عاجل
الخميس 29 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
باقي علي افتتاح المتحف الكبير
  • يوم
  • ساعة
  • دقيقة
  • ثانية
البنك الاهلي

"حكاية سَجلمَاسة".. أول طريق الذهب الإفريقي

د. إسماعيل حامد
د. إسماعيل حامد

تقع أطلال مدينة سجلماسة في أقصى جنوب المملكة المغربية حاليًا، وهي تعتبر من أهم المراكز التجارية الإفريقية القديمة عبر دروب الصحراء الكبرى عبر العصور، لا سيما فيما يخص تجارة الذهب الإفريقي.



 

وقد تأسست مدينة سجلماسة أيام دولة "بني مدرار" حوالي سنة 140هـ/757م لتكون عاصمة لهذه الدولة التي تأسست في شمال إفريقيا، وكانت سجلماسة قبل ذلك مرعى خصب لقبائل وبطون البربر (وهم قبائل الأمازيغ حاليًا) القاطنين في مناطق شمال إفريقيا والمغرب.

 

 

وشهدت سجلماسة ازدهارًا كبيرًا أيام السلطان إليسع الأول (174-208هـ/790–823م)، وهو من سلاطين دولة بني مدرار، وهو الذي أقام بها نهضة عمرانية وأعاد بناءها مرة أخرى ثم قسم أراضيها بين القبـائل.

 

وتقع سجلماسة على مسافة 46 مرحلة (تساوي المرحلة حوالي 40 كم) من مدينة القيروان التي تقع بالقرب من تونس حاليًا، ومن جانب آخر فإن المسافة بين مدينة سجلماسة وبين وادي درعة (بالمغرب) مسيرة حوالي أربعة أيام، أي 160 كيلومترًا.

 

وتعد سجلماسة بداية ما يُعرف بـ"طريق الـذهب"، وهو الطريق الذي يؤدي إلى أسواق الذهب في بلاد غرب إفريقيا، حيث كانت تتجمع بها القوافل التجـارية، ومن ثم يتأهب التجـار لاختراق مسالـك الصحراء صوب أسواق الذهب الإفريقي الكبرى مثل تمبكتو، وجاو، وجني، وولاتة.. إلخ.

 

ومن مدينة سجلمـاسة بدأ الـرحالة المغربي ابن بطوطة (ت: 779هـ/1377م) رحلته الشهيرة إلى السودان الغربي (أي غرب إفريقيا) مع إحدى هذه القوافل التجـارية التي كانت تقصد مناطق وأسواق الذهب المعروفة في بلاد غرب إفريقيا.

 

 

وكان هذا الطريق التجاري المعروف بـ"طريق الذهب"، وبحسب رواية أبي عبيد البكري (ت: 487هـ/1094م) يبدأ من مدينة سجلماسة إلى منطقة تيحمامين (وبها مناجم النحاس) يومان (أي 80 كم)، ومنهـا إلى وادي درعـة يومان، ومن وادي درعة إلى منطقة اذامت بالمغرب ثم إلى مدينة ورزازات يومان، ثم إلى بلدة هسكورة أربعة أيام، ثم إلى هزرجة ومسافة يوم إلى منطقة أغمات.

 

ويصف البكري مدينة سجلماسة بقوله: "سجلماسة مدينة سهلية، أرضها سبخـة، حولها أرباض كثيرة.. ولها بساتين كثيرة".

 

وأورد ابن بطوطة عن هذه المدينة: "من أحسن المدن، وبها التمر الكثير الطيب.. "، وتعتبر سجلماسة فيما يـذكر المؤرخ والجغرافي المعروف "الزهري" (عاش خلال القرن 6هـ/12م) من بلاد السوس الأقصى في المغرب، والتي يحدها من الشرق الصحراء التي تـؤدى إلى بلاد لمتونـة المرابطين، وبلاد زناتة في الجنوب.

 

وبحسب رواية أبي الحسن المسعودي (المتوفي بالفسطاط بمصر سنة: 346هـ/957م) فإن بين بلاد السوس الأقصى والسوس الأدنـى مسيرة عشرين يومًا، عمائر متصلة إلى أن تتصل بـ"وادي الـرمل" والقصر الأسود..".

 

ولا يعنى أن سجلماسة كانت تمثل بـداية "طريق الـذهب"، أو "تجـارة الـذهب" عبر الصحراء الكبرى، بل طريقًا تسير فيه القـوافل التي تحمل المعدن النفيس والمنتجـات الأخرى أيضًا، مثل: الملح والعبيد وكذلك الملابـس، وغيرهـا من السلع والبضائع القادمـة من بـلاد المغرب لغرب إفريقيا، ثم كـانت تعود القـوافل شمالًا لأسواق المغـرب وشمال إفريقيا محملة بـالـذهب.

 

ويـذكر ابن بطوطـة أنـه أقـام في سجلماسة مدة أربعـة شهور، وأنه اشترى خلالها الإبل التي كان يحتاجهـا خلال رحلته الطويلـة في غرب إفريقيا، وكـذلك علفهـا التي تحتاجـه، وإلى أن تتجمع القـوافل التجاريـة في مدينة "سجلماسـة" قـاصدة الذهاب إلى بـلاد الـذهب الإفريقي، ثم تـبدأ الـرحلة الطويلة التي ربما تصل لحوالي شهرين أو أكثر صوب الصحراء إلى مناطق الجنـوب.

 

ويذكر ابـن بطوطـة أن القافلـة التـي رافقهـا من سجلماسة لبلاد غرب إفريقيا بـدأت رحلتهـا في غـرة شهر المحرم من سنة 753هـ/1352م، وكـانت القـافلة تقصد الطريق إلى "تغـازي" (تغـازة)، وكـانت القـافلة تضـم جماعـة من تجـار سجلمـاسة وغيرهم من التجـار القـادمين إليهـا من باقي المناطق والبـلاد الأخـرى المجاورة لها، أي أن تلك القـوافل التجارية كـانت تضم في الغالب خليطـًا ديموغرافـيًا من الشعوب والقبائل من شتـى الأصقـاع كانوا يـريدون "أرض الـذهب" في غرب إفريقيا.

 

ويـذكر الرحالة ابن حوقـل أن التجـار كـانوا يفضلون سلـوك هذا الطريـق القادم من مدينة سجلماسة في فصل الشـتاء، وربما كان ذلك اتقـاء لشـدة الحـرارة خلال المسير عبر هذا الطريـق، وكذلك نظرا لقلـة الماء الذي يتوافر للقوافل التجارية في موسم الصيف.

 

أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الإفريقي

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز