د. ايمان الجمال تكتب "حكاية العرابة المدفونة"
فى طريقى من القاهرة إلى سوهاج جبال على الجانبين سحر وجمال طبيعي ينسيك تعب السفر، وصلت إلى محافظة سوهاج ومنها استقللت عربة إلى مدينة البلينا حيث يقع معبد أبيدوس "العرابة المدفونة" كما يعرفها الجميع هناك.
المعبد هو أحد مفاخر العمارة المصرية، شيده " ستى الأول" وهو من أجمل المعابد وأهمها فى مصر وجدرانه مغطاة برسوم ونقوش بارزة ملونة وبحالة جيدة حتى وقتنا الحالي وهو المكان المقدس للإله أوزوريس.
خاطبتني نفسي قائلة : ابتسمي أنتِ فى حضرة "أوزوريس".
لم احتمل أن أذق طعم الراحة ، المعبد على مسافة أمتار أمامي توجهت إليه. وقفت فترة انظر للارتفاع الرهيب للسقف والأعمدة باحثة عن أوزير.
هنا يا سادة بنفس المكان مثلت أول مسرحية بالتاريخ " مسرحية الآلام تمثل أسطورة موت أوزير وانتصار الخير على الشر، يشترك فى التمثيل فيها الشعب والكهنة كل عام وتتكون من ثمانية فصول وتشترك فيها إيزيس وأختها نفتيس: الفصل الأول عن ذلك الإله الجنائزي القديم " وبواوة " وهو خارج فى موكب ليشتت أعداء أوزوريس ويفتح له الطريق. وفى الفصل الثاني يظهر "أوزوريس" نفسه فى قاربه ومعه نفر من الحجاج الذين كانوا يساعدون "أوزوريس" فى منع أعدائه من تعويق سير القارب.
والفصل الثالث ذكر فيه تنظيم الموكب العظيم للإله وما فيه من جلال عندما لقي حتفه . والفصل الرابع يخرج " تحوتى" رب الحكمة وهو هنا مجد الجثة. ويتضمن الفصل الخامس الاحتفالات المقدسة التي يعد الإله بها للتحنيط ، على حين يخصص الفصل السادس يشاهد فيه الجمهور يسير فى زحام عظيم إلى المقام المقدس خلف العرابة المدفونة حيث يوارى جثمان الإله الراحل . والفصل السابع على شاطئ " ندبة " القريبة من العرابة المدفونة يهزم أعداء " أوزوريس" ومعهم الإله " ست " وأتباعه فى موقعة عظيمة على يد حورس . وفى الفصل الثامن نشاهد " أوزوريس" وقد عاد إلى الحياة يدخل إلى معبد العرابة المدفونة فى موكب مظفر.
المعبد مخصص لعبادة الإله أوزوريس وجدارياته تحكى الأسطورة الأوزورية ومساعدة زوجته إيزيس له فى العودة مرة أخرى للحياة.
من بداية دخول المعبد وتتوالى المناظر التي تحكى أسطورة أوزير، إنها أسطورة الوفاء وانتصار الخير على الشر ، قصة إيزيس وأوزوريس.
يضم المعبد مقصورات الآلهة وبمجرد دخولي وجدت جدارية التطهير، تطهير حورس لأبيه أوزوريس بمساعدة تحوت طقسة كان لابد منها مع الموت لبداية الحياة بالعالم الآخر فى فكر القدماء نحن نستعد بالغسل والتكفين فى عصورنا وبفضل أقرب الأقربين يقوم بغسله، لكى ينهض أوزير ( أوزوريس ) ويستمر بحياته الأبدية فى رحلته بالعالم الآخر.
وتتوالى الجداريات كل يحكى تعويذة وقصة ويحتوى المعبد على أشهر المناظر لحاتحور وإيزيس بشكل منفرد ليعطى معنى الرومانسية بتصوير فنى لا مثيل له.
مررت على الحجرات كل مقصورة بالمعبد تحكى قصة هنا أريد الوصول إلى القبر الوهمي لأوزوريس لابد من المرور بكل الحجرات للوصول إلى سلم يوصل إلى الجانب الغربي للمعبد .
فى جزيرة تحت الأرض تحيط بها المياه ومعروف باسم الأوزورين. .
وصلت إلى المعبد بعد صعود سلالم مرتفعة وإذا بالمكان منخفض جدا عن سطح الأرض وتحيط المياه بحجرات المعبد.
ومع الأسف ظن البعض أنها مياه جوفية وتم عمل خزانات مياه لشفطها عدة مرات وترجع مرة أخرى، عفواً ليست مياه جوفية.
معبد الأوزوريون تم بناؤه بفكر ديني أول ترجمة للعقيدة الدينية معمارياً، فى حجرة الدفن، قاعة مستطيلة الشكل سقفها مرفوع فوق عشرة أعمدة من الجرانيت الوردي وفى وسطها جزيرة محاطة بالماء وعليها تابوت أوزير .
ويعتقد أن الصالة الوسطى بجزيرتها وبركتها التي تحيط بها والخلايا السبعة عشرة ما هي إلا محاولة لتجسيم أسطورة خاصة بخلق العالم حيث يدفن أوزير فوق التل الأزلي فى الجزيرة المحاطة بالمياه.
ويقال إنه كان يوجد بجزيرة حجرة الدفن سرير يرقد عليه أوزير وصندوق الصناديق الذي يحوى رأس أوزير هناك لكن لم يتم العثور على ذلك الأثر، ومن الغريب انه لا يستطيع أحد الدخول إلى الأوزورين إلا بمواعيد محددة بالعام ، شهري يناير وفبراير ومارس.
فى وقت أعياد أوزير بعد مرور أربعة أشهر ونصف على فيضان النيل تنحصر المياه بالقناة المحيطة بالمعبد ويتمكن من الدخول إليه.
ومن الغريب قدرة الأجداد على حمل حجارة تصل إلى 100 طن من الجرانيت وتوضع بالشكل المتجانس فوق على قمة حجارة أخرى ويتم إنزالها إلى هذا العمق بالدقة الفائقة نتعجب من بناء الأهرامات ولكن الأوزوريون أعجوبة منفردة المثيل.
لم أستطع الدخول إلى الأوزوريين بسبب إغلاقه المبنى يحتاج إلى رعاية واهتمام من وزارة الآثار وللخروج إلى الطريق العام يوجد مخرج عن طريق معبد رمسيس الثاني ومنه إلى مجموعة من بيوت القرية المتهالكة.
وقفت هنا مستغربة البيوت على جانبي معبد أبيدوس من الجانب الأيمن منازل مهدمة ، والغريب إعلان وزير الآثار اكتشاف مقصورة منتوحتب بعد أن نجحت شرطة السياحة من ضبط عدد من الأهالي فى محاولة إجراء أعمال حفر وتنقيب ، مما أسفر عن هبوط أرضى بالمكان.
المقصورة المكتشفة تقع فى الشمال الشرقي من معبد الملك سيتي الأول ، حيث تبعد عنه نحو 150 متراً.
والغريب وجود منازل مهدمة ملاصقة للمعبد ، الأمر يستحق التنقيب ، معبد أبيدوس من أهم المعابد المصرية ويحتوى على قائمة بأسماء الملوك فى المقصورة المؤدية لسلم الأوزوريين
ووجد بها خرطوش باسم الملك منتوحتب وبتنقيب الباحثين عن تهريب الآثار ومع الأسف تنقيب غير متخصص وجدت المقصورة ، ألا يستدعى ذلك التفكير بوجود مقاصير أخرى .