عاجل
الثلاثاء 17 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
ثورة 30 يونيو
البنك الاهلي
لهذه الأسباب انتصرت مصر على إثيوبيا في جلسة مجلس الأمن

لهذه الأسباب انتصرت مصر على إثيوبيا في جلسة مجلس الأمن

خرجت مصر منتصرة على إثيوبيا، في اجتماع مجلس الأمن، مساء أمس، للمناقشة الثانية لقضية سد النهضة، انتصارًا لا يشوبه شك، بما يعكس تنامي القدرة الشاملة للدولة المصرية، وفي القلب منها الدبلوماسية، للأسباب التالية:



 

 

١- نجحت مصر في إثبات عدالة قضيتها، خلال كلمتها، التي ألقاها وزير الخارجية سامح شكري.

 

٢- حددت مصر مطالبها على وجه الحصر، متمثلة في اتفاق عادل ومتوازن، ملزم قانونًا للدول الأطراف، شارحة الجهود المبذولة على مدار عقد من الزمان، لم تنكر فيه يومًا حق إثيوبيا في تحقيق التنمية، في حين تعمدت إثيوبيا إفشال المفاوضات؛ منكرة حق مصر في الحياة.

 

٣- الاتفاق الملزم المنشود يحب أن يتضمن:

 

أ- تدابير وإجراءات لتفادي أي تأثيرات سلبية للسد على دولتي المصب.

 

ب- منع حدوث أي أضرار جسيمة بالمصالح المائية لكل من مصر والسودان، ناتجة عن الملء والتشغيل، خاصة في سنوات الجفاف مستقبلًا.

 

ج- ضمان صون أمن وفاعلية وكفاءة التشغيل لسدود دولتي المصب.

 

د- ضمان عدم تعرض أمن مصر المائي للخطر؛ جراء ملء وتشغيل هذا السد، الذي يمثل أكبر منشأة كهرومائية في إفريقيا.

 

هـ- ضرورة توافر ضمانات أمان السد وسلامته الإنشائية، حتى لا يعيش ١٥٠ مليون مصري وسوداني تحت تهديد محدق .

٤- كشفت مصر سر التعنت الإثيوبي، وأهدافه الخفية، وهي بالأساس سياسية، وليست تنموية كما يدعون، فالحقيقة تسعى إثيوبيا للهيمنة السياسية والتحكم عبر مياه النيل، والهدف تحويل المياه إلى سلاح هيمنة ونفوذ سياسي.

 

٥- استدلت مصر على حقيقة الصلف والعجرفة الإثيوبية، بنصوص لا يمكن إنكارها، حيث هي عبارات من خطاب وزير خارجية إثيوبيا، المقدم لمجلس الأمن، في الجلسة الأولى لمجلس الأمن لمناقشة القضية ٢٩ يونيو ٢٠٢٠.

- «أن النيل تحوّل إلى بحيرة..وأن النيل ملك لنا».

- معارضة إثيوبيا تضمين الاتفاق أحكامًا ملزمة لتسوية النزاعات، وتطالب دول المصب بالإقرار بسيطرة إثيوبيا المطلقة على النهر، ففي خطاب لوزير المياه الإثيوبي ٨ يناير ٢٠٢١ ذكر: «لا يوجد إلزام على إثيوبيا، سواء بموجب القانون- أو الممارسة- للتوصل إلى اتفاق مع دولتي المصب لتشييد سد النهضة أو أي مشروعات مائية مستقبلية».

- أعلن رئيس وزراء إثيوبيا ٣٠ مايو ٢٠٢١ أن بلاده تخطط لتشييد ما يزيد على مئة سد خلال العام المالي المقبل.

 

٦- فنّدت مصر- في كلمتها التي ألقاها وزير الخارجية سامح شكري- مزاعم إثيوبيا وحججها الواهية، قبل أن يعرضها وزير الخارجية الإثيوبي في كلمته التالية على كلمتي مصر والسودان، وهو ذكاء مصري وحسن توقع وحرفية دبلوماسية.

 

أ- ففي حين توقعت مصر حديث إثيوبيا عن أن السد بهدف التنمية وتوليد الكهرباء، فقد أكدت مصر أنها داعمة لحق إثيوبيا في التنمية، لدرجة عرضها المساهمة في بناء السد، وكذا الربط الكهربائي بين مصر وأديس أبابا لدعم إثيوبيا بالكهرباء، ليكون السد رمزًا للصداقة والسلام، وهو ما قوبل بالتعنت الإثيوبي، فمصر لا تستهدف وقف السد، بل ضمانات عملية لسلامته الإنشائية، وضمانات عدم تعريض مصر والسودان لآثاره السلبية.

 

ب- ذكرت مصر ذرائع إثيوبيا وحجتها الواهية، بتعرضها للظلم وتوقيع اتفاقيات تقاسم مياه النهر في ظل الاستعمار، وردت مصر بأن إثيوبيا لم تخضع يومًا للاستعمار، ولم توقع الاتفاقيات تحت أي إكراه.

 

فكان أن ذكرت إثيوبيا تلك الحجج في كلمتها اللاحقة على مصر، ومن ثم يتضاءل تأثيرها، فقد ذكرتها مصر ودحضتها.

 

٧- أوضحت مصر، وهي من الأعضاء الأصليين الموقعين على ميثاق الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو عام ١٩٤٥، بين 51 دولة عضوًا أصليًا من إجمالي ١٩٣ دولة، الآن، أنها تحترم ميثاق الأمم المتحدة، وجاءت لمجلس الأمن لاتخاذ تدابير من شأنها صون الأمن والسلم الدوليين، بموجب المادة ٣٤ من ميثاق الأمم المتحدة.

 

وفي الوقت ذاته كشفت مصر عجرفة وصلف وتكبر حكومة إثيوبيا، وانعدام شعورها بالمسؤولية وعدم المبالاة تجاه الضرر الذي قد يلحقه ملء السد على مصر والسودان، بل ازدراءها للقانون الدولي والإرادة الدولية في حفظ الأمن والسلم الدوليين، التي عبّر عنها المجلس في جلسته السابقة، والتي ما لبثت إثيوبيا بعد أيام منها أن أصدرت تصريحات واتخذت إجراءات تتعمد بها إفشال المفاوضات وتقوض مساعي الحلول السلمية.

 

وبالمناسبة توجد أربع دولة من إفريقيا بين الدول الأعضاء الأصليين- ويقصد بالعضو الأصلي الموقعين على ميثاق الأمم المتحدة في مؤتمر سان فرانسيسكو ١٩٤٥، وإعلان ١٩٤٢- ولهذه وضعية خاصة، وتميز عن الدول التي وقعت الميثاق فيما بعد.

والدول الإفريقية، التي تتمتع بعضوية أصلية: «مصر وإثيوبيا وجنوب إفريقيا وليبيريا»، ومن ثم أولى بإثيوبيا احترام ميثاق الأمم المتحدة الذي وقعته.

 

٨- كشفت الجلسة، مواقف الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي أمريكا وفرنسا والصين وبريطانيا وروسيا، وتتمتع تلك الدول بحق الفيتو، حيث جاءت كلماتهم عاكسة لسياسة الحياد، حفاظًا على مصالحهم مع كل الدول الأعضاء، دون الانحياز للحقوق المشروعة، فرغم الدعوة لاستئناف التفاوض، كانت كلمة فيتنام، العضو غير الدائم، أكثر وضوحًا وانحيازًا للقانون الدولي الحاكم لحقوق الدول المتشاطئة للأنهار عابرة الحدود، ورفضها القاطع افتئات طرف على حقوق الآخرين.

 

٩- نجحت مصر في تحديد الممكن، في ظل صلاحيات المجلس المنصوص عليها في الباب السادس، بالتنسيق مع الشقيقة تونس- العضو غير الدائم بمجلس الأمن- فدعت مصر لتبني مشروع القرار المقدم من تونس، وهو قرار يوقف استئناف الملء الثاني للسد، ويضع سقفًا، ستة أشهر للمفاوضات لبلوغ اتفاق عادل ومتوازن وملزم قانونًا لأطرافه، وهو ما يحقق مطالب مصر والسودان المشروعة.

 

١٠- بخطابي مصر الأول ٢٩ يونيو ٢٠٢٠، والثاني ٨ يوليو ٢٠٢١، أودعت وثيقتين مهمتين، لجهود ١٠ أعوام أثبتت فيها الإرادة السياسية المصرية حسن النية، والحرص على الحلول السلمية، ومن ثم تكون مرجعية حال اضطرار مصر لاتخاذ أي قرار تراه مناسبًا حال مواصلة إثيوبيا تعنتها.

 

 

١١- اكتساب الموقف المصري- السوداني، مساحة دولية أكبر من الشرعية، فقد أشارت مصر في كلمتها للوساطة الأمريكية، وقبول مصر توقيع مخرجات المباحثات بالأحرف الأولى، فيما تهربت إثيوبيا في اللحظات الأخيرة.

 

كما أشادت مصر، ببيان الاتحاد الأوروبي، الصادر في نفس يوم انعقاد مجلس الأمن، الذي أعرب فيه الاتحاد عن أسفه لبدء إثيوبيا الملء الثاني للسد، دون اتفاق.

 

ولعل ذلك يعكس ذكاء الدبلوماسية المصرية، في تقديم محفزات لمجلس الأمن، لاتخاذ موقف مماثل، وعلى المستوى القاري، فقد أشادت مصر بجهود الاتحاد الإفريقي.

 

 

١٢- فيما جاءت كلمة إثيوبيا قصيرة، مفككة، ضعيفة، مكررة المضامين، خالية من الحجج المقنعة.

 

١٣- امتازت كلمة مصر بحرفية عالية في ترتيب عناصرها، ومضامينها، وشدة رسائلها، وعباراتها، والاستعارات، بدأت مشتعلة، تلهب ظهر حكومة إثيوبيا، بما اقترفته من آثام إفشال المفاوضات، لتنتهي بالتأكيد على حرص مصر على السلم والأمن الدوليين، تدعو لوقف الملء واستئناف التفاوض بسقف زمني؛ بتبنيها مشروع قرار تونس.

 

بدأت بإجمال القضية: «مصر- تلك الأمة التي يتجاوز تعدادها أكثر من مئة مليون نسمة- تواجه تهديدًا وجوديًا».

 

ثم تأتي البلاغة الأدبية والاستعارات في كلمة رسمية، «فقد بني كيان هائل على الشريان الذي يهب الحياة لشعب مصر، وارتفع جدار ضخم من حديد وفولاذ بين ضفتي نهر عظيم وعريق، ملقيًا بظلاله الثقال على مستقبل مصر ومصير شعبها، مع كل حجر يعلو سد النهضة الإثيوبي ويتسع خزانه، يضيق شريان الحياة لملايين الأبرياء الذين يعيشون بعد هذا السد العملاق على مجرى نهر النيل».

 

ثم انتقال سلس لبداية لجوء مصر لمجلس الأمن، العام الماضي، وتحذيراتها للمجتمع الدولي من هذا الخطر المحدق، لتلافي تصاعد التوتر في «إقليم هش»، وفي هذا إقرار واقع- وفي الوقت ذاته تذكير- بهشاشة الإقليم الذي يهدد أي تصاعد للتوتر به مصالح الدول دائمة العضوية، فالصين وأمريكا وفرنسا وبريطانيا وروسيا أقوى دول العالم ذات الارتباط الاقتصادي بالقارة الإفريقية، خاصة منطقة القرن الإفريقي.

 

جيبوتي- على سبيل المثال لا الحصر- المنفذ الأساسي لإثيوبيا الدولة الحبيسة، للوصول للبحر، وبها قواعد عسكرية فرنسية وأمريكية وبريطانية وروسية وإسبانية وإيطالية، والأهم بها القاعدة العسكرية الصينية الوحيدة خارج حدود الصين، كما أن الصين من أكبر المستثمرين في إفريقيا، وعالميًا ثاني أكبر مستورد للنفط من إفريقيا، ومن ثم تهديد الأمن والسلم في منطقة هشة يعرض مصالحهم للخطر.

 

 

تدرج الخطاب، ليصل لذروة جلد الصلف الإثيوبي بوصف سلوكها بـ«الفج الذي يعكس انعدام المسؤولية، سيئة النية، متعجرفة متكبرة».

 

لتهدأ النبرة طارحة الموقف المصري محددة المطالب، والتعريف بخطورة الآثار السلبية على الفلاح البسيط والبيئة والتصحر وتدهور الزراعة، «وهو الوضع الذي لا يمكن لمصر تحمله، بل لن تتقبله أو تتسامح معه».

 

وختامًا التأكيد «أن مصر سوف تبذل كل الجهد للتوصل إلى اتفاق يدعم رابطة الأخوة بين دولنا ووشائح القرابة بين الشعوب التي تعيش على ضفاف نهر النيل».

والأهم إن إلقاء وزير خارجية مصر، بيانها بالغة الإنجليزية، استهدف وصول تلك الرسائل بوضوح شديد، بعيدًا عن احتمالات تباين دقة الترجمات لبعض الألفاظ والعبارات. 

فعكست جلست مجلس الأمن، تنامي القدرة الشاملة للدولة المصرية، ممثلة في تنامي قوة الدبلوماسية، والتعاطي مع الأزمة المصيرية بأساليب علمية، تتنوع خياراتها، وتنسج مظلة دولية لأي تحركات مستقبلية تجدها مناسبة في قادم الأيام.

 

 

حفظ الله مصر، وشعبها ونيلها وقياداتها وجيشها.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز