عاجل
الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

نشوى سلامة تكتب: السعادة اختراع

نشوى سلامة
نشوى سلامة

في مكان يمتلئ بالناس والسيارات وأصوات المحركات والعمال. فجأة قطع كل ذلك صراخ طفل، بل قل نحيب طفل، يحمله والده غصبًا ويظهر ذلك من طريقة حمله له، ثم فتح باب سيارة ونهر الطفل بشدة وألقاه بداخلها وأمره بعدم الحركة واختفى بين الزحام، لفت نظري ما حدث، فكدت أتحرك نحو هذه السيارة بكل حماس واندفاع لأهدئ من حال الطفل إذا استمر صراخه ثم رأيت ولدًا يكبره في العمر يحاول فتح باب السيارة وهنا ظهر الأب مرة أخرى، مشددا على الولد الأكبر ألا يسمح لهذا الطفل بالخروج.



 

وما لبث أن تحرك الرجل فوجدت الطفل نهض ينظر حوله من خلف الزجاج وكأنه يتأكد من انصراف الرجل ثم بدأ في التنطيط على المقعد الخلفي وتعلو وجهه ابتسامة وأظن أنها سعادة فقد انقطع الصراخ فجأة، ولا مكان للدموع والتقط أحزمة الأمان وبدأ يتفنن في اللعب ويضحك، أخذت أرقبه وأتعجب من تغير حالته، هل نجح بالفعل في التغلب على غضبه وبدأ يبحث عم يسعد حاله بنفسه؟ وهل نجح في ذلك فعلا؟ أم أنه يتظاهر بذلك ليقنع ذاته أنه يستطيع وأنه لا مجال لسيطرة أي مزاج سيئ عليه.

 

أم أنه بالفعل يتمتع بحال جيدة وأن ما افتعله من صراخ وبكاء فقط ليظهر عكس ما هو عليه فنطلق عليه بكل أريحيه (عيل نكدي)، حقيقة الأمر أن هذا الطفل مجرد نموذج مصغر لما نراه حولنا حتى لو كانت الحكاية معكوسة، أي أن الحال يكون سيئ لكننا نظهر عكسه، والفرق بيننا وبين هذا المحتال الصغير أنه استطاع خداع الآخرين أما نحن فلا ننجح.

 

فلماذا إذن يتظاهر الناس بعكس ما يكنونه بداخلهم، بالرغم من أن داخلهم منعكس وجدا عليهم وعلى أدائهم، لماذا يخفون دائمًا شيئًا، أو ربما الأصح أنهم يتخفون من شيء، ما الذي يسيطر عليهم فيجعلهم دائما مستترين، ولو علموا أن ما يستتروا خلفه هو ما يكشفهم بمنتهى الوضوح، لما تكلفوا كل هذا المجهود والعناء في التخفي من حقيقتهم.

 

هل يعود ذلك إلى انتقاص في الذات، فيتظاهر البعض بما يتمنون أن يكونوا عليه، أم هو بالفعل صناعة يجيدونها ويبدعون في إتقانها، عساهم يصدقون أنفسهم في ذات مرة ويستمرون في تمثيلهم، وتكن ملائكة الامنيات موجودة فتحقق أمنيتهم وتلبسهم الروح التي ينشدوها، ولا يعودون إلى حالتهم الأولى؟ التي للأسف سرعان ما تقفز منهم بسبب زلة لسان، أو حتى حركة جسد، أو ربما مواقف يتعرضون اليها.

 

ولذا أتمنى أن نتخلص من ذلك التظاهر وأن ننجح كمحتالين مثل هذا الصغير وأن يكن ما بداخلنا بنفس براءته، وان نستطيع إسعاد أنفسنا حتى لو اخترعناها.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز