عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكاية تمبكتو العجيبة.. مركز الذهب في غرب إفريقيا

د. إسماعيل حامد اسماعيل
د. إسماعيل حامد اسماعيل

هي من أهم المدن الإفريقية القديمة جنوب الصحراء الكبرى، وتعد “تمبكتو” أحد المراكز الثقافية والتجارية الإسلامية ذات الأهمية الكبرى خلال العصر الوسيط في غرب إفريقيا (أي السودان الغربي حسب المصادر التاريخية القديمة)، ولهذا يصفها بعض المؤرخين بأنها "تمبكتو العجيبة".



 

وتذكر المصادر الإفريقية الكلاسيكية هذه المدينة باسم: (تنبكت)، وهي تُعرف أيضًا باسم "تمبكت"، وكذلك تكتب هذه المدينة باسم "تمبكتو" في الكتاب الغربية، لا سيما الكتابات الفرنسية منها، وهو الاسم الأكثر انتشارًا في أيامنا حاليًا.

 

تقع مدينة تمبكتو شمال عاصمة دولة مالي بماكو، بحوالي 1300 كم، عند الحافة الجنوبية للصحراء الكبرى، وتبعد المدينة نحو 13 ميلًا عن مجرى نهر النيجر، وهو أهم وأكبر أنهار غرب إفريقيا، كما تبعد تمبكتو عن منطقة جاو Gao (في مالي) حوالي 12 مرحلة في اتجاه الشرق بحسب مصادر العصر الوسيط، أما لفظ المرحلة- أو اليوم كمسافة- يقصد بهما المسافة التي تقطعها القافلة التجارية من شروق الشمس وحتى الغروب، وهي تعادل 40 كم بحسب الإحصاءات الحديثة، كما تبعد تمبكتو عن مدينة ولاتة (أولاتن) التاريخية (تقع في مالي حاليا) بحوالي مسيرة خمسة عشرة يوما (مرحلة).

 

ويذكر المؤرخ الإفريقي السعدي- صاحب كتاب تاريخ السودان- أن مدينة تنبكت تأسست إسلامية، وكانت دوما في حضن الإسلام منذ بداية تأسيسها، وما تدنست بالوثنية قط "ولا سجد على أديمها قط لغير الله..".وقد تمتعت مدينة تمبكتو بمكانة تجارية واقتصادية كبيرة في غرب إفريقيا، حيت أضحت سوقًا تجاريًا كبيرًا، ومقصدًا للقوافل، وكان يفد عليها الرحالة بطريق الهند، وتقصدها قوافل التجارة من ساحل المغرب الأقصى، وطرابلس، وكانت مدينة ولاتة سوقًا للتجارة قبل تأسيس تمبكتو، وسرعان ما اقتفى العلماء أثر التجار، فكانوا يفدون إلى تمبكتو من أسواق مصر، وغدامس، وفاس، وبلاد السوس، وغيرها.

 

وقد أعجب الرحالة المعروف "الحسن الوزان" (وهو المشهور في الكتابات الاستشراقية بـ"ليو الإفريقي" بمدينة تمبكتو لما زارها إبان القرن السادس عشر الميلادي، وذكر أنها كانت عامرة بالحوانيت التي كانت تعج بكل من الصناع والتجار، لا سيما المنتجات والسلع القادمة من المراكز التجارية في أوروبا التي كان يحملها تجار المغرب. كما كانت تشتهر أيضًا بأن بيت مال الملك فيها عامر بالأموال، وقضبان الذهب، والتي قد يزن بعضها نحو 440 كجم من الذهب، أو حوالي 1300 رطل.

 

وكانت مدينة تمبكتو من أهم المراكز التجارية التي تتم فيها تجارة الذهب، وهي أحد أهم مراحل هذا الطريق إلى جانب أنها كانت تخرج منها أربع طرق تجارية كبرى، والتي كانت تعبرها القوافل التجارية. أما عن (الطريق الأول): وكان يمر بمدينة جاو (عاصمة "مملكة صنغى" فيما بعد)، وكذلك بلاد الكانم عند بحيرة تشاد (في بلاد السودان الأوسط)، ثم إلى أرض مصر.

 

أما فيما يخص (الطريق الثاني): فإنه كان يمر به التجار، ثم إلى الشمال حتى يصلوا إلى إفريقية، وهي مدينة تقع في دولة تونس حاليًا، وهي في الغالب القيروان. أما (الطريق الثالث): وهو ذلك الطريق الذي يمر عبر بلاد سودان وادي النيل، لا سيما القادم من درب الأربعين، ومن ثم إلى إقليم دارفور، وغرب سودان وادي النيل. بينما (الطريق الرابع): فكان يمر من وإلى مدينة سجلماسة التي تقع في بلاد المغرب الأقصى.

 

وعلى أي حال فإن هذه الطريق الأخيرة هي الأشهر، وهي المعروف بتجارة الذهب أكثر من غيره من الطرق، ولهذا عرف هذا الطريق باسم "طريق الذهب".

 

وكانت "تمبكتو" تسيطر على الذهب القادم من المناجم المحلية، وكذلك المجاورة لها، ومنها تلك المناجم التي تقع في منطقة "فولتا السوداء "Black Volta، وكذلك الذهب المستخرج من مناجم مناطق "غابات الأكان"Akan Forests. ويشير كولين ماكفيدي بدوره إلى أن كلًا من مدينتي تمبكتو، وجنى صارتا محطتي قيام للقوافل التجارية التي كانت تخترق الصحراء الكبرى في اتجاه الشمال، نحو بلاد المغرب الأقصى، وكذلك المغرب الأوسط (الجزائر)، وغيرها من المناطق الأخرى.

 

ونظرا لأهمية هذه المدينة في "تجارة الذهب"، فقد اهتم الأوروبيون بها منذ حقبة القرن 9ه/15م، لا سيما عن طريق تجار مدينة فلورنسا. ومن جانب آخر، يرى "جيمس دفى" James Davi أن حقبة القرن الخامس عشر الميلادي (القرن التاسع الهجري) تعد بمثابة حقبة الاكتشافات الكبرى في ساحل إفريقيا الغربي على أيدي المستعمرين البرتغاليين، وذلك بقيادة الأمير "هنري الملاح".

 

ومن ثمة اهتم البرتغاليون بمنطقة غربي إفريقيا نظرا لما كانت تتمتع به من ثراء هائل بمناجم الذهب، ولهذا عمل البرتغاليون على الوصول إلى مدينة تمبكتو وغيرها من مراكز التجارة الكبرى في تلك النواحي بحثا عن المعدن النفيس، ومن ثم السيطرة على تجارة الذهب، واحتكارها بعيدًا عن نفوذ كل من التجار العرب والبربر، وهم الذين كانوا يسيطرون على تلك التجارة المربحة.

 

استاذ جامعي وباحث في التاريخ الإفريقي

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز