قصر المانسترلى.. تحفة نادرة بألوان زيتية على نهر النيل
قصر المانسترلي.. تلك التحفة النادرة والمنقوشة بألوان زيتية ذهبية وخضراء وحمراء على نهر النيل، تفوح منها نغمات الحفلات الموسيقية التي تقام بها، والتي لا يدرك جمالها الكثيرون، ويقع القصر جنوب غرب جزيرة الروضة بالمنيل أو "كشك الشاي" كما يُدعى والذي بني عام ١٨٥١، وأصبح ملكًا للحكومة المصرية وهيئات الآثار عام ١٩٥١.
وخلال حوار مع "سهير قنصوة" مدير عموم آثار مصر القديمة والفسطاط، طرحت سؤالًا عن البعد التاريخي لموقع "قصر المانسترلي" بالمنيل وأهميته، فقالت قنصوة، قصر "المانسترلى" يجاور مقياس النيل نسبة إلى صاحبه "حسن فؤاد باشا المانسترلى" الاسم الذي يرجع إلى مدينة "مانستر" بمقدونيا بلد الإسكندر المقدوني.
سهير قنصوة . مدير عموم مناطق الآثار القديمة
بُنى القصر في موقع كانت تشغله من قبل قلعةُ المماليك البحرية التي أسسها "الصالح نجم الدين أيوب" آخر ملوك الدولة الأيوبية.
القصر موجود في موقع عبقري نهاية جزيرة الروضة يحيطه الماء من ثلاثة جوانب في هيئة شِبه جزيرة.
أتت أهمية الموقع الحيوي آنذاك من اعتبار جزيرة الروضة متنزهًا لعلية القوم أغلب فترات مصر الإسلامية، حيث أُنشئ بها العديد من القصور وكانت محل إقامة وتدريب المماليك البحرية، ونواة نشأتهم، وتوجد حاليًا عدة شوارع بأسماء مملوكية وأشهرها شارع المماليك البحرية.
ما أهم التكوينات الرئيسية لقصر المانسترلي وكم تبلغ مساحته؟
عدة مبانٍ كانت تشكل القصر كله، تبقى منها كشك الشاي وهو نمط من المباني عرف في فترة حكم الأسرة العلوية، ظل قائمًا أيضا المبنى الذي كان يستخدم لإقامة الخدم ويشغله حاليًا متحف أم كلثوم.
مساحة كشك للشاى 1000 متر ، مقسم إلى قاعة رئيسية مستطيلة بأرضية رخامية، وجدران مزخرفة ملونة ومذهبة..يدخلها زائر القصر من باب رئيسي موجود بالجهة الشمالية على يمين الصالة الرئيسية، و توجد قاعة الموسيقى وهي قاعة مصممة بعبقرية لتفخيم الصوت ،دون الحاجة إلى الإستعانة بمكبرات الصوت يحفها حجرتان إحداهما ملحق بها الحمام الوحيد ،أما على يسار الصالة الرئيسية فتوجد غرفة الباركيه الكبيرة، وفى الجهة للجنوبية يوجد التراس الرئيسى الكبير ويسمى المنظرة ،وكانت للجلوس والإفطار وشرب الشاى .كما يوجد فى الجهة الغربية تراس آخر صغير يصل بالرئيسي عن طريق ممر صغير على النيل وله حلية خشبية على هيئة الكورنيش المصري.
وبما أن "كشك الشاي" هو الجزء الباقي من القصر مع مرور الزمن، فماذا حدث للقصر الرئيسي إذن؟
اندثر القصر الرئيسي وأقيمت محله محطة مياه الروضة، وقد ذكر "علي باشا مبارك" سيرة القصر في الخطط التوفيقية الجزء الأول.. فالقصر كان مكونًا من عدة مبانٍ يفصلها عن الكشك حديقة، وكان الكشك يطلق عليه كشك السرايا. فهو المكان المخصص لشرب الشاي والاستجمام منفصلًا عن القصر.
زخارف الأسقف والجدران وألوانها المتباينة خاطفة للنظر، كما لو أنها لوحات دقيقة النقش، على أي طراز صُممت يا ترى زخارف كشك الشاي؟!
زخارف المانسترلي نجد مثيلاتها في قصور تلك الفترة، وهي زخارف ملونة ومذهبة تعرف بزخارف الباروك بتأثيرات عثمانية وتوجد شارة الدولة العثمانية ضمن عناصر الزخارف الموجودة بجدران القصر.
منذ سنوات كانت عائلة الممثل "حسين فهمي" تدافع عن ملكية القصر، كيف انتهت تسوية القضية؟
القصر حاليًا مسجل في عداد الآثار الإسلامية والقبطية ضمن مناطق آثار مصر القديمة والفسطاط، أي أنه أملاك دولة، وموقعه يمثل فترة مهمة من التاريخ المصري.
والفنان "حسين فهمي" فخور بعائلته وبقصر "المانسترلي" باعتباره من ميراثها، لكنه أيضا وطني وعاشق للآثار المصرية ودعمها، وأعتقد أن موضوع التقاضي قد تم صرف النظر عنه.
كيف تهتم وزارة الآثار بحماية مثل ذلك الأثر القديم التاريخي، هل هناك مشروعات لتجديد القصر؟
حدثت عدة ترميمات للقصر وهو حاليًا يخضع للترميم الدقيق "لزخارف الجدران" وبجانب تسليط الضوء الدائم على البعد التاريخي والمعماري الجمالي، أصبح القصر يتخذ أهمية ثقافية وفنية حيث يشهد أنشطة ثقافية، وتقام به حفلات دولية وندوات فنية تتم بالتعاون بين وزارة السياحة والآثار والثقافة.
بالطبع هذا الحديث يقلنا إلى مقياس النيل المجاور لقصر المانسترلي، والذي يضفي أبعادًا تاريخية وأيضاَ فنية مدهشة، تعكس طريقة المصريين المبتكرة لتنظيم الري وحساب منسوب الفيضان وحماية الأرض الزراعية وتحديد نسبة الخراج، نود الحديث عن القيمة الفعلية للمقياس كأثر هام وبديع المنظر يجاور قصر المانسترلي
نعم، بالطبع تمثل ارتباط حياة المصريين بنهر النيل من خلال إقامتهم المقاييس على طول النهر لتنظيم عملية القياس، وذُكر ذلك في الأسرة الخامسة في نقش حجر باليرمو.. وتعد وظيفة "صاحب المقياس" كما تسمى أي "الموظف المسؤول" من الوظائف الهامة والتي تمنح صاحبها مكانة عالية في المجتمع.
مقياس النيل الموجود بالروضة هو أقدم المنشآت المائية، وكان في الجهة المقابلة له يقع مقياس بقصر الشمع. أنشئ في العصر العباسي 247 هجري 861 ميلادي في عهد الخليفة المتوكل العباسي. ويعكس المقياس مدى تقدم النظريات الهندسية وفن المعمار في العصر الإسلامي، حيث أدرك المهندس أنه كلما زاد الضغط الأفقي للماء. تطلب الأمر جدرانًا سميكة وهو ما تم أخذه بالاعتبار، وبالتالي بُني المقياس على ثلاثة مستويات، الأول دائري وسميك لتحمل ضغط المياه وسهولة حركتها، والثاني والثالث على شكل مربع أوسع من الدائري في الثاني فأكثر اتساعًا في الثالث!
ويرتكز عمل المقياس في عمود القياس المدرج، الذي يحدد مستوى المياه به وكيف ستكون حياة المصريين هذا الموسم.. وكان المستوى المرجو هو 16 ذراعا؛ فأقل من ذلك يعني الجدب، إنما أكثر منه فيعني الفيضان.
جدير بالذكر أنه من الممكن رؤية تفاصيل قصر المانسترلي والمقياس من خلال جولات افتراضية وهذا ممتع ويسير، فقد أطلقت وزارة الآثار الموقع الإلكتروني لتمكين أي سائح بعيد من زيارته.
بقلم: سارة فؤاد شرارة
جوجل نيوز
