عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
لو لم تضحك أم كلثوم.. كان هناك كلام آخر!!

لو لم تضحك أم كلثوم.. كان هناك كلام آخر!!

مرة واحدة شاهدت إسماعيل ياسين وأنا طفل قبل رحيله عن الدنيا بعام أو بضعة أشهر، وذلك عام 70، كانت الدنيا قد بدأت تدير ظهرها للنجم الأشهر، رأيت حركته فى الشارع متعثرة، وخطواته بات إيقاعها بطيئًا، كما أنه مع الأسف فقد روح الدعابة، عندما استمع إلى من يقول له (يا بؤه) مجرد سخرية، مؤكد قد تعوّد عليها لأن الناس كانت تعتقد أن اتساع فتحة فمه عن المعتاد هو سر الضحك، إلا أنه لم يتقبلها، واستمعت إليه وهو يتبادل مع قائلها كلمات نابية.



الناس تتوقع أن فنان الكوميديا لا يعرف سوى الضحك، وأنه يصحو على نكتة وينام على نكتة، وبين النوم والاستيقاظ لا يكف عن إلقاء النكات.

ليس فقط البسطاء هم من يمارسون ذلك مع فنانى الكوميديا، ولكن أيضًا المشاهير، إنه نفس الخطأ الذي وقعت فيه أم كلثوم عند لقائها الأول مع نجيب الريحانى فى مطلع الأربعينيات، كنت كثيرًا ما أسأل نفسى لماذا لم يلتقيا فنيًا أو إنسانيًا؟ أتحدث قطعًا عن أصدق ضحكة عرفناها.. نجيب الريحانى، وأعظم صوت عانق قلوبنا (الست)، أحاول أن أمسك  بخيوط الإجابة.

إنها الصورة الذهنية التي تسبق الفنان، والغريب أن أهل الفن غير محصنين بالمرة، من الوقوع داخل شراك تلك الصورة، التي تصدر لنا دائمًا أن حياة الفنان امتداد لأدواره على الشاشة.

يعتقد البعض أن الدموع التي لا تُنسى هى تلك التي رأيناها تنهمر من نجوم (التراجيديا)  أمثال يوسف وهبى، وأمينة رزق، وحسين رياض، وعبدالوارث عسر وغيرهم، بينما الواقع يؤكد أن الدموع التي لا تغادر وجداننا هى تلك التي رأيناها على الشاشة لنجوم الكوميديا.

هل يستطيع أحد أن ينسى مثلًا نجيب الريحانى فى آخر إطلالة له على الشاشة، «غزل البنات» وهو يبكى عندما يستمع إلى محمد عبدالوهاب  يغنى وكأنه يعزف على جراحه (ضحيت هنايا فداه/ وح أعيش على ذكراه).

يبدو أن أم كلثوم اعتقدت أن الريحانى لا يعرف فى الدنيا سوى (القهقهة)، ولهذا عندما رأته بالصدفة لأول مرة وجهًا لوجه بأحد الفنادق بالإسكندرية، لم تستطع أن توقف ضحكاتها، فما كان من «نجيب الريحانى» إلا أن انصرف غاضبًا، ولم يتم التعارف بين قمتى الغناء والكوميديا فى مصر؟!

استمعت إلى أم كلثوم وهى تروى هذه الحكاية فى مذكراتها، التي سجلها لها الإذاعى الراحل وجدى الحكيم، كان يبدو الندم من نبرة صوتها، لأنها أغضبت الريحانى، تلك الواقعة تحيلنا مباشرة إلى الفارق بين الفنان والإنسان وهما فى العادة ليسا وجهين لعملة واحدة، ملامح الفنان التي تصدرها لنا الشاشة تحدد لنا إحساسًا يظل دومًا فى أعماقنا، لا تتطابق بالضرورة مع حقيقة هذا الفنان، لو سألت كل نجوم الكوميديا، لاكتشفت أن ما يؤرقهم أن الناس بمجرد أن تشاهدهم تعتقد أنهم على أهبة الاستعداد ليرووا لهم آخر نكتة، وعندما يتأخرون قليلًا عن الاستجابة الفورية يشعرون بخيبة الأمل.

أتأمل غضب الريحانى من أم كلثوم، هى قطعًا لم تقصد إهانته، ولكنه (الارتباط الشرطى) كما يطلق عليه علماء النفس، رأت أم كلثوم، نجيب الريحانى، انفجرت ضاحكة، فانفجر هو بعدها وكرد فعل طبيعى غاضبًا، هل لم يدرك الريحانى أن الأمر خارج عن إرادتها ؟!!

لقاء العمالقة فى الأعمال الفنية هو ما يتبقى، وكثيرًا ما حرمنا من تلك الثنائيات، لأسباب مختلفة، مثلًا إسماعيل ياسين، وعبدالحليم حافظ، حالت النجومية الطاغية لإسماعيل فى منتصف الخمسينيات، دون لقاء مشترك، كان عبدالحليم يفضل أن يشاركه عبدالسلام النابلسى، الذي يرضى بدور صديق البطل فى مساحة درامية  أقل، وعندما عاد النابلسى إلى لبنان بعد مطاردات مصلحة الضرائب له، وتضاءل وهج اسم إسماعيل ياسين، وكان على استعداد لأداء دور أقل فى مساحته من البطل، أسند عبدالحليم، فى (معبودة الجماهير) الدور إلى فؤاد المهندس.

قرر طلعت حرب رجل الاقتصاد المصري الجمع  بين أم كلثوم، وعبدالوهاب فى فيلم غنائى،  وتعثر المشروع،  لأن أم كلثوم أصرت على ألا ينفرد عبدالوهاب بتلحين كل الأغانى، لم يذكر التاريخ أن هناك من حاول الجمع بين ثومه والريحانى، ربما لو لم تضحك (الست)، كان هناك كلام آخر!!

 

 

من مجلة روزاليوسف

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز