عاجل
السبت 28 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي

النص الكامل لحوار الإمام الأكبر مع إذاعة "الفاتيكان"

قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، إن رسالة الدين إلى الإنسان لا يمكن أن تثمر ثمارها المرجوة في هداية البشر، إلا إذا حملها رجال مؤمنون مخلصون متصالحون فيما بينهم، مشدداً على أن رسالة البابا فرنسيس تصب في اتجاه الحوار والتعايش بين بني الإنسان، وتجسد نداء لتطبيق مبادئ الأديان لصنع أخوة حقيقية لا مكان فيها للتفرقة بين الأديان والأعراق والأجناس، بما يتوافق مع رسالة الإسلام التي تؤكد أننا أخوة في البشرية.



 

وأضاف الإمام الأكبر في حواره لإذاعة "الفاتيكان"- على هامش مشاركته في قمة قادة الأديان بشأن المناخ والتعليم والمنعقدة بالعاصمة الإيطالية روما- أنه منذ اللحظة الأولى للقاء البابا فرانسيس لأول مرة، اكتشف قدر هائل من التجانس الفكري والروحي المشترك بينهما تجاه الأزمات التي يعاني منها الإنسان المعاصر، مشيراً إلى أن دعاة نشر الكراهية والإرهاب كاذبون وخائنون لأديانهم التي يرفعون لافتاتها ويسعون إلى إراقة الدماء بإسمها، وفيما يلي نص الحوار الذي اذيع مساء أمس بإذاعة الفاتيكان.

 

في البداية، كيف ولدت وتطورت صداقتكم مع البابا فرانسيس.. وماذا تعني لكم هذه الصداقة؟

إن علاقة الأزهر الشريف بالفاتيكان تعود إلى علاقة الإسلام بالمسيحية منذ العصر الأول لهذا الدين، حينما بعث النبي محمد عليه الصلاة والسلام بأصحابه إلى المستضعفين الفقراء الذين خضعوا إلى تعذيب قاسٍ من الوثنيين في مكة، أرسل بهم إلى النجاشي ملك الحبشة، الذي استقبل المسلمين وحماهم ولم يردهم إلى الجزيرة العربية إلا بعد أن قوي المجتمع المسلم وأصبح من الصعب أن يعذبوا أو يردوا عن دينهم، هذه العلاقة المميزة استمرت إلى نحو 10 قرون حتى في أحلك ظروف الحرب والصراعات المسلحة كان هناك حوار بين الإسلام والمسيحية وفلسفة العصور الوسطى مليئة بهذا التراث.

وتابع فضيلة الإمام: في العصر الحاضر انبثقت لجنة من الأزهر الشريف، سميت لجنة الحوار مع الفاتيكان، واستمرت الاجتماعات بين الفاتيكان والأزهر، ولكنها توقفت فترة 6 سنوات، ثم عادت إلى الظهور مرة أخرى في 2015م، بعدما تولى الأخ العزيز البابا فرانسيس الكرسي البابوي فبادر الأزهر الشريف بالتهنئة، ثم تلقينا رداً جميلاً من البابا شجعنا على التفكير من جديد في بدء علاقة قوية بين الفاتيكان والأزهر الشريف.

 

من هنا قررت أن أقوم بزيارة البابا فرانسيس في الفاتيكان وتمت في مايو 2016م، واكتشف كل منا أنه يحمل قدراً هائلاً من التجانس الروحي والفكري المشترك تجاه الأزمات التي يعاني منها الإنسان المعاصر، خاصة الفقراء والأرامل والأيتام وصرعى الحروب والمشردين، وأن هذا التجانس المشترك بيني وبينه يمكنه أن يقدم الكثير من أجل تخفيف هذه الأزمة، ولم اتردد في أن أمد يدي لهذا القائد الديني الذي تأكد لي منذ الدقائق الأولى لمقابلته أنه رجل السلام والإنسانية بامتياز، ثم صارت الأمور من نجاح إلى نجاح، ولم تمر 3 سنوات حتى أتممنا 6 لقاءات على مستوى القمة، وقعنا في الخامسة منها "وثيقة الأخوة الإنسانية"، والجواب التفصيلي في هذا الصدد، يمكن أن أحيله إلى كتاب "الإمام والبابا والطريق الصعب" والذي ترجم إلى اللغة الإيطالية، من تأليف تلميذنا وابننا القاضي محمد عبد السلام.

 

لماذا أردتم أن تلتزموا شخصياً في هذه المسيرة التاريخية التي لم يسبق لها مثيل؟

ادركت منذ طفولتي بحكم تعليمي الأزهر ونشأتي في الأقصر أن الدين يمتزج بالعلم والحضارة، نشأت مؤمناً بأهمية الدين القصوى في إنشاء الحضارات والتقدم المادي والروحي وحراسة هذه المكتسبات الحضارية من أن تتنكب في مسيرتها للطريق الصحيح فتصبح وبالاً على الإنسان والحيوان والشجر والحجر، بعد ذلك ازداد الوعي بأهمية الدين عمقاً في نفسي مع تقدم دراستي في العلوم الإسلامية وتخصصي في مجال العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين في الأزهر، وأدركت أن رسالة الدين إلى الإنسان لا يمكن أن تثمر ثمارها المرجوة في هداية البشر، إلا إذا حملها مؤمنون مخلصون متصالحون فيما بينهم، هذه الرسالة منوطة برجال الدين أولاً، ولا بد أن يكون من بين هذه الصفوة السلام والتوافق والتعاون على أداء هذه الرسالة لأنه لو كان بينهم هو الشقاق والنزاع في المقام الثاني، فلن يستطيعوا أن يوصلوا رسالة السلام إلى الناس، انطلاقاً من حكمة "فاقد الشيء لا يعطيه"، من هنا فكرت أن يتواصل الأزهر مع رجال الأديان وعلمائها ليتصالحوا فيما بينهم أولاً، ثم بعد ذلك ينزلوا إلى العالم ويبلغوا رسالة السلام التي حملتها إليهم الأديان، خاصة أن الأديان الإلهية التي ظهرت على مر التاريخ مصدرها هو الله تعالى، ولدينا نصوص في القرآن الكريم صريحة في أن ما أوحاه الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم، هو نفس ما أوحاه إلى إبراهيم وموسى وعيسى وأن المصدر واحد، وأنها جميعاً تشترك في كل ما ينفع الإنسانية من قيم وتعاليم ووصايا، لا يختلف فيها دين عن دين، كل هذا دفعني إلى أن أرحل واصطف إلى جوار إخوتي وزملائي من رجال الأديان ورموزها، لنكتشف هذا المشترك، وننزل به إلى الناس والبشرية، لعله يساعد في تخفيف آلام الإنسان في العصر الحديث.

 

ما الإسهام الذي تعتبرونه الأهم للرسالة العامة للبابا فرانسيس وهل هذه الرسالة تهم المسلمين أيضاً؟

 

إن هذه الرسالة بالغة الأهمية في هذا الوقت سواء للمسلمين وغير المسلمين، لأنها جاءت في وحي هذه اللقاءات، والبابا نفسه أشار في مقدمة رسالته التي تصب في اتجاه الحوار والتعايش بين بني الإنسان، وتعد نداء لتطبيق مبادئ الأديان لصنع أخوة حقيقية لا مكان فيها للتفرقة بين الأديان والأعراق والأجناس، وإلغاء كل التعصبات، لأن الرسالة تقول كلنا أخوة، والقرآن الكريم يقول للمسلمين أن لكم إخوة في البشرية، ونحن لدينا حكمة تقول "إن الإنسان أخ لي في الإنسانية"، وهذا ما ركزت عليه رسالة البابا بعنوان "كلنا إخوة".

 

ما الذي يمكن للأديان أن تفعله بشكل ملموس لنشر السلام والاحترام والتفاهم المتبادل وتحارب الأصولية التي تجدف على اسم "الله" من خلال الكراهية والإرهاب؟

 

إن الأديان تقوم على مبدأ التعارف والتفاهم والتعاون بين البشر، وتجنب الكراهية والصراعات والحروب، ولدينا في القرآن الكريم توجيه ملزم ليس للمسلمين فقط ولكنه للناس جميعاً: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا"، والهدف من تنوع الخلق هو التعارف، وهذا التوجيه من مشتركات الأديان الإلهية جميعاً، للقيام على مبدأ التعاون والتعارف مع احترام الاختلاف باعتباره سنة إلهية فطر الناس عليها، وأجزم أن مجتمع يطبق هذا المبدأ في مجالاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لا يمكن أن يجد نفسه مضطراً إلى الصراع أو الحروب مع الآخر، ومن يروج إلى أن الأديان كما أنزلها الله سبب الحروب في التاريخ كلام غير دقيق، لأن ما وقع في سياق التاريخ من صراعات باسم الدين هي صراعات سياسية، اختطفت اسم الدين بعدما "أولته" تأويلات فاسدة لتحقيق مكاسب ومصالح دنيوية لا صلة لها بالدين الحقيقي لا من قريب أو بعيد، وأن الذين ينشرون الكراهية بين الناس ويمارسون العنف وإراقة الدماء باسم الدين أو "الإله" كاذبون وخائنون لأديانهم التي يرفعون لافتاتها أياً كانت المذاهب والأديان أوالعقائد أو المذاهب التي يتحدثون باسمها.

 

يتحدث إعلان أبو ظبي حول الأخوة الإنسانية عن تعزيز المساواة بين الرجل والمرأة وعن كرامة المرأة ولكن هناك علامات مقلقة تدل على عودة الأصولية التي لا تحترم هذه الكرامة، فكيف يمكن محاربتها؟

 

ما أقرته وثيقة الأخوة الإنسانية، هو ما أقره الإسلام في احترام المرأة ومنحها حقوقها الكاملة، وليس لأحد أن يصادر على المرأة حقاً واحداً من حقوقها، التي لا يتسع المقام إلى شرحها وتفصيلها، بعد أن قررها نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم في كلمة صريحة موجزة، قال فيها: النساء شقائق الرجال، وما نعمله نحن المسلمين من مراكش إلى جاكارتا، فليعلمه أطفالنا في المدارس الإعدادية والثانوية، إن النساء كن يذهبن للصلاة مع النبي ويصطففن معاً خلف الرجال ويرينه ويرهن ويسألنه في أمور الدين والدنيا، كما أن السيدة عائشة أم المؤمنين شاركت في التعليم والسياسة، بل كانت تصوب ما كانت تراه خاطئاً في فهم بعض الصحابة في أحكام الشريعة، وهذا مدون وندرسه لتلاميذنا في الأزهر الشريف، أمام هذه الحقائق لا يستطيع أي مسلم مؤتمن على دينه، أن يصادر حقوق المرأة وما يصار في هذا الشأن انتصار لعادات وتقاليد بالية وقديمة تجيء على حساب شرعة الإسلام، وأحكامه فيما يتعلق بشؤون المرأة، ومن باب الأمانة يجب أن ننتبه إلى أن كلمة حقوق المرأة، يجب التفريق فيها بين حقوق صاغتها حضارات معاصرة، واعطتها للمرأة بعدما ضربت بأخلاق الدين ومشاعر الفطرة الإنسانية عرض الحائط، وبين حقوق أخرى صيغت في مجتمعات يشكل الدين فيها أساساً لا يهتز في بناء ثقافتها وأنماط حياتها، والفرق بين المفهومين واضح وضوح الشمس، اتمنى أن يستمر التواصل بين الأزهر وكل رجالات الدين المسيحي، والأديان الإلهية الأخرى من أجل مصلحة الإنسان وتخفيف ويلاته وآلامه.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز