عاجل
الجمعة 18 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
المواسم المسرحية في القاهرة والرياض

المواسم المسرحية في القاهرة والرياض

منذ بداية المسرحية العربية الحديثة واستقرار النوع المسرحي الحديث في قالبه الأوروبي الإيهامي العالمي في مصر، كانت القاهرة والإسكندرية ومن خلال الفرق المسرحية الأهلية التي أفرزها المجتمع المصري هي صاحبة الريادة في انتظام المواسم المسرحية في الوطن العربي كله، وكانت هي المكان الذي يتألق ويكتمل فيه إبداع الفنانين المصريين والشوام.



وعرفت مصر المواسم المسرحية المنتظمة مع بداية العشرية الأولى من القرن التاسع عشر.

وظل الحال كما هو عليه بالتقريب حتى بداية الألفية الجديدة، هذا وقد عرفت مصر خلال تلك الفترة الطويلة الموسم المسرحي الشتوي، والموسم المسرحي الصيفي.

وكانت المواسم تتراوح ما بين النسب المتفاوتة للجودة وعدمها، إلا أن فكرة الموسم المسرحي ظلت هي العلاقة الأساسية بين الجمهور المصري العام والمسرح.

وفي معظم الدول التي تملك مسرحًا مستقرًا، ويأتي فيها فعل الذهاب إلى المسرح كعادة اجتماعية منتظمة ومنها مصر، كان من الممكن تعريف الموسم المسرحي كما عرفه د. إبراهيم حمادة في كتابه “معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية”، "بأنه الفترة من السنة التي يقدم فيها المسرح عروضه إلى الجمهور، وقد يمتد الموسم المسرحي عادة فيما بين شهري أكتوبر ويونيو من العام التالي".

وكانت المواسم الشتوية تتسم في معظم دول العالم المهتمة بفن المسرح ومنها مصر، بالمسرحيات الجادة، والأعمال ذات الأبعاد الجمالية والفكرية العميقة، بينما كان الموسم الصيفي يميل بمسارحه المفتوحة على الهواء الطلق، وبمواسمه في الإسكندرية ورأس البر إلى المسرحيات الضاحكة، وإن استمرت العديد من العروض المسرحية من الموسم الشتوي إلى الموسم الصيفي، وانتقل عدد من العروض لمواسم متتالية.

إلى أن عرفت مصر مع تراجع الإنتاج المسرحي ظاهرة غياب المواسم المسرحية لصالح ظاهرة المهرجانات المسرحية المتوالية، حتى وصل الأمر هذا العام إلى وجود خمسة مهرجانات مسرحية متعددة في سبتمبر الماضي، بينما اختفى الموسم المسرحي.

لا شك أن مصر عرفت المهرجانات والمسابقات المسرحية المتعددة، إلا أنها كانت كل على حدة في إطارها المحدد الموضوعي، مثل مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وكان مختصًا في العروض التجريبية المصرية والعربية والدولية، وكانت إدارته تعد له إعدادًا دقيقًا على مدار العام، ومهرجان الثقافة الجماهيرية الذي كانت أشهر إطلالاته في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي المعروفة بمهرجان المائة ليلة.

ومسابقات الجامعات المصرية، ومهرجان جمعية هواة المسرح، وغيرها من المهرجانات، إلا أن تلك المهرجانات كانت هي الهامش والاستثناء، وكان الموسم المسرحي هو المتن.

وظل الموسم المسرحي يغيب، وتم خلط عروض الهواة بعروض المحترفين، وخرج معظم نجوم المسرح المصري من المشهد، إلا عشاقه من أمثال الفنان الكبير يحيى الفخراني، الذي ذهب إلى إنتاج مميز في مسرح فاخر من مسارح القاهرة الجديدة، التي بدأت تستقطب نجومًا من أمثال أحمد عز، ومحمد هنيدي وغيرهما بعروض قليلة بعيدًا عن جمهور العاصمة القديمة.

وبينما تحتل فكرة المهرجان كبديل للموسم في المدن التي لم تعرف المسرح كظاهرة وممارسة اجتماعية في العملية المسرحية، كدليل على حداثة عهدها بالمسرح، ونخبوية الجمهور والاختيارات وكمحاولة لاستخدام ظاهرة المهرجان ذات الطابع الاحتفالي لزرع عادة مشاهدة المسرح بها، كانت القاهرة والإسكندرية وحواضر المدن الإقليمية، تعرف المواسم المسرحية المستقرة.

إلا أن الأمر بدأ يختلف، فقد حلت المهرجانات المستمرة كبديل عن العروض المحترفة الموجهة للجمهور العام، وسعى الإنتاج المسرحي الخاص النادر إلى استخدام التسويق والشركات العاملة في بيع التذاكر، كبديل للعلاقة الطبيعية التاريخية بين الجمهور والدعاية والنقاد والحملات الإعلانية ودور العرض المسرحي.

ليصبح الخطر الحقيقي الذي يهدد المسرح المصري وإرثه التاريخي هو إحلال الهواة محل المحترفين، واختفاء المواسم المسرحية الاحترافية، وهجرة النجوم الكبار للعمل في مواسم مسرحية أخرى في دول عربية شقيقة. وحقيقة الأمر أن معظم هؤلاء النجوم كانوا يعملون في المسرح الرسمي الذي تنتجه مؤسسات وزارة الثقافة، أو الإنتاج المسرحي الخاص المصري، وليس هجرتهم سعيًا وراء المقابل المادي فقط، بل وراء بيئة عمل احترافية موضوعية محترفة تحتفي بهم، وتصنع إطارًا مريحًا في عملية الإنتاج المحترف.

لا شك أن غياب النجوم الكبيرة في القاهرة عن مسارحها، وظهورهم في موسم الرياض بجدة في الشقيقة المملكة العربية السعودية، هو احتفاء مصري بالاهتمام العربي السعودي بالمسرح، وهو دلالة على سطوع منارة مسرحية جديدة في المنطقة العربية، تضاف إلى منارات مضيئة في الشارقة والكويت والبحرين وغيرهم من حواضر الوطن العربي، كما أن ذلك الحضور المسرحي المصري في مواسم الرياض تعكسه تلك المواسم بالاحتفاء برموز مصرية عربية كبرى، مثل السيدة أم كلثوم والفنان عبد الحليم حافظ، كما أن الحضور المصري بمثابة تعبير عن عمق العلاقات بين الشعبين المصري والسعودي ذات الطابع التاريخي العميق، وهو أحد أوجه الدور المحوري المصري في الثقافة والفنون في المنطقة العربية، إلا أن ظهور المواسم المسرحية في الرياض- على كونه بداية صحيحة للإنتاج المسرحي في المملكة- يجب أن يكون مثيرًا للاهتمام ولطرح السؤال الضروري عن غياب المواسم المسرحية المنتظمة في القاهرة.

هذا مع كل التقدم للدور الجديد للمملكة في إنتاج الفنون، إلا أن الدور القيادي التاريخي والرائد والمحوري لمصر في المسرح ومواسمه يدعونا في المؤسسات المسرحية الرسمية في وزارة الثقافة وفي المجتمع المدني؛ لضرورة تنظيم المهرجانات المسرحية، والنظر إليها كنوع استثنائي من الفعاليات لا يمكن الاستغناء به عن النظام الاحترافي التاريخي للمواسم المسرحية.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز