانات الصادرة عن الشركة الشرقية للدخان - المنتج الأوحد للسجائر فى مصر - أن المصريين يستهلكون سنويا ما يزيد على الـ 70 مليار سيجارة، وأن معدلات المدخنين فى البلاد تتزايد بمعدلات ضخمة، لدرجة أن المدخنيين المصريين استهلكوا خلال الفترة من يوليو 2020 وحتى إبريل 2021 نحو 51 مليار سيجارة، بمعدل يزيد 4 مليارات سيجارة عن ذات الفترة من العام الماضى.

 

مع الوضع فى الاعتبار، أن تلك الأرقام لم تشملها مليارات السجائر المهربة التي استهلكها المصريون أيضا خلال تلك الفتره، والتي تعج بها الأسواق المصرية، ويقبل عليها المدخنين لرخص أسعارها.

 

ورغم أن هذا نتاج لغة الأرقام التي لا تكذب أو تنحاز، والتي سأترك للقارئ حرية الفصل فى مضمونها، إلا أن واقع التجربة على مدار سنوات يقول، انغه مازال بإمكان الحكومة الإبتعاد عن كل هذا اللغط، وإراحة نفسها والمواطن معا، بالأقدام بشجاعة على إلغاء منظومة الدعم بشكل كلى، واختصارها فى صورة دعم نقدى يقدم شهريا للأسرة طبقا لعدد افرادها.

 

فلا أرى عائق فى أن تقوم الحكومة بدعم الفرد الواحد نقديا عن الخبز ب 90 جنيها شهريا، أى ما يوازى قيمة الدعم العينى الذي توجهه له فى الخبز المدعم، ومنحه حرية الحصول على الخبز من المكان الذي يختارة، وخلق منافسة حقيقية بين المخابز لتقديم رغيفا أكثر جودة بدلا من المنتج المدعم الردئ الذي تقدمة فى الوقت الحالى، وتجنب أعباء تلاعب الموردين بالقمح، والتبخير، والتعبئة، والتخزين، والنقل، وفساد المطاحن وأصحاب المخابز، وطابور طويل من الفساد والفاسدين.

 

وهو ما يمكن تطبيقة ايضا على منظومة دعم السلع التموينية، والذي من الممكن أن تقدمة الحكومة أيضا فى صورة دعم نقدى يتيح للأسرة حرية اختيار منتج جيد بسعر مناسب، بعيدا عن تلاعب التجار وفرض سلع رديئة بأسعار مرتفعة، والابتعاد بالحكومة عن شبهة الحصول على عمولات والاتهام بتوريد سلع منخفضة الجودة لمستحقى الدعم.

 

يقينى أن الدعم النقدى سيريح المواطن والحكومة معا، وسيقضى على منظومة لا تخلو من التلاعب والعمولات والسرقات، وسيخلق منافسة حقيقية بين المصانع والتجار لتقديم منتج جيد بسعر مناسب، ويتيح للفقراء حرية إختيار سلعة جيدة، بعيدا عن سياسة الاجبار والابتزاز المقيته التي يتعرضون لها عند حصولهم على الدعم.. وكفى.

 

المقال الفائز بجائزة الهيئة الوطنية للصحافة

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز