تفسير بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ والفاتحة
عيسى جاد الكريم
نبدأ معكم أولى حلقات تفسير الآيات من القرآن الكريم التي تقدمها بوابة روزاليوسف فى شهر رمضان المبارك بتفسير أولي آيات القرآن الكريم وسورة الفاتحة والتي يبدأ بها كل مسلم صلاته ويقرأها فى كل ركعة من ركعات صلواته الخمس بل أنها السورة الوحيدة التي تقرأ فى صلاة الجنازة وصلاة الغائب على الأموات ، وسنتناول فى التفسير شرح مبسط للآيات وذلك مقارنة بما ورد فى أكثر من تفسير للمفسرين حيث يوجد أكثر 90 تفسيرا لفقهاء التفسير من عظام الفقهاء القدماء والمحدثين وسنحاول الإيجاز ونحيلكم للمصادر لمن يريد الاستزادة .
الاستعاذة
وقبل البدء فى قراءة آيات القرآن الكريم محمود أن يستعيذ المسلم من الشيطان الرجيم ويقول الأمام القرطبي"هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فَرْح الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي المفسِّر[1]. ولد في قرطبة[2] أوائل القرن السابع الهجري ولد فى قرطبة بإسبانيا 1412
وتوفي يوم 29 إبريل 1273 ميلاية بعد ان انتقل لمصر واستقر بِمُنْيَة بني خصيب في شمال أسيوط، ويقال لها اليوم: المنيا وتوفي بها.
تأويل قوله : ( أعوذ ) .
يقول تفسير القرطبي .. قال أبو جعفر : والاستعاذة : الاستجارة . وتأويل قول القائل : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) أستجير بالله - دون غيره من سائر خلقه - من الشيطان أن يضرني في ديني ، أو يصدني عن حق يلزمني لربي .
تأويل قوله : ( من الشيطان )
قال أبو جعفر : والشيطان ، في كلام العرب : كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء . وكذلك قال ربنا جل ثناؤه : ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن ) [ سورة الأنعام : 112 ] ، فجعل من الإنس شياطين ، مثل الذي جعل من الجن .
تفسير الجلالين للسيوطي للفاتحة
ويقول هو الأمام عبد الرحمن بن كمال الدين أبي بكر بن محمد سابق الدين خضر الخضيري الأسيوطي والده كان من محافظة أسيوط ومشهور باسم جلال الدين السيوطي، ولد في القاهرة 849" ه ـ 1445 م"- وتوفي ودفن في القاهرة" 911 هـ ـ " 1505 ميلادية بمنطقة السيدة عائشة خلف مسجد المسبح حيث يوجد له مقام بمائذه ولا يعرفه كثير من الناس .
ويقول {ٱلْحَمْدُ للَّهِ } جملة خبرية قصد بها الثناء على الله بمضمونها من أنه تعالى مالك: لجميع الحمد من الخلق أو مستحق لأن يحمدوه و(الله) علم على المعبود بحق {رَبّ ٱلْعَٰلَمِينَ } أي مالك جميع الخلق من الإنس والجنّ والملائكة والدواب وغيرهم وكل منها يطلق عليه عالم، يقال: عالم الإنس وعالم الجنّ إلى غير ذلك. وغلب في جمعه بالياء والنون أولو العلم على غيرهم وهو من العلامة لأنه علامة على موجده.
تفسير ابن عرفة لـ {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ}:
فى تفسير ابن عرفة ( محمد بن عرفة الورغمي المالكي، ولد في تونس سنة 716 هـ، ) وهو من ضمن أدق تفاسير القرآن الكريم عن {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ}
قال: ويتحصل في قراءتها في أول الحمد في الفريضة أربعة (وجوه):
قراءتها للشافعي - وكراهتها لمالك - واستحبابها محمد ابن مسلمة - والرابع قراءتها سرّا استحبابا -. وأما النافلة فلمالك فيها في الحمد قولان، وله فيما عدا الحمد ثلاثة، فله في هذه الرواية القراءة، وله في رواية أشهب عنه عدمها إلا أن يقرأ القرآن في صلاته عرضا، وفي المدونة أنّه يخيّر .
قال القاضي عماد الدين: ذهب مالك وأبو حنيفة إلى ان عن {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ} أنها ليست آية من الفاتحة ولا من أول كل سورة وذهب الشافعي وجماعة إلى أنها آية من الفاتحة وعنه في كونها آية من (أول) كل سورة قولان: ((فمن أصحابه من حمل القولين على أنها من القرآن في أول كل سورة، ومنهم من حملها على أنها هل هي آية برأسها في أول كل سورة أو هي مع كل آية من أول كل سورة آية؟
ونقل السهيلي)) في الروض الأنف (عن) داود وأبي حنيفة أنها آية مقترنة مع السورة.
ابن عرفة: قيل البسملة آية من كل سورة.
فقال الغزالي في المستصفى: معناه أنها آية مع كل سورة وليست جزءا من كل سورة.
وقال غيره: معناه أنها آية أي جزء من كل سورة.
وورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها: (ما كنا نعلم تمام السورة إلا بالبسملة)
تفسير بحر العلوم للفاتحة
وفى تفسير بحر العلوم لأبو الليث السمرقندي ( أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب السمرقندي الفقيه الحَنَفِيُّ (333 هـ - 373 هـ) صاحب تفسير القرآن الكريم الّذي سمّاه بـ "بحر العلوم".
روي عن مجاهد أنه قال: سورة فاتحة الكتاب مدنية، وروى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال: هي مكية. ويقال: [نصفها نزل بمكة ونصفها نزل بالمدينة]. [حدثنا] الحاكم أبو الفضل، محمد بن [الحسين] الحدادي قال: حدثنا أبو حامد المروزي قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال: حدثنا عمر بن يونس قال: حدثنا جهضم بن عبد الله عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في كتاب الله لسورة ما أنزل الله على نبي مثلها فسأله أبي بن كعب عنها فقال: إني لأرجو أن لا تخرج من الباب حتى تعلمها، فجعلت أتبطأ، ثم سأله أبي عنها فقال: كيف تقرأ في صلاتك؟ قال: بأم الكتاب. فقال: والذي نفسي بيده ما أنزل فى التوراة والإنجيل والقرآن مثلها، وإنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته" وقال بعضهم: السبع المثاني، هي السبع الطوال سورة: البقرة، وآل عمران والخمس التي بعدها [وسماها مثاني لذكر القصص فيها مرتين]. وقال أكثر أهل العلم: هي سورة [الفاتحة]، وإنما سميت السبع لأنها سبع آيات، وإنما سميت المثاني لأنها تثنى بقراءتها في كل صلاة. وقال: حدثنا أبي قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن حامد الخزعوني، قال: حدثنا علي بن إسحاق، قال: حدثنا محمد بن مروان عن محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح - مولى أم هانىء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ٱلْحَمْدُ للَّهِ} قال: الشكر لله. ومعنى قول ابن عباس: الشكر لله، يعني الشكر لله على نعمائه كلها، وقد قيل: {ٱلْحَمْدُ للَّهِ} يعني الوحدانية لله. وقد قيل: الألوهية لله، وروي عن قتادة أنه قال: معناه الحمد لله الذي لم يجعلنا من المغضوب عليهم ولا الضالين. ثم معنى قوله {ٱلْحَمْدُ للَّهِ} قال بعضهم: (قل) فيه مضمر يعني: قل: الحمد لله. وقال بعضهم: حمد الرب نفسه، ليعلم عباده فيحمدوه. وقال أهل اللغة: الحمد هو الثناء الجميل، وحمد الله تعالى هو: الثناء عليه بصفاته الحسنى، وبما أنعم على عباده، ويكون في الحمد معنى الشكر وفيه معنى المدح وهو أعم من الشكر، لأن الحمد يوضع موضع الشكر ولا يوضع الشكر موضع الحمد. وقال بعضهم: الشكر أعم لأنه باللسان وبالجوارح وبالقلب، والحمد يكون باللسان خاصة. [كما قال اعملوا آل داود شكراً]. وروي عن ابن عباس أنه قال: الحمد لله كلمة كل شاكر، وذلك أن آدم عليه السلام قال حين عطس: الحمد لله: فقال الله تعالى: (يرحمك الله) فسبقت رحمته غضبه. وقال الله تعالى لنوح: { فَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى نَجَّانَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } [المؤمنون: 28] وقال إبراهيم عليه السلام : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ } [إبراهيم: 39] وقال في قصة داود وسليمان: { وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [النمل: 15] وقال لمحمد عليه السلام { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } [الإسراء: 111] وقال أهل الجنة: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِىۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ } [فاطر: 34] فهي كلمة كل شاكر. وقوله تعالى: {رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: سيد العالمين. وهو رب كل ذي روح [تدب] على وجه الأرض. ويقال: معنى قوله {رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ} خالق الخلق ورازقهم ومربيهم ومحولهم من حال إلى حال، من نطفة إلى علقة، [ومن علقة] إلى مضغة. والرب في اللغة: هو السيد قال الله تعالى: { ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ } [يوسف: 50] يعني إلى سيدك. والرب: هو المالك، يقال: رب الدار، ورب الدابة والرب هو المربي من قولك: ربى يربي. وقوله {ٱلْعَـٰلَمِينَ} كل ذي روح، ويقال: كل من كان له عقل يخاطب مثل بني آدم والملائكة والجن ولا يقع على البهائم ولا على غيرها. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن لله تعالى ثمانية عشر ألف عالم، وإن دنياكم منها عالم واحد" ويقال: كل صنف [من الحيوان] عالم على حده. قوله عز وجل {ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ} قال في رواية الكلبي هما إسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر. وقال بعض أهل اللغة: هذا اللفظ شنيع فلو قال: هما إسمان لطيفان لكان أحسن ولكن معناه عندنا - والله أعلم - أنه أراد بالرقة الرحمة يقال: رق فلان [لفلان] إذا رحمه. يقال: رق يرق إذا رحم. وقوله: أحدهما أرق من الآخر. قال بعضهم: الرحمن أرق لأنه أبلغ في الرحمة لأنه يقع على المؤمنين والكافرين. وقال بعضهم: الرحيم أرق لأنه في الدنيا وفي الآخرة. وقال بعضهم: كل واحد منهما أرق من الآخر من وجه، فلهذا المعنى لم يبين، وقال أحدهما أرق من الآخر، يعني كل واحد منهما أرق من الآخر. قوله تعالى: {مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ} قرأ نافع وابن كثير وحمزة وأبو عمرو بن العلاء وابن عامر: ملك بغير الألف وقرأ عاصم والكسائي بالألف فأما من قرأ بالألف قال: لأن [المالك] أبلغ في الوصف، لأنه يقال: مالك الدار، ومالك الدابة، ولا يقال ملك، إلا لملك من ملوك، وأما الذي قرأ: ملك [بغير ألف قال] "لأن [الملك] أبلغ في الوصف، لأنك إذا قلت: فلان ملك هذه البلدة يكون ذلك كناية عن الولاية دون الملك، وإذا قلت فلان مالك هذه البلدة كان ذلك عبارة عن ملك الحقيقة، وروى مالك بن دينار [عن] [أنس بن مالك] قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي يفتتحون الصلاة بـ {ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ} وكلهم يقرأون {مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ} بالألف. قال الفقيه -رحمه الله -: سمعت أبي يحكي [بإسناده] عن أبي عبد الله محمد بن شجاع البلخي يقول: كنت أقرأ [بقراءة] الكسائي مالك يوم الدين بالألف فقال لي بعض أهل اللغة: الملك أبلغ في الوصف، فأخذت بقراءة حمزة (وكنت أقرأ) {ملك يوم الدين} فرأيت في المنام كأنه أتاني آت فقال لي: لم حذفت الألف من مالك؟ أما بلغك الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "اقرأوا القرآن فخما مفخماً" [فلم أترك القراءة بـ: "ملك" حتى أتاني بعد ذلك آت في المنام فقال لي:] لم حذفت الألف من مالك؟ أما بلغك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، فلم نقصت من حسناتك عشراً في كل قراءة؟ فلما أصبحت أتيت قطرباً وكان إماماً في اللغة - فقلت له: ما الفرق بين ملك ومالك؟ فقال: بينهما فرق كثير. فأما ملك فهو ملك من الملوك، وأما مالك فهو مالك الملوك. فرجعت إلى قراءة الكسائي. ثم معنى قوله "مالك" يعني: قاضي وحاكم (يوم الدين) يعني يوم الحساب كما قال تعالى { ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } [التوبة، الآية: 36] [يعني الحساب القيم. وقيل أيضاً: معنى يوم الدين يعني يوم القضاء. كما قال الله تعالى { مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ ٱلْمَلِكِ } [يوسف: 76] يعني في قضائه] وقيل أيضاً: يوم الدين أي يوم الجزاء، كما يقال: كما تدين تدان. يعني كما تجازي تجازى به. فإن قيل: ما معنى تخصيص يوم الدين؟ وهو مالك يوم الدين وغيره. قيل له: لأن في الدنيا، كانوا منازعين له في الملك. مثل فرعون ونمرود وغيرهما. وفي ذلك اليوم لا ينازعه أحد في ملكه، وكلهم خضعوا له. كما قال تعالى: { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [غافر: 16] فأجاب جميع الخلق { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارُِ } [غافر: 16] فكذلك ها هنا. قال: {مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ} يعني في ذلك اليوم لا يكون مالك، ولا قاض ولا مجاز غيره. قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} هو تعليم، علم المؤمنين كيف يقولون إذا قاموا بين يديه في الصلاة فأمرهم بأن يذكروا عبوديتهم وضعفهم حتى يوفقهم ويعينهم فقال {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي نوحد ونطيع. وقال بعضهم {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} يعني إياك نطيع طاعة، نخضع فيها لك. وقوله تعالى: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يقول: [بك نستوثق] على عبادتك وقضاء الحقوق. وفي هذا دليل على أن الكلام قد يكون بعضه على وجه المغايبة وبعضه على وجه المخاطبة، لأنه افتتح السورة بلفظ المغايبة وهو قوله {ٱلْحَمْدُ للَّهِ} ثم ذكر بلفظ المخاطبة، فقال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وهذا كما قال في آية أخرى { هُوَ ٱلَّذِى يُسَيِّرُكُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ } [يونس: 22] فذكر بلفظ المخاطبة، ثم قال { وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا } [يونس: 22] [هذا ذكر] على المغايبة. ومثل هذا في القرآن كثير. قوله تعالى: {ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ} رويت القراءتان عن ابن كثير أنه قرأ "السراط" بالسين وروي عن حمزة أنه قرأ بالزاي وقرأ الباقون بالصاد وكل ذلك جائز، لأن مخرج السين والصاد واحد وكذلك الزاي مخرجه منهما قريب، والقراءة المعروفة بالصاد {ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ}. قال ابن عباس رضي الله عنهما: {ٱهْدِنَا} يعني أرشدنا {ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ} وهو الإسلام فإنما يسأل العبد ربه أن يرشده إلى الثبات على الطريق الذي ينتهي به إلى المقصود، ويعصمه من السبل المتفرقة.
وقد روي عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: خط لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطاً مستقيماً، وخط بجنبه خطوطاً، ثم قال: إن هذا الصراط المستقيم وهذه السبل، وعلى رأس كل طريق شيطان يدعو إليه ويقول: هلم إلى الطريق وفي هذا نزلت هذه الآية { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [الأنعام: 153] فلهذا قال: اهدنا الصراط المستقيم واعصمنا من السبل المتفرقة.
وروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: {ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ} يعني ثبتنا عليه. ومعنى قول علي: ثبتنا عليه. يعني احفظ قلوبنا على ذلك، ولا تقلبها بمعصيتنا. وهذا موافق لقول الله تعالى: { وَيَهْدِيَكَ صِرَٰطاً مُّسْتَقِيماً } [الفتح: 2] فكذلك ها هنا.
قوله تعالى: {صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} يعني طريق الذين مننت عليهم، فحفظت قلوبهم على الإسلام حتى ماتوا عليه. وهم أنبياؤه وأصفياؤه وأولياؤه قال: هو النبي - عليه السلام - وصاحباه من بعده أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
وقوله تعالى {غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} أي غير طريق اليهود. يقول: لا تخذلنا بمعصيتنا، كما خذلت اليهود فلم تحفظ قلوبهم، حتى تركوا الإسلام {وَلاَ ٱلضَّالّينَ} يعني ولا النصارى، لم تحفظ قلوبهم وخذلتهم بمعصيتهم حتى تنصروا. وقد أجمع المفسرون أن المغضوب عليهم أراد به اليهود، والضالين أراد به النصارى. فإن قيل: أليس النصارى من المغضوب عليهم؟ واليهود أيضاً من الضالين؟ فكيف صرف المغضوب إلى اليهود، وصرف الضالين إلى النصارى؟ قيل له: إنما عرف ذلك بالخبر واستدلالا بالآية.
فأما الخبر، فما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رجلاً سأله وهو بوادي القرى من المغضوب عليهم؟ قال: اليهود، قال: ومن الضالين؟ فقال: النصارى وأما الآية فلأن الله تعالى قال في قصة اليهود: { فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ } [البقرة: 90] وقال تعالى في قصة النصارى: { قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [المائدة: 77].
(آمين) ليس من السورة. ولكن روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقوله، ويأمر به، ومعناه ما قال ابن عباس: يعني كذلك يكون، وروي عن مجاهد أنه قال: هو اسم من أسماء الله تعالى ويكون معناه: يا الله استجب دعاءنا.
وقال بعضهم: هي لغة بالسريانية. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ما حسدتكم اليهود في شيء، كحسدهم في (آمين) يعني: أنهم يعرفون ما فيه من الفضيلة. وروي عن كعب الأحبار أنه قال: (آمين) خاتم رب العالمين، يختم به دعاء عباده المؤمنين. وقال مقاتل: هو قوة للدعاء واستنزال للرحمة. وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معنى آمين؟ قال: رب افعل. ويقال: فيه لغتان (أمين) بغير مد، و(آمين) بالمد، ومعناهما واحد .
ومن يريد التوسع فى قراءة تفسير أكثر لسورة الفاتحة ننصحة بمتابعة
هذه المصادر
التفاسير العظيمة والذي يحوى عشرات التفاسير الموثقة وهو موقع ووقف للأمير غازى للفكر القرآني .