وفقاً لمفهوم حروب الجيل الرابع، فإن الإعلام أداة رئيسية فيها، ولذلك فإن أهميته وحيويته ومصداقيته، وتعبيره عن الجماعة المصرية بمختلف أطيافها، ضرورة هامة لمصر الحاضر والمستقبل.
وإذ أُثمن ببالغ الاحترام والتقدير تصريح السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي المتعلق بتقديره لدور الإعلام، أود الإشارة لدور الإعلام المصري الهام في حرب الجيل الرابع، والتي حقق فيها انتصارات واضحة.
وللتذكير بماهية "حروب الجيل الرابع"، أود أن أذكر بصاحب المصطلح الباحث الأمريكي وليام ليند 1989، وهي حروب لا تستهدف الجيوش العسكرية، بل المدنيين بشكل مباشر، عبر الإعلام، ومن خلال وضع الجماعة المدنية المستهدفة في حالة ضغط عصبي شديد باستخدام مجموعة من العمليات النفسية، تتبنى الحرمان، وتمارس فيها عمليات إتجار فى معاناة الفقراء، وتبنى للحرمان، والمطالب الناشئة عن الظروف الصعبة.
وعندما تصبح الجيوش الإلكترونية هي المصادر المعتادة للمعلومات، ولطرح الآراء لدى العديد من الجماعات التي تشكل القطاع المدني الأكبر، يبدأ التشكيك في كل شيء، حتى في المطالب المشروعة ذاتها، والعمل على تأجيج مشاعر الفقراء بينما تمتص تلك الجيوش أموالهم ووقتهم، وتساعد فى صناعة الإحباط.
ولذلك فإن علينا طرح السؤال الهام، من الذي يقف وراء المواقع والصفحات والقنوات المعادية، ومن الذي يقف خلف تمويل المواد المصاحبة، مثل الأفلام الروائية، والوثائقية، والأغنيات، وما إلى ذلك؟
يوجد لدى الجيوش الإلكترونية خزينة معلومات عن نقاط الخلاف العميقة والأساسية في بنية المجتمع المصري، وهي تعمل على إثارتها وتفجيرها كلما توحد الرأي العام حول مجموعة من الأهداف الأساسية، ولدى تلك الجيوش أهدافاً قريبة، ومتوسطة، وبعيدة المدى، منها تغيير الأخلاق العامة الحاكمة لسلوك الجماعة وأعرافها وتقاليدها، وصناعة ذوق عام جديد برغبات واحتياجات جديدة، يقع أغلب المجموع العام خارجها، بلا عربات فارهة ولا منتجعات فاخرة، ولا ملابس وأحذية تحمل العلامات التجارية باهظة الثمن.
وبتبني المطالب المشروعة وإعادة تفتيتها لتشكك كافة الأطراف في بعضها البعض، تصنع الجيوش الإلكترونية حالة من الشك وفقد الحماسة، لا أقول اليأس، وإنما الشك المؤدي إلى فقد الرغبة في المشاركة المجتمعية، وحبس الذات في دائرة الاحتياجات الشخصية، والأهداف الصغيرة الاعتيادية.
وبصياغات - يشارك فيها هؤلاء الذين لا نراهم - يُصنع نجوماً جدد للمجتمع، قيمتهم الأساسية ما حققوه من ثروات، بينما يبقى الأدباء والشعراء والمفكرون والعلماء والمبدعون المنحازون للقيم الجميلة، بعيداً عن عالم الثروة، وبالتالي ليس لهم موقعاً وسط نماذج القدوة والاحتذاء التي تتبنى الحرمان، وتمارس صناعة الإحباط والإتجار بالفقراء.
ولقطع الطريق على الجيوش الإلكترونية والإعلامية المعادية، يجب إتاحة المصادر الإعلامية المصرية ذات المرجعية الوطنية للحديث الجاد عن المطالب المشروعة والتعبير عنها، كما يجب عدم تجاهل ما يتم إطلاقه من معلومات كاذبة، وأخرها على سبيل المثال الهجمة الشرسة التي تشكك في لقاح كورونا الذي توفره الحكومة مجاناً بمراكز ووحدات وزارة الصحة، والادعاء بأنه ضار، وبمقابل مالى، وهذا واحد من نماذج التشكيك العابرة الكثيرة والمتكررة.
أما النماذج الأساسية الدائمة الملحة والمتصلة، فيجب محاربتها ومقاومتها عبر تأكيد وجود الثقافة المصرية كضمير حاضر في المعالجات الإعلامية، وإعادة ترتيب سلم النجاح ونماذج الاحتذاء، في عصر لا يقبل فصل الصناعات الثقافية عن الصناعات الإبداعية، ومصر قادرة على إنجاز هذا الهدف الهام، كما هي قادرة على صياغة خطاب إعلامي ثقافي، إبداعي، لأنحاء الدنيا الأربعة.. مصر قادرة على كسب معركة الوعي العام في الداخل، وعلى الانتصار في حرب الجيل الرابع شديدة الشراسة.



